تحقيقات وحوارات
برطم في حوار مع السوداني: المواكب المستمرة وإغلاق الشوارع (زادت طين الاقتصاد بلة)
برطم فى حوار مع “السوداني”: الاقتصاد السوداني تحول لقبضة مجموعة من السماسرة
المواكب المستمرة وإغلاق الشوارع (زادت طين الاقتصاد بلة)
اللجنة الاقتصادية لم تخفق في حل الأزمات ولكنَّ أداءها دون المستوى
الحكومة أهدرت الوقت في (شحدة) الدعومات المالية من العالم الخارجي
من يتحسرون على عهد البشير انهزاميون ولكل عهد إيجابيات وسلبيات
الأحزاب التي تطالب بفرض عقوبات اقتصادية تضر السودان وليس البرهان وحميدتي
المحكمة هي من قامت بفك تجميد حسابات رموز النظام السابق وإعادة تجميد بعضها
حميدتي لا يمول الحكومة ولا يمكن لرجل واحد تمويل اقتصاد دولة
أجرى الحوار: هالة حمزة
يعاني الاقتصاد السوداني من معضلات جمة، منذ عهد النظام الإسلامي الحاكم السابق، تفاقمت حدتها أكثر عقب تسلم الحكومة الانتقالية مقاليد الحكم بالبلاد، بارتفاع مضطرد في أسعار الصرف والغلاء المعيشي، واستمرار التداعيات السالبة للتحرير الاقتصادي الكامل، وإنفلات التضخم، رغم حرص الحكومة على إحتواء الأزمة بتكوين لجنة اقتصادية طارئة.
(السوداني) حاورت نائب رئيس اللجنة الاقتصادية الطارئة، عضو مجلس السيادة الانتقالي، أبوالقاسم برطم؛ للوقوف على دورها في حل المشكلة، وإجراء مراجعات شاملة لأدائها، وسبل الخروج من الأزمات الاقتصادية الراهنة.
ــ كيف تقيمون أداء اللجنة الاقتصادية الطارئة؟
ـ اللجنة هي آلية كونت لحل المشاكل الاقتصادية بشكل عام في فترة ما بعد الثورة، ولكنها تواجه منذ تكوينها وحتى الآن مشاكل غياب الرؤية والخطة الإستراتيجية الاقتصادية الواضحة لرفع المعاناة عن كاهل المواطن؛ مما أدى لتكرار الفشل، فنحن مثلاً نسمع منذ سنوات عن توجه الحكومة في السودان نحو زيادة الإنتاج والإنتاجية، ولكن لا وجود لذلك على أرض الواقع.
ــ ما السبب في غياب الخطة..؟
غياب الإرادة السياسية والمؤسسية في الدولة، لا أريد أن أقول إن هنالك قصوراً في التفكير، ولكن هنالك تقليدية في التفكير، ونحن عاجزون طيلة تلك الفترة عن الخروج من هذه الأزمة؛ بسبب الحصار الاقتصادي، ولكن رغم ذلك فإن هذا ليس مبرراً للفشل المتراكم، واقتصاد السودان يختلف عن الاقتصادات العالمية في غياب الرؤية العلمية، والمعادلة الاقتصادية العالمية غير موجودة، ولا مطبقة في اقتصاد السودان، فمثلا عالمياً هنالك نسبة (60%) من المواطنين يعملون في القطاع الخاص و(40%) في القطاع الحكومي، بينما في السودان (90%) قطاع خاص، و(10%) حكومي، وعند حدوث أي ارتفاع في التضخم وزيادات فإنها تنعكس فورياً على المنتج الذي بدوره يحملها للمستهلك؛ مما أدى لتحول الاقتصاد السوداني لقبضة مجموعة من السماسرة وانتشار ظاهرة السمسرة السرطانية التي تنخر في جسد الاقتصاد، التي يتهرب أفرادها من الضرائب والرسوم الحكومية، على النقيض مما يحدث في الخارج الذي يهتم بتقنين نشاط السمسرة.
ــ ما هو الحل لذلك؟
ــ الحل في اللجنة الاقتصادية الحالية، ولكن بفكر مختلف خارج الصندوق، بعيداً عن البيروقراطية الحكومية، وأن تضم في عضويتها رجال الأعمال والمنتجين، وأنا أعتقد أن أي تغيير اقتصادي وسياسي حقيقي لن يحدث بمنأى عن وجود تنسيق بين الأطراف كافة ــ (القطاعين العام والخاص)، وليس في ذلك تشكيك في قدرات اللجنة ولكن ما لم تتمكن من إيجاد آلية حقيقية، ورؤية مستقبلية لحل مشاكل الاقتصاد، فلن تنجح في مهامها .
ــ هناك حديث بأن اللجنة أخفقت في حل الأزمات الراهنة..؟
ــ لم تخفق ولكن كذلك أداءها لم يكن بالمستوى المطلوب، رغم المحاولات المبذولة لإيجاد الحلول التي تتطلب تحقيق الاستقرار العام والحد من تأثيرات العمل السياسي على الاقتصادي الذي تسبب على سبيل المثال في تحول العديد من المستثمرين بأموالهم واستثماراتهم لإثيوبيا ودول أخرى؛ بسبب فشل الحكومة في خلق مناخ استثماري جاذب.
ـ اهتمت الحكومة الانتقالية بتطوير العلاقات الخارجية أكثر من معاش الناس؟
ــ أنا أحمِّل غياب الرؤية الحكومية مسؤولية ذلك، وأيضاً إهدارها الوقت في (شحدة) الدعومات المالية من دول العالم الخارجي كبرنامج (ثمرات) وغيره، بدلاً عن التركيز في حل المشاكل الاقتصادية ذات الصلة بمعاش الناس وغيره، وهذا في تقديري لا يعتبر إنجازاً.
وأعتقد في النهاية أن العلاقة تكاملية، ولابد أن يكون هنالك حراك موازٍ بين الحكومة والشعب والمنتجين، فكيف تنجح الحكومة في حل مشاكل معاش الناس في ظل المواكب المستمرة التي يسيرها الشعب بواقع (3) أيام في الأسبوع وإغلاقها للشوارع، وشل الحركة الإقتصادية في البلاد، والتأثير على انسياب العمل بشكل عام و(زيادة الطين بلة)؟، هذا بجانب الإجازة العامة الأسبوعية للعاملين بالدولة يومي الجمعة والسبت، وهكذا تنقضي أيام الأسبوع في المواكب والإجازات؛ مما أدى لتراجع الدورة الإنتاجية لنسبة لا تتجاوز الـ(15%) فقط؛ مما يستدعي معالجة المشكلة من جذورها.
ــ هل لديك تحفظ على المواكب الشعبية المطالبة برحيل العسكر؟
ــ لا….. أنا لا أحجر على الحريات، وحق التظاهر مكفول لأي شخص، ولكنني ضد إغلاق الشوارع وعرقلة النشاط الاقتصادي بالبلاد باسم التغيير الذي أعتبره تغييراً سالباً للأسباب التي ذكرت؛ لأن من يتظاهرون أو من يقومون بتحركات مناوئة كبعض الأحزاب السياسية التي كشفت عن اتصالاتها ببعض السفارات الأجنبية، ومطالبتها بفرض عقوبات اقتصادية على السودان، كل هؤلاء لا يتسببون في إلحاق الضرر بالبرهان أو حميدتي، وإنما يضرون البلاد كلها ومواردها ومقدراتها واستقرارها الاقتصادي والسياسي والأمني.
ــ ما قولك لمن يتحسرون على رحيل (البشير) انتقاداً للغلاء الطاحن؟
ــ هذا أسلوب انهزامي… قبل حكم البشير كنا نتحسر على عهد الصادق المهدي، وقبله النميري، لا يجب التعامل مع التجارب السابقة بروح ثأرية، ولكل تجربة إيجابياتها وسلبياتها، ويمكن القول بأن الوضع الاقتصادي في بدايات عهد الإنقاذ الذي استمر (30) عاماً أفضل منه في نهاياته، والأنظمة السياسية الحاكمة منذ الاستقلال فشلت في اكتشاف الداء الحقيقي للمشاكل التي يعاني منها السودان، ولابد من التركيز أكثر على بناء دولة المؤسسات لنتمكن من الوصول إلى وضع أفضل.
ـ مستوى رضاك عن أدائك في اللجنة… وهل تعتقد أنك الأنسب للمنصب؟
ــ ضعيف جداً .. لتعقيدات خاصة باللجنة، أما الشق الثاني من السؤال فإنني أقول إنني لست الأنسب لتولي منصب نائب رئيس اللجنة الطارئة، وهناك من هو أفضل مني بكثير .
ــ الشارع يقول إن تولي حميدتي لرئاسة اللجنة تم لأنه المنقذ مالياً للحكومة؟
ــ اختيار حميدتي تم بواسطة د.عبد الله حمدوك رئيس مجلس الوزراء السابق، ولا أعتقد أنه عُيِّن للأسباب التي ذكرت؛ لأنه من المستحيل لرجل أن يمول اقتصاد دولة، مهما كانت إمكانياته المادية ونفوذه .
ــ كم يبلغ راتبك؟
ـــ (390) ألف جنيه سوداني..(600) دولار.
ــ ماذا فعلت للمواطن الذي ذكرت أنك قبلت منصبك في السيادي لأجله؟
ــ نحاول ولا زلنا في إيجاد المخارج اللازمة للأزمات الاقتصادية التي يعيشها المواطن، وقد أصاب بعض محاولاتنا النجاح، وبعضها الإخفاق، وسنغادر لمنازلنا إن فشلنا تماماً.
ــ ما حقيقة الصراع المكتوم بينك وحميدتي رئيس اللجنة الذي أثر على أداء اللجنة؟
ــ ليس لديَّ خلاف شخصي مع حميدتي، واختلاف وجهات النظر لا يعني وجود صراع، وقد انتهى الاختلاف في وقته.. وكل ذلك يصب في إطار العمل العام وحرصاً على التجويد.
ـــ لكنه اتهمك بترشيح (جهوي) لنائب محافظ بنك السودان لمصالح شخصية؟
ــ هذا حديث غير صحيح.. أنا لم أرشح نائب محافظ بنك السودان ترشيحاً جهوياً، فهو من أبناء دارفور، وأنا من الشمالية، فكيف يكون جهوياً..؟ ترشيحي له تم بحكم مسؤوليتي في اللجنة عن القطاع المصرفي.
ــ ما حقيقة اتهامك له باحتكار موارد البلاد لصالح شركات الدعم السريع؟
ــ لا تعليق لديَّ .. أنتم الأقاويل دي بتجيبوها من وين؟
ــ ما ردك على ذلك.. حميدتي يدعم بنك السودان بضخ دولارات لوقف تدهور الجنيه، ويقوم بتسليف الحكومة (200) مليار جنيه لشراء القمح من المنتجين، وهل هو الممول لكل ذلك فعلياً؟
ــ غير صحيح … حميدتي لم يتدخل بتمويل شراء الحكومة للقمح، ولا في ضخ دولار لتثبيت سعر الصرف، وقد نفى البنك الزراعي السوداني الشائعة، أما تثبيت سعر الصرف فقد قام البنك المركزي في تنفيذ سياسة نقدية مختلفة هذا العام ، وعمد للتصرف في جزء من الاحتياطي من الذهب؛ مما تسبب في خلق استقرار ملحوظ في سعر الصرف، ولا دخل لحميدتي في ذلك .
ــ من الذي قام بفك تجميد حسابات رموز النظام السابق وموقفك كنائب لجنة اقتصادية من ذلك، خاصة أنها تسببت في ارتفاع مفاجئ للدولار لـ(800) جنيه وأكثر، لماذا رجعتم لتجميدها مرة أخرى؟
ــالمحكمة هي التي قضت بفك التجميد؛ لأن التجميد في تقديري الشخصي لم يكن قانونياً، وإنما تم وفقاً لقرارات سياسية، وفي النهاية المحكمة تأخذ بالأدلة التي أمامها، وهذا كان خطأ من البداية مارسته لجنة إزالة التمكين، أما إعادة تجميد بعض الحسابات مرة أخرى فقد تم بقرار المحكمة أيضاً؛ بسبب عدم اكتمال الأدلة والمستندات التي تستدعي إصدار قرار بفك تجميدها .
أما فيما يتعلق بتسببها في ارتفاع الدولار فإنني أعزي ذلك لحالة الهلع التي أصابت التجار في السوق الموازي لغياب الضمانات من منظورهم بحدوث استقرار سياسي واقتصادي بالبلاد، كل ذلك جعلهم ينشطون في المضاربة في الأسعار والقفز بها لمستويات عالية وكل ذلك يعود سلباً على الاقتصاد كما ذكرت سابقاً .
ــ تفسيرك لظاهرة تعيينات الموالين لأعضاء السيادي في الوزارات الإيرادية الحساسة؟
ــ هذا سؤال مهم.. التعيينات في الوزارات الإيرادية كـ(النفط، المعادن) وغيرها لم تتم من قبل المجلس السيادي، بل تنفيذاً لمخرجات اتفاق جوبا الذي حدد (7) وزارات دون ذكر نوعها، وقد تولى رئيس مجلس الوزراء السابق حمدوك تعيين الوزراء بالاتفاق بين الجبهة الثورية والحاضنة السياسية للحرية والتغيير.
ــ عينت بالسيادي رغم رفض ترشيحك من (18) مكوناً شمالياً، هل تفسر مساندتك الاقتصادية لقضايا إنسان الشرق أكثر.. رد فعل لهذا الرفض؟
ــ أبداً … ولكن مقابل الـ(18) جسماً المعارضين لتعييني كان هنالك (50) جسماً شمالياً مسانداً، وليس هنالك شخص يمكن أن يحصل على إجماع كامل، وعندما قمت بمساندة أهل الشرق لم تكن هنالك أي مشاكل في الشمال الذي أنتمي إليه، وأهل الشرق كانت لديهم مطالب شرعية، وقد طالبت بإلغاء مسار الشمال والحكم الذاتي لأهالي المنطقة أسوة بما حدث في دارفور والنيل الأزرق.
ــ كواليس اختيارك ممثلاً للشمال في السيادي؟
ــ أنا ترشحت من قبل المجلس الأعلى لكيانات الشمال، ومعي (8) أسماء أخرى تم ترشيحها، وقد وقع الاختيار عليَّ لشغل المنصب، وقد عضد من ذلك تجاربي البرلمانية السابقة، وشخصيتي المستقلة؛ مما رجح كفتي لتولي المنصب.
ــ ماذا فعلت لحل مشاكل تعرفة كهرباء المشاريع الزراعية بالشمالية؟
ــ تم تعديل التعرفة للمزارعين، وأنا من هنا أطالب بمعاملة كهرباء الإنتاج بصورة مختلفة تراعي تكلفة التشغيل للمنتجين سواء مزارعين أو أصحاب مصانع أو خلافه.
ـــ عندما كنت عضو برلمان كان لديك موقف من عمليات الفساد ورغم ذلك ناهضت استمرار لجنة تفكيك التمكين، ألا يُعد هذا تضارباً في المواقف؟
ــ أبداً.. ليس تضارباً في المواقف، وأنا رأيي كان واضحاً منذ أول يوم ،أنا ضد التعامل السياسي الثأري، وطالبت بأن تتم محاربة الفساد كظاهرة، لا كقضية سياسية، بغض النظر عن الانتماء السياسي للفاسدين، وقد بنت لجنة إزالة التمكين أساسها على الانتماء السياسي واعتبرت أي منتمٍ للإنقاذ فاسداً؛ مما أدى لاختلال ميزان العدالة لديها ؛ ولذلك فإنني لا أختزل الفساد في الإسلاميين وأقوم بتجريمهم وتبرئة الآخرين، وقد حكمت المحكمة في النهاية بإعادة ما تم استلامه منهم، وقد ساعد أسلوب اللجنة الخاطئ في مساعدة بعض الفاسدين على الإفلات من العقاب .
ـــ تحدثت مؤخراً عن دخول (60) مليار دولار للبلاد بطريقة غير قانونية، هل هي أموال غير مشروعة وأين ذهبت .. وكيف تتصدون للظاهرة؟
ــ لا.. هي أموال مشروعة.. ذكرت في ملتقى حول مساهمة المغتربين في الاقتصاد أن قيام أي مغترب بتحويل مبلغ (1000) دولار طوال العام، فإن ذلك المبلغ سيتضاعف خلال (10) أعوام لـ(60) مليار دولار، ولكننا فقدنا هذه القيمة؛ بسبب تحويل هذه الأموال عبر السوق الموازي، وليس القنوات المصرفية الرسمية.
ــ هنالك إرهاصات بعودة حمدوك مرة أخرى؟
ــ لا أعتقد ذلك، وإن كنت أرى أحقيته كمواطن سوداني في إعادة الترشح مرة أخرى لرئاسة مجلس الوزراء، أما إمكانية قبوله أو عدمه فهذا شيء آخر.