رأي
أحمد حسين يكتب في نافذة أمان: كأنه حلم
كان صباحا سبق ستة أيام بالكمال والتمام لنسمع على إثرها التكبير والتهليل والتحميد من أعلى منصات المآذن ايذانا بحلول عيد الفطر المبارك بعد صيام شهر رمضان المبارك.
كنا حينها نمني أنفسنا بقضاء عيد سعيد نلتقي فيه بالاحبة؛ ليكون عيد في حضرة من نهوى؛ نتلذذ فيه بجمال التحيات الطيبات والذكر الحكيم؛ وتنقمس فيه نفوسنا في طاعة الله بالأكل والشرب بعد انقطاع لذلك الفعل نهارا طيلة أيام الشهر الفضيل.
كنا نخطط ماذا سنفعل بعد انقضاء مدة الإجازة التي تمنحها الدولة للعاملين في هكذا مناسبات لنعود إلى عملنا كل في مجاله بجد واجتهاد لتعود الحياة لدولاب العمل والدولة.
اكثرنا كان له عدد من الارتباطات ابان فترة العيد وبعد أن يزاول العاملون أنشطتهم بعد انقضاء مدة الإجازة.
أحلام كثيرة كانت تدور بخلدنا وخلد كل سوداني لكن كانت المفاجأة الكبرى أن تندلع الحرب في هذا الزمن القاتل.
عندما اشتد اوار الحرب في الخرطوم العاصمة تمهلنا قليلا لعل الأمور تسير على ما يرام ونبلغ بأن الحرب إنتهت إلى غير رجعة.
ولكن شيئا من ذلك لم يكن؛ بل تفاقمت الأزمة والأوضاع حتى بات السبيل الوحيد للنجاة هو مغادرة العاصمة الى مناطق أكثر أمنا وأمان.
فكان التفكير يشلنا يوما بعد آخر ونحن نفكر للترتيب لعملية الخروج الآمن للوصول للمبتغى؛ هذا التفكير أخذ منا أكثر من شهرين فأصبحنا بين الرجاء والأمل بعودة الأمور لطببعتها.
محطات كثيرة كانت في رحلة النزوح القسرية حتى وصلت آخرها وانا أنظر كل صباح لمن حولي من النازحين إن كانوا عشيرة أو أغراب أتحسس فجرا جديد ويوم “أحد ” كنا ننتظره منذ أن اندلعت الحرب يوم السبت.
وأنا وأسرتي في رحلتنا الطويلة منذ فجر الرابع والعشرين من رمضان قبل الماضي الموافق الخامس عشر من إبريل كنا نسترجع الأحداث والذكريات الأليمة التي مرت منذ ذلك التاريخ وكأنها حلم؛ مفجاتنا بالحرب وكيفية الخروج الآمن والبحث عن بدائل السكن والعمل وحتى ماعشناه من أيام خارح دارنا في الخرطوم.
مرت هذه الذكريات وكانها شريط مسجل على ذاكرة الزمن والألم.
تذوجت بنتي الكبرى في إحدى قرى الجزيرة الآمنة آنذاك تدعى “كردقيلي” ويعد إتمام المراسم مازحني صديقي وأخي الأكبر في دروب صاحبة الجلالة الذي عرفته قبل أن تتفتق آفاقي في مسيرة حياتي الصحفية الأستاذ القامة عرفة صالح مازحني قائلا: يا أحمد لو قالو ليك قبل سنة انك ستزوج بنتك في قرية كردقيلي ما حاتصدق ” .
مر عام ونيف بخطى متثاقلة ونحن معشر الإعلاميين والصحافيين لم نعتاد على أن نجلس في بيوتنا أزمنة متطاولة؛ كان عندما ياتينا يوم الخميس نشعر بأن “السبت بعيد” لمزاولة نشاطنا مجددا في الصحافة الورقية طبعا لأن الصحافة الإلكترونية لاتعترف بالإجازة.
اكتب هذه الكلمات وكلي أمل في جيشنا الباسل المنصور باذن الله أن يعيد علينا الأمن والأمان قريبا لتنتهي معاناه شعب وأمة اسمها السودان؛ وان يرجع الكل ويسير السائر من الخرطوم إلى حلفا ومن الشرق إلى غربنا الحبيب وشمالنا البازخ لايخشى إلا الله والذئب على غنمه.