رأي

حيدر التوم خلفية يكتب: الحرب الروسية الأطلسية 3 : كيف ولماذا تسعى أمريكا لتوريط تركيا في حرب مع روسيا عبر دفعها لتسليح اوكرانيا بأنظمة صواريخ إس 400 الروسية الصنع

الحرب الروسية الأطلسية 3

كيف ولماذا تسعي أمريكا لتوريط تركيا في حرب مع روسيا عبر دفعها لتسليح اوكرانيا بأنظمة صواريخ إس 400 الروسية الصنع
حيدر التوم خليفة
قبل أكثر من عام قامت امريكا بطرد تركيا من مشروع انتاج الطائرة *المقاتله F35* ، احتجاجا علي شراء تركيا لمنظومة الدفاع الجوي الصاروخي الروسي المتطور المعروف ب إس 400 .. وذلك بحجة أن هذه الصواريخ لها القدرة على تتبع الطائرات الأمريكية ، والتداخل مع أنظمتها التكنولوجية المعقدة ، مما يؤدي إلى فك شفرات تشغيلها ، وتعطيل أدائها القتالي ..

ولكن تركيا العضو المهم في الحلف الاطلسي ، رفضت الرضوخ لضغوط ترامب ، وسارت قدما في إكمال الصفقة ، واستلمت مجموعة من هذه الأنظمة ، ونصبتها على أراضيها ..

واليوم تتعالي العديد من الأصوات في امريكا بصورة هيسترية ، في حملة منظمة ، مدعومة بسيل وطرق إعلامي قوي ومتوالي ، *بضرورة أن تقوم تركيا بنقل هذه المنظومات التسليحية الي اوكرانيا* ، حتي تعمل علي إحداث التوازن الجوي المطلوب في سمائها ..

وحقيقة هو طلب غريب ، يحمل في طياته عدة تساؤلات ، خاصة عن *المرامي الخفية* له من جانب ، *وإمكانية تنفيذه* من جانب آخر ..

ولنبدأ اولا بتناول *جانب إمكانية نقل هذه الطواقم الصاروخية الي اوكرانيا*..

نظريا يمكن ذلك ، ولكن عمليا هناك عوائق عديدة تحيط بهذا الأمر ، منها ..

*اولا* … إن هذا السلاح لم تشتره تركيا من مزاد عام ، وانما وفق صفقة مُضنية ، موثقة ، شهدت العديد من اللقاءات والمناقشات الواسعة ، وتمت وفق شروط ملزمة للطرف التركي ، *تحكم تشغيله وتنقله ، وأماكن تواجده وظروف إستعماله* ..

*ثانيا* .. لا اعتقد ان المفاوض الروسي على درجة من الغباء ، حتي يترك واحدا من أهم اسلحته لطرف اخر ، من غير *تحصينه بشروط استعمال قاسية ، محكومة بتكنولوجيا مفتاحية للتشغيل* .. تصل إلي درجة تخريبه تقنيا وهو علي الارض ..

*ثالثا* .. دائما في صفقات بيع الأسلحة الاستراتيجية ، هناك *قيود تمنع ، ولا تُجوٌِز أو تتيح للدول المشترية حرية التصرف فيها* ، مثلا لا يجوز لتركيا *تفكيك الصاروخ أو تحريكه خارج أراضيها ، أو بيعه ، أو إهدائه ، من غير موافقة الطرف البائع* ، اي روسيا ..

*رابعا* .. أن مثل هذه الأسلحة دائما ما تُحاط بتكنولوجيا سريه خاصة بالتشغيل ، لا يمكن اختراقها ، أو تعديلها ، لأنها تقع ضمن ما نسميه *بالنص البنيوي او التقنية المُضمنة المُصمته*
Built in designed technology

وعادة ما يحوي النص البنيوي *شفرات خاصة ، عالية التعقيد ، وصعبة الاكتشاف ، تعمل* ( في مثل هذه الحالة) *علي تحييد الصاروخ , وحماية طائرات روسيا منه ، وتجعل الصاروخ يتجاهلها , ويتعامل معها كأهداف صديقة ينبغي تجاوزها* ، الأمر الذي يعني إنتفاء فاعلية الصاروخ وخروجه من دائرة الخطر عليها ..

*خامسا* … أيضا تحوي التقنية المُضمنة ، إمكانية *التدمير الذاتي للصاروخ ، بواسطة شفرات توجه مباشرة الي ذاكرة تشغيله* ، وذلك عن طريق الاقمار الصناعية ، الأمر الذي يؤدي إلي إخراجه تماما من الخدمة ..

*كل ما ذكرته أعلاه ينبع من مقولة أن التكنولوجيا تهزمها التكنولوجيا ..*

لهذا ، فإذا كان كل ما ذكرت أعلاه ، مُدركا ومعروفا لدي تركيا وحلفائها الاطلسيين ، *فلماذا توالي الدعوات ، بنقل المنظومة الروسية الصاروخية المتطورة الي اوكرانيا ؟*

اري ان السبب الرئيسي الذي تسعي أمريكا من ورائه هو *توريط تركيا في حرب مباشرة مع روسيا* ، الأمر الذي يؤدي إلي إضعافهما معا ..

فالجيش التركي والذي جاء في المرتبة الأولى كأقوي جيوش المنطقة متفوقا على جيوش مصر وإيران وإسرائيل ، وحلٌ ثانيا كأضخم جيش في حلف الناتو ، سوف يمثل فارقا مهما ، إذا دخل في مواجهة مباشرة مع روسيا ..

فتركيا هي *المتحكم الرئيسي في الممرات التي تربط بين البحار الداخلية لروسيا وبين مياه المتوسط* ، لأنها تطل علي ثلاثة بحار ، وهي البحر الأسود شمالا ، والابيض المتوسط جنوبا ، وبحر إيجه غربا ، وتحوي بحر مرمرة كحلقة وصل بين هذه البحار ، وذلك بحدود بحرية تفوق الخمسة آلاف كلم ..

وتتحكم تركيا في الرئة البحرية الروسية بسيادتها الوطنية علي أهم المضائق في المنطقة التي تقود إلي البحار الداخلية لمنطقة اوراسيا ، وهي مضائق البسفور والذي يقسم استانبول الي قسم أوربي وقسم اسيوي ، ويربط بين بحر مرمرة والبحر الأسود ، ومضيق أو ممر الدردنيل والذي يربط بين بحر مرمرة بالبحر المتوسط …

والملاحة البحرية في هذه المناطق تخضع لبنود اتفاقية 1936 ، التي تُعرف بإسم اتفاقية مونترو ، والتي ما زالت تحكم حركة الملاحة البحرية هناك ..

والاتفاقية تعطي تركيا الحق في إغلاق هذه المضائق أمام الملاحة للسفن الحربية المحاربة لتركيا ، وهذا ما تسعي اليه امريكا ، اي حصار روسيا وإغلاقها بحريا ، وقطع الصلة بينها وبين سفنها في المتوسط وبقية قطعها البحرية المنتشرة في بحار العالم ..

إن قيام أي صراع عسكري بين روسيا وتركيا ، سوف يدفع تركيا الي تفعيل الاتفاقية وبسط سيادتها الوطنية علي الممرات المائية ، ومن ثم عزل روسيا عن قواتها البحرية في المتوسط ، وجعلها تتنفس بحريا برئة واحدة ، هي رئة بحر الشمال ، البعيد عن منطقة المتوسط ..

إن أمريكا تعلم تماماً أن من الصعب تحقيق نتائج اقتصادية مهمة من اجراءت المقاطعة الأطلسية المدعومة من كوريا واليابان ما دامت السفن التجارية تدخل وتخرج الي الموانئ البحرية الروسية في البحر الأسود بكل حرية ، وهي محملة بمنتجات روسيا فائقة الأهمية ، خاصة الغذائية ، أو سلع الطعام ، لهذا فإن قفلها كما تخطط امريكا سوف يخنق روسيا ، وسوف يحقق أهدافها الخفية من الحرب ، تلك الرامية الي اخراج روسيا من دائرة التأثير العالمي ، خاصة الاقتصادي ، ومن ثم الاستفراد لاحقا بالتنين الصيني ، ويجعلها المتحكم الرئيسي عالميا في إمدادات وتجارة القمح والذرة والزيوت وبعض المعادن المهمة ..

ولكن تركيا تعلم يقينا أن أي حرب مع روسيا ، يعني انهيارها اقتصاديا ، فهي تعتمد بصورة كبيرة على روسيا في إمدادات النفط والغاز والقمح ، والعديد من المعادن المستعملة في صناعتها الناشئة والمتطورة بسرعة كبيرة ، كما يعتمد قطاعها السياحى ، على المواطنين الروس ، والذين يمثلون 40% من جملة السياح في السنة ، كما أن معظم إنتاجها الزراعي من الخضر والفاكهة يتم تصديره إلي روسيا ..

إن التبادل التجاري بين البلدين يجعل تركيا تفكر الف مرة في إيفاء مصالحها ، علي الايفاء بطلبات ورغبات الولايات المتحدة .. وأن جزرة امريكا الممثلة في عودتها لبرنامج انتاج الطائرة F35 مستقبلا ، لا تمثل أو تعادل اذي عصا انقطاع تدفق النفط والغاز الروسيين ..

وتركيا تعلم تماما أن أمريكا تستعمل نفوذها في الناتو ، لبسط هيمنتها على اوروبا ، وجعل الاتحاد الأوربي ولاية أمريكية ، تدور وتأتمر بأمر سيد البيت الأبيض .. وان الحرب الروسية الأطلسية التي تدور في الارض الأوكرانية حالياً ، ما هي إلا حلقة من حلقات هذا المخطط ، وتدرك تماما أن أمريكا تريد تحقيق سيادتها على العالم بإزاحة روسيا حاليا ، والصين لاحقا ، من المنافسة الدولية خدمة لأهدافها ، وأنها سوف تخوض حربها ( كالعادة) بعيدا عن أراضيها .. وأنها بارعة في الاستفادة والكسب من أي حرب تقع في أي مكان في العالم لصالحها ، حتي ولو كانت بين مجموعتين من القرود في مجاهل افريقيا ..
وتعلم أن ما يهم امريكا هو استمرارية سيادة الدولار ، والذي تحميه اليوم الأساطيل والقوي النووية الأمريكية ، وأنها دولة بلا مبادئ أو قيم ، وان صداقاتها تحكمها مصالحها ، وقد رأت كيف قذفت امريكا بحليفتها وصديقتها فرنسا بعيدا ، في صفقة الغواصات النووية الي استراليا ..

كما تدرك تركيا أنها سوف تخسر عسكريا في أي مواجهة لها مع روسيا ، لأن الأخيرة تعلم أن أي حرب تقليدية عند حدودها الجنوبية ، ومع جيش محترف كالجيش التركي ، أمر غير مقبول ، وسوف يكون مكلفا للغاية ، لهذا فالحسم النووي هو الانجع ، خاصة وأن الصواريخ النووية المحمولة على الغواصات الروسية القابعة في مياه البحر الأسود ، لا تحتاج إلا إلي دقائق قليلة لمحو المدن التركية من الوجود ، الأمر الذي يعني محو تاريخ يفوق الألفي عام في لحظات .. وأن الماكينة الروسية لن يوقفها حتي صواريخ S 400 ، والتي سوف يتم تعطيلها وهي على الأرض قبل إطلاقها ..

إن أمريكا تسعى إلى خلط الأوراق ، وتوسيع دائرة المواجهة الحالية ، وتحويلها من مواجهة روسية أوكرانية مباشرة ، أو مواجهة روسية اطلسية غير مباشرة ، الي مواجهة روسية اطلسية مباشرة ، عبر الضغط على تركيا لإمداد اوكرانيا المحاضرة بصواريخ إس 400 ، وذلك من الجنوب ، أو بدفع النظام البولندي العميل غربا الي إمداد اوكرانيا بطائرات الميغ الروسية الصنع .. أو استغلال أحدي دول البلطيق ، بافتعال مشاكل مع روسيا ، وبالأخص دولة ليتوانيا ، العضو في الناتو ، الأمر الذي يؤدي لإجتياجها من الجيش الروسي ، ومن ثم إندلاع مواجهة مباشرة مع الأطلسي ..

لكل ما سبق ، اعتقد أن الإدارة التركية الحالية أكثر إدراكا لمصالحها ، وأكثر استقلالية في قرارها ، ويحكمها حس وطني يستعيد التاريخ الامبراطوري العثماني في كل علاقاتها الخارجية ، لهذا فهي تجنح الي الاستقلالية في القرار السياسي ، وتعتبره خطا احمرا لا يجوز تخطيه ، مع الاعتداد بالشخصية التركية وارثها التاريخي ، وتري في معظم اوروبا أعداءََ تاريخيين ، جمعتهم المصالح التي سرعان ما تتغير ، كما تري في امريكا ، مجرد دولة لقيطة بلا تاريخ ، دولة اوجدتها الظروف ، والمساكنة الاقتصادية ، وتقطنها شعوب ، تتدافع داخل كنيسة متهالكة تعبد رباََ اسمه الدولار ..

لكل ما سبق ، لا اعتقد ان تركيا على استعداد للتضحية بمصالحها الضخمة مع روسيا ، وتعريض نفسها لخطر الانهيار الاقتصادي ، من أجل نجدة اوكرانيا ، الدولة غير العضو في الناتو ، والتي تتضاءل أهميتها أمام ما تمثله علاقاتها مع روسيا ..

كما أنها تري النفاق الاوربي أمام أعينها ، والخطي تتسارع لضم اوكرانيا الي الاتحاد الأوروبي بالقفز علي الشروط التي تحكم الانضمام إليه ، بينما يتم رفضها ووضع العراقيل أمامها طيلة عمر الاتحاد ..

فالنفاق مثل رأس المال لا وطن له ..

*حيدر التوم خليفة*

٢٠٢٢/٣/٢٠

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق