الفاتح داؤد يكتب: قراءة هادئة حول طموحات “دقلو” السياسية

عقب السقوط المدوي لنظام الإنقاذ في ديسمبر “2018” شهد السودان،سلسلة من التحولات السياسية والاستراتجية، التي طالت بنية العمل السياسي وطرائق التفكير السابقة،ودشنت عمليا لصعود قوى سياسية واجتماعية جديدة،ذات أجندة سياسية مناهضة لطريقة التفكير التقليدية السابقة التي قادت الدولة للفشل.حيث تصدرت المشهد الجديد الحركات المسلحة، التي تمددت في الفضاء السياسي خصما على رصيد القوى التقليدية التاريخية،كما أفرز الواقع ميلاد أحزاب جديدة حاولت الاستفادة من زخم التغيير،بيد أنها افتقرت الي التجربة في الخبرة السياسية،فضلا عن ذلك برزت الي السطح بقوة ثقافة الاحتجاج و الرفض وسط الأجيال الجديدة”لجان المقاومة” الرافضة للموروث القديم، و تتطلع لبناء دولة مدنية جديدة علي أنقاض التجارب السابقة. حتي تقطع الطريق أمام أي مغامرة جديدة لإعادة انتاج الحلقة الشريرة انقلاب ثم ثورة، من خلال الضغط بقوة لدحرجت المؤسسة العسكرية خارج حلبة العمل السياسي .ولكن هي الاخري كانت في حاجة إلي التنظيم ،لارغام الاحزاب علي اجراء مرجعيات سياسية و فكرية وسط حتى تستطيع المواكبة و التكييف مع الواقع الجديد.
ولكن يبدو أن القوي السياسية لم تتعلم من دروس التاريخ ،حينما قامت بتهميش القوي الشبابية الحية ،وتهافتت علي السلطة ولم تكترث للخطأ الاستراتجي الفادح إلا بعد مفاصلة “25”اكتوبر مع شركاءها العسكريين،التي كشف الحدث مدي ضعف القوي السياسية وتواضع حجمها الحقيقي.
في ظل هذه التحولات المتسارعة برز نجم محمد حمدان دقلو ” حميدتي” قائد قوات الدعم السريع،رجل الظل الذي استحوذ علي مشهد مابعد السقوط باكمله،الذي فاجأ القوي السياسية بالامكانيات الكبيرة التي يقف عليها ،والادوار المحورية التي اطلع بها في قيادة مرحلة ما بعد الثورة ،وقد أعتقدت القوى السياسية أن” حميدتي” مجرد بيدق في رقعة شطرنج يمكن تحريكه وقت ماشاءوا و متي أرادوا ،بيد أنهم قد أخطأو التقدير.
ولعل من يرصد حركة حميدتي ويحلل تصريحاته،يدرك تماما أن الرجل لم يكن يناور،بل يعني ما يقول ، ولانه ومنذ الخلاف الذي وقع بين قوى الحرية و التغيير والمكون العسكري حول الوثيقة الدستورية، قرر التحالف مع زعماء الإدارة الآهلية ورجال الطرق الصوفية، لخلق حاضنة سياسية مؤيدة للمكون العسكري،وقد دشن بذلك عمليا مشروعه السياسي لما بعد الفترة الانتقالية، و أصبح مسكونا بالطموح السياسي.وقد استطاع الاستفادة من تموضعه في كابينة القيادة، فرصة كبيرة جدا للتحرك في المناطق جميع بقاع السودان، ونجح في استقطاب اعداد كبير من قيادات الاهلية ورموز مجتمعية وسياسية وسيطة لدعم طموحه السياسي القادم.
ولم يقف “حميدتي”عند ذلك بل دخل في سوق الإعلام من اوسع الابواب،حيث قام بشراء عدد من الصحف التي كانت تعاني من اختناقات مالية، و شراء صحف من قبل رجل عسكري، يؤكد على طموح جارف نحو لعب دور سياسي في المستقبل.كما مضت استراتجية “دقلوا”بعيد حين دخل عبر قوات الدعم السريع،في ساحة العمل الاجتماعي من اوسع الابواب،عبر بناء شبكة من المنظمات الشبابية والنسوية و الجمعيات خيرية،التي أمام نشاطها في الصحة والكوارثة و و فض النزاعات. فضلا عن رعاية انشطة قيادات الادارة الأهلية في مناطق السودان المختلفة، و دعم القوي الناعمة من خلال رعاية الانشطة الثقافية و الفنية للمجموعات الشبابية، و التواصل مع رموز الفن بكل أنواعه، هذا النشاط المحموم في تقديري ليس مرتبط بالدعاية للدعم السريغ. بل هو تخطيط محكم لاستقطاب مجموعات مؤثرة في الساحة الاجتماعية، للاستفادة منها في العمل السياسي مستقبلاً ،عندما تكتمل ظروف اعلان تكوين الواجهة السياسية التي تعبر عن مشروع قيادات الدعم السريع.
وقد لاحظ الإمام الراحل كان الصادق المهدي بحسه السياسي، طموحات قائد قوات الدعم السريع في لعب دور سياسي كبير، وقد خيره حينها بالتخلي عن البزة العسكرية وتكوين حزب سياسي، أو الانتساب لحزب الامة. وكما لم يخفي حميدتي ارسال رسائله السياسية في كل مناسبة،منها تصريحه الأشهر أمام اجتماع الجنة الاقتصادية عندما قال” “سنأتي نحن الذين نرتدي الكاكي بالديمقراطية لغاية ما نوصلها لنهايتها عبر صناديق الاقتراع”.
كما لاتخلو رسائل زيارة دقلو الحالية الي دارفور ،التي يبدو ظاهرها زيارة رجل دولة الي إقليم ملتهب،ولكن بين ثنايا السطور تتحدث عن تأمين الحاضنة الاجتماعية وتوحيدها خلف الرجل في اي استحقاق انتخابي قادم،
في تقديري
أن الطموح السياسي ل “حميدتي” في المستقبل، محكوم بالضرورة بالنشاط السياسي و الآليات التي يمكن عبرها تحقيق هذا الطموح. لان النشاط الاقتصادي الواسع لقوات الدعم السريع في مجال التعدين ، الأنشطة التجارية المتعددة في مختلف المجالات مع دول الجوار.في حاجة إلي حاضنة سياسية لحماية هذه الثروة. التي تحتاج بالطبع الي تأسيس حزب سياسي يخوض من خلاله الانتخابات القادمة منفردا أو متحالفا مع قوى تقليدية.
. من السذاجة أن تعتقد القوى السياسية أن المسرح السياسي سيظل يحتفظ بالاعبين القدامى، وذات قواعد اللعبة. ان مجرد الاعتقاد أن دمجه قوات الدعم السريع في القوات المسلحة سوف ينهي دور حميداي.لان الدعم السريع لم يعد آليات عسكرية فقط انما مشروع متكامل ، ولكن لا أحد يستطيع أن يتنبأ، كيف يستطيع التعامل في المجال المدني و بأي آليات، رغم بعض المعلومات التي رشحت عن التخطيط للدخول في مجال الإعلام في الفترة القادمة بقوة.
حتي تستطيع بناءحزب سياسي قومي مشحون برؤى و مشاريع سياسية مقنعة.