منوعات
فيروز في عيدها الـ86.. عودة إلى “سيلفي” العام وماضيها العصي على النسيان
فيروز في عيدها الـ86.. عودة إلى “سيلفي” العام وماضيها العصي على النسيان
تقرير : محمد الأزن/ العربية
في عيد ميلاد فيروز، الـ 86، نعود بالذاكرة إلى صورة “السيلفي” التي أطلت بها على عشاقها، من نافذة ابنتها الافتراضية، ورسالتها الوحيدة إلى اللبنانيين هذا العام، في الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت المأساوي.
“إذا الأرض مدورة يا حبيبي… رح نرجع نتلاقى يا حبيبي…”؛ بهذه الأغنية التي أدتها في مسرحية “ناس من ورق”، اعتادت السيدة فيروز أن تعد جمهورها المتعطش دائمًا للقائها، بلقاءٍ جديد، وفي 2021 لم تتأخر عن لقائهم بطريقة معاصرةٍ جداً، من خلال صورة سيلفي، نشرتها ابنتها ريما عاصي الرحباني عبر حساب الفيسبوك الخاص بها، وأصبحت الصورة حدثًا تناولته الصحافة على امتداد العالم العربي، وحديثًا ضجت به مواقع التواصل، أواخر شهر يونيو/ حزيران.
أسرت “جارة القمر” قلوب محبيها، بابتسامتها الخجولة، وعينيها الحانيتين الثابتتين في مواجهة الكاميرا، وعلقت ريما على الصورة بعبارةٍ شديدة البساطة، عميقة المعنى، ربما تلخص من خلالها ما تشعر به السيدة حالياً: “سيلفي والماضي خلفي”، وهي التي أنشدت يوماً من ألحان ابنها الموسيقار زياد الرحباني: “في ماضي كتير بس مضى…”
لكنّ ماضي السيدة فيروز، صاغ ذاكرتنا، وذكريات آباءنا قبلنا، وربما بعض أجدادنا، وأبنائنا، فعلى مدى أجيال كان لديها ما تقوله بصوتها الذي سيبقى ملء السمع والبصر، في كل حدث وحديث، عن الحب، والحرب، والحياة، والإنسان، والأوطان، وهي من لقبّها الشاعر اللبناني الراحل سعيد عقل بـ “سفيرتنا إلى النجوم”.
وفي الذكرى الثانية لتفجير مرفأ بيروت المأساوي، وبينما كان ولا يزال وطنها لبنان على صفيحٍ ساخن، أفرجت ابنتها، عن قطعةٍ أثيرة من أرشيفها، من كواليس حفلها الشهير بمقر الجمعية العامة للأمم المتحدة، سنة 1981، أنشدت فيها رائعة جبران خليل جبران: “الويل لأمّةٍ كثرت فيها طوائفها، وقل فيها الدين…”، وقالت وقتها أنها كانت رسالةً تحب إيصالها عن وطنها؛ “رغم كل العذاب بعده لبنان…”، هذه الرسالة التي لم تفقد دلالتها بعد 40 عاماً.
لطالما اعتبرت السيدة فيروز، رمزاً لوحدة لبنان، الذي أنشدت حبها له بـ “شماله وجنوبه وسهله وجبله”، “جبلاً للغيم للأزرق”، و”وطنًا للحرية”، لم تنحز يومًا لأي من أفرقائه السياسيين، وطالما نأت بنفسها عن حروبهم، لتكون سفيرة اللبنانيين إلى النجوم، حملت صوتهم وحنينهم لوطنٍ مشتهى، وجمعت شملهم لأجيال على امتداد أصقاع الأرض.
فيروز لم تفارق وطنها في محنته خلال فترة الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، كما لم تحيي حفلاً واحداً على أرضه طيلة تلك السنوات الدامية، في إشارة واضحةٍ منها لعدم الانحياز لأي طرف، بينما بقي صوتها يبعث الأمل على جانبي جبهات القتال، إلى أن لمت شمل اللبنانيين، وداوت جراحهم، في حفلٍ أحيته بساحة الشهداء وسط بيروت، بعد انتهاء الحرب سنة 1994.
اسمها الحقيقي نهاد حداد، من مواليد 21 تشرين الثاني/ نوفمبر 1935 ، اكتشف موهبتها المؤلف الموسيقي محمد فليفل في أربعينيات القرن الماضي، حينما كان يبحث عن أصواتٍ جميلة يضهما لكورس الإذاعة اللبنانية، ومنحها المغني والملحن الراحل حليم الرومي المدير الموسيقي للإذاعة آنذاك اسمها الفني “فيروز”، الاسم الذي أصبح أيقونة للغناء في لبنان والعالم العربي، بوصفها نجمة وشريكة أعظم الأعمال الموسيقية والمسرحية للأخوين رحباني (الراحلين زوجها عاصي، وشقيقه منصور).
صوتٌ لم يخفت بريقه، أو أثره في وجدان اللبنانيين أو العرب، منذ خمسينيات القرن الماضي، غنّت قصائد نظمها أهم الشعراء كنزار قباني، والأخطل الصغير، وسعيد عقل وطلال حيدر… من ألحان مؤلفين موسيقيين مرموقين كالموسيقار المصري الراحل محمد عبد الوهاب، فيلمون وهبي، وغيرهم وصولاً إلى تجربتها الموسيقية شديدة الخصوصية، مع ابنها المؤلف الموسيقي زياد الرحباني.
وقُلدّت السيدة فيروز أوسمة فرنسية رفيعة، حيث قلدها الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران وسام “قائد الفنون والآداب” أحد أرفع الأوسمة الأوربية، أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كما قلدها الرئيس الفرنسي الراحل جاك شيراك وسام “جوقة الشرف” من رتبة فارس أواخر التسعينيات، وهو الوسام ذاته الذي قلدها إياه الرئيس إيمانويل ماكرون في 31 أغسطس/ آب 2020، وشعاره “الشرف والوطنية”، وأول ما أسسه قائد فرنسا التاريخي نابليون بونابارت مطلع القرن التاسع عشر.
كما حازت خلال تاريخها، وسام الشرف اللبناني من رتبة فارس، ومنحها إياه الرئيس اللبناني الراحل كميل شمعون، كما قلدها الرئيس اللبناني الراحل فؤاد شهاب وسام الاستحقاق، ووسام الأرز أرفع وسامٍ لبناني، وكذلك الرئيس اللبناني الراحل سليمان فرنجية قام بتقليدها وسام “جوقة الشرف”.
وكرمت الأردن السيدة فيروز بـ 3 أوسمة؛ “ميدالية الكرامة” ووسام “النهضة” الأردني من الملك الراحل الحسين بن طلال، ومنحها أيضاً “ميدالية الشرف” الذهبية، وأعلى وسام يمنح من المملكة الأردنية الهاشمية.
وقلدها الرئيس السوري الراحل نور الدين أتاسي، وسام “الاستحقاق” من الدرجة الأولى، في ستينيات القرن الماضي.