رأي

حسن فضل المولى يكتب : عصام عبد الحميد.. شذا القُرُنْفُل ..

حسن فضل المولى يكتب :
عصام عبدالحميد.. شذا القُرُنْفُل ..

لا أذكر متى عرفته و كيف !!
و لكن بعد ذلك تبين لي كيف أن الرجل قد اختصه الله بقدرة فائقه على اجتذاب الناس إليه ..
وهي الخاصية ذاتها ، التي أودعها الله الزهرة ، فيتداعى إليها النحل من كل فج ليرشف رحيقها ..
و رحيقه كان مبذولاً و غامراً ومُبهِجاً ..
و كان ترددي يتوالى على داره ، كلما جمع أحبابه و أصفياءه ، لأنعم بلحظات تحيي موات قلبي ،و تُنعش فؤادي
وتزيل عنه الرَّانَ والكدرَ ..
و أنا إذ أفتقِده ، كما افتقَده من لا أحصيهم عدَّاً ، من خلصائه و ذوي مودته ، فإني أستشعر عِظم الفقد
و ذلك الفراغ الذي سَيَلُفُ نهاراتنا
و ليالينا من بعده ..

إن محاسنه لا تُستقصى
و بِيض أياديه لا تُحصى
و مَراقِي جوده لا يُعلى عليها ..
فالكل قد شهد له ..
شهدوا له بأنه كان من الكاظمين الغيظ و العافين عن الناس ..
و شهدوا له بأنه كان عفيف اللسان نقي الجِنان ..
و شهدوا له بأنه كان لين الجانب سهل القياد موطأ الأكناف مبسوط الجبين ..
و شهدوا له بكل صفة تجعل من صاحبها غِذاءَ القلوب و دواءها ..
و هو ما أوجزه صديقنا الشفيف اللطيف ( إبراهيم الكوباني ) ، في أنه كان سيرة عطرة و مَناقِب تمشي بين الناس على رجلين ..
و هو ماعبر عنه صديقه الأقرب الأثير ( عبدالله البشير ) ، في مرثيته المُعبرة الموجعة ..
( إنت كرمك دِيمَه فايِض
بِتَكْرِم الزول لو غِشَاك
إنت قلبك صافي وابيض
ماشُفْت أصلاً زي ” وفاك ” )

لقد كان عصام كالخيط ، الذي لولاه ، لما انتظم هذا العقد النضيد الفريد ..
ففي داره الرحيبة ألِفْتُ الكثيرين ، من الأفاضل ، الذين انعقدت بيني و بينهم وشائج أنضر الصلات ..
تعرفت إلى الفريق الرقيق ( محمد عبدالمجيد ) ، و اقتربت من الوقور ( محمد اسماعيل ) ، والراقي ( سيف حاج الصافي ) والشاعر الأنيق السفير (معاوية التوم) ، و الجميل (هاشم أحمد المصطفى) ، و ازددت قرباً من سيد النبلاء البروف ( قاسم بدري ) ، كما حظيت بحفاوة و محبة ( المهندس عمر أبوالقاسم ) ، و أسَرَني لطف وتواضع ورقة ( عمر مُنَّور ) ، و بدا لي الوجه الآخر للفريق ( صلاح الشيخ ) ، و توثقت آصرة المحبة بيني و بين الرجل الخلوق المرحوم الدكتور ( عمر الأمين ) و حرمه ( نادية ) ، و كان لقائي الأول بمن تسعدك صحبته ( كامل عزالدين ” سابنتود ” ) ، و كنت آنس إلى الودود ( عادل دفع الله ) ، و ( عبدالوهاب الأمين ) ، و ( مروان دهب) ، و ( عمر الهلالي ) بعيداً عن أسوار الدار ، و الذي تمنيت أن لو كانت معرفتي به أبدر وأبكر ، و يكتمل سروري بحضور صديقي الوجيه ( أحمد البشير ) ، ورؤية من تَسُرُ رؤيته ( علاء خالد ) ، الذي شهد نزُلُه بالرحاب في ( القاهرة ) لقاءنا الأخير ( بعصام ) ، فبعد أن انقضت المناسبة التي جمعتنا ، وهي زواج ( مي ) كريمة الصديق ( عبد المنعم الشيخ ) و حرمه ( هنادي كروم ) ، أصرَّ ( عصام ) ، أشد الإصرار ، في اليوم التالي ، على حضوري و أخي ( عبدالله البشير ) ، و قد نحر لنا (علاء) ذبيحة ما كان ينبغي لنا أن لا نطعمها ، فذهبنا والليل قد انتصف ليغمرنا الأخ ( علاء )بكرمه الفياض ، و وجدنا ( عصاماً ) يعاني ( العِلة ) ، التي لم نكن ندري أنها ستطوي أيامه الأخيرة في الحياة الدنيا ، لينتقل بعدها إلى ربٍ غفورٍ رحيم ..
و بعدها ..
افترقنا
و تفارقنا
و تفرقنا
و ها أنذا أنعيه بقلبٍ نازفٍ مفجوع ..
و أكاد لا أصدق ، لولا أن الموت حق ،
و (كُلُّ نَفْسٍۢ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) ..

نعم ..
لقد كان (عصام عبدالحميد) كالبحر ..
يقذف للقريب جواهراً جوداً
ويبعث للبعيد سحائباً ..
كان كثيراً ما يبذل لنا الدعوة ، تلو الدعوة ..
و لحظة أن تلج ( الدار ) ، فخذ راحتك للآخر ، فأنت في (بيت عصام) ، و اعتبر نفسك واحداً من آل البيت ، الذين تجدهم في خدمتك ، على قدم وساق ، باخلاصٍ و طيب خاطر ..
تجد الدكتورة البشوشة (وفاء مقبل) التي هي و (عصام) صِنوان في الحفاوة و الكرم و حُلو الشمائل ..
و تجد أبناءه البرره ، (أحمد) و (مبشر)
و (عبدالحميد) و إبنته المبرورة الطبيبة (نعمات) ، و هم يباشرون الجميع بأريحية و بلا ( كَشَرة ) ..
و إذا ما دعاك ، فأنت بوسعك أن تصطحب معك من تشاء ، فُيحسن استقباله ، و يُبدي من السعادة بحضوره و كأنك قد جئته بصديق له قد طال عهده به و انقطع ، وأنها ليست المرة الأولى التي يراه فيها ..
و إذا أردت أن تنصرف فلا تستأذن منه فإنه لن يسمح لك فبوده أن يستبقيك إلى جانبه حتى مطلع الفجر ، و هذا ماكنا نفعله أنا و صديق الأسرة ( عادل أحمد إدريس ) ..
و إذا أردت أن تغادر المائده فَتَحَيَن فرصة إنشغاله إذ أنه يظل يطعمك بإصرارٍ حتى تتضلع شبعاً ..
و إذا تَلفَّت يُمْنةً أو يُسرى طلباً لشيءٍ ، تجده مسرعاً ملبياً وبُغْيَتُك بين يديك ..
و إذا غبت عنه يُلحِفُ بالسؤال عنك ، وتظل أشواقه تلاحقك وكأنه لا يعرف سواك
فقولوا لي بربكم ، من يَقوى على هذا !!
و من يحتمل هذا ، غير ( عصام عبدالحميد ) !!
لذا فإن سُئِلت عن أوصاف ( شيخ العرب ) فقل بملئ فيك إنها مركوزة في ( عصام عبدالحميد ) ..
و إن سئلت عن أوصاف ( واسطة العقد ) فإنك واجد سيماها على جبين ( عصام عبدالحميد ) ..
و إن سُئِلت عن أوصاف ( حامل المسك ) الذي تلاحقك رِيحُهُ الطيبة ، فمن يكون غير ( عصام عبدالحميد ) ،
الذي رحل !!
رحل مخلفاً وراءه سيرة زاكية ، و نفوساً بقضاء الله و قدره راضية ..

اللهم ارحمه واغفرله وآنس وحشته ووسع قبره .
اللهم اجعل عيده في الجنة أجمل .
اللهمّ اجعل قبره روضةً من رياض الجنّة، ولا تجعله حفرةً من حفر النّار . اللهم ارحمه رحمةً تسع السماوات والارض .
اللهم اجعل قبره في نور دائم لا ينقطع واجعله في جنتك آمناً مطمئنًا يارب العالمين..
و ( إنا لله و إنا إليه راجعون ) ..

و السلام ..
حسن فضل المولى ..
أم درمان ٢٥ فبراير ٢٠٢٢

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق