سياسة

كرم الله عباس… جدل الكاريزما والزعامة

تقرير: الفاتح داود
قبل أعوام خلت اعلن كرم الله عباس والي القضارف الاسبق،انهاء جميع ارتباطاته التنظيمية والسياسية من مؤسسات المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية، بتلك الاستقالة أسدل كرم الله عباس، الستار علي آخر فصول مسيرته السياسية مع الاسلاميين،التي بالطبع لم تخلو بعض محطاتها من معارك سياسية شرسة خاضها الرجل مع مؤسساته حزبه السابق، اثارت تلك المعارك غبارا كثيفا حجب مدي الرؤية ،حول كثير من التفاصيل المرتبطة بشخصية كرم الله عباس الشيخ ،التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بمواقفها وتقلباتها السياسية.
وقد ظل عباس يصنف سياسيا واعلاميا ضمن اكثر الشخصيات العامة، إثارة للجدل في الاعوام الأخيرة، خاصة عند المجاهرة بأراءه السياسية التي عادة تنحو منحا جريئا وحادا،احيانا ينحدر الي درجة الاندفاع و الصدام . وقد جلبت عليه أراه ومواقفه هذه كثير من العداء عند الأنصار والخصوم معا.
وبعد ان فاجأ كرم الله عباس الشيخ الاوساط السياسية، العودة مجددا الي الحياة السياسية،عبر نيته بناء سياسي جديد، يترقب الشارع السياسي الولائي والقومي الخطوة التالية للرجل ،مقرونة بتاريخه السياسي الحافل بالكثير من المحطات الخلافية، التي تقتضي الضرورة الوقوف عندها رصدا وتحليلا وتشخيصا ليس لاستيعاب الدروس ،وحسب بل للاستعداد لسيناريوهاتها المستقبلية ،لاننا سنتعامل مع مسيرة رجل سياسي احترف اشعال المعارك السياسية وقيادة الرأي العام وفق مايريد ، يوميات كرم الله تقوم أن الرجل اختلف مع كل الولاة الذين تعاقبوا على القضارف بلااستثناء، كان آخرهم عبدالرحمن الخضر، الذي غادر القضارف مفسحا المجال لكرم الله عباس،الذب حكم الولاية في تجربة امتدت ذهاء العامين، كانت حافلة بالمواجهات الساخنةمع قيادات حزبه ،التي حولها إلى مادة للتشهير السياسي، بل وفتح النيران في عدة جبهات بما في ذلك الحكومة الاتحادية،التي خاض معها معركة غير متكافئة حول حصة ولايته من الإيرادات العامة، بيد انها عجلت بمغادرته لكابينة الحكم ،انزوي بعدها كرم الله عن العمل العام لعدة سنوات.
ليعود ولكن من بعيد حيث مثل صب جام غضبه و احباطه من الاوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، في رسائل سياسية يتعذر ترميمها بسبب حالة الاحتقان ، وفد تشكل الخطوة التي اتخذها كرم الله وماصاحبها من هجوم عنيف علي عدة فصائل سياسية محسوبة علي قوي الثورة ،مثلت صدمة كبيرة لخصومه وأنصاره معا، لقناعتهم ان المواجهة القادمة لن تكون مثل سابقاتها ،كما يعتقد وأذ ان عليه الاستعداد لدفع فاتورتها كاملة، لان الرجل ربما لم يوفق في قراءة المشهد السياسي بصورة جيدة، خاصة ان الكواليس السياسية تشهد حالة مخاض سياسي، ربما يفضي الي ميلاد معادلة سياسية جديدة قد تفتح الباب واسعا لتسوية شاملة مع قوي المعارضة التي لها ارتباطاتها وتحالفاتها ، و ليس من بينها بالطبع البحث عن زعامة سياسية تتجسد في شخص كرم الله عباس الذي أطلق النار في كل الاتجاهات ،وماكان في حاجة إلي ذلك بل كان يجدر به ترك الباب مواربا، لإبرام صفقات سياسية مع الفاعلين الجدد في المشهد السياسي بما في ذلك لجان المقاومة التي يتملق الجميع رضاها،الا ان الرجل قد سقط من حيث لايحتسب في فخ المزايدة السياسية بتصريحات موغلة في التطرف خلط من خلالها الاوراق السياسية،التي كان في حاجة إلي ترتيبها أكثر من حاجتها الي الرياح العاتية،لان اعادة انتاج مشروعه وتسويق نفسه مجددا،كانت تحتاج إلي خطاب سياسي اكثر جاذبية وانفتاح وشمول ومرونة و مضامين جديدة ومتحررة من النزعة الثورية، كما يرى آخرون ان كرم الله عباس قد أخطأ التقدير هذه المرة،وبدأ كأنه لم يستوعب الدروس من اخطاءه السابقة في ادارة الصراع ، فقد خسر الرجل ابان تجربته السابقة طيفا كبيرا من القيادات السياسية ،التي ألمح والمفارقة الي الرهان عليها في تحدي الحرية والتغيير، حال طرح نفسه مستقبلا للمنافسة الإنتخابية، ناسيا ان مياه كثيرة قد عبرت تحت الجسر منذ خروجه من المسرح السياسي. أيا كانت المسوغات حول فحوى الرسائل السياسية التي حملها خطاب “باسندا” .
فقد اخطاء كرم الله تصويبها زمانا ومكانا وشكلا ومضمونا لان رسائله جاءت في ظل
أجواء ملبدة بالغيوم السياسية والاستقطاب الحاد،و كان في حاجة إلى مغازلة القوي الحية بدلا من استعداءها،وكان في حاجة إلي تعزيز الوحدة بدلا من ا تعميق حالة الانقسام ،التي يشهدها الشارع العام بالولاية بين مؤيد ومغبون وناغم على أداء السلطة الانتقالية، التي تتعرض باتت في موقف تحسد عليه وأن الجميع ناغم عليها ،وكان عليه استثمار هذا المناخ لقيادة الشارع الذي في حاجة إلي قائد محنك بعد أن فقد الثقة في الجميع، نعم حاول كرم الله عباس التقاط القفاز وملأ حالة الفراغ ليطرح نفسه قائدا لتيار سياسي جديد، عموده الفقري من الناقمين سياسيا والفئات التي تقف علي هامش الحياة السياسية ،إلا أنه أخطأ التقدير ..كما أن ل ظهوره في هذا التوقيت مع حزمة رسائل شملت قضايا إصلاح القطاع الزراعي، والأمن والحدود والتنمية بالقضارف ، اضافة الي رفضه القاطع للتدابير التي اتخذتها حكومة الولاية في معالجة تجاوزات المنظمات في التلاعب لحقوق المجتمعات المستضيفة. كان كفيلا بتقديمه في صورة البطل، ولكنه ركل السانحة الذهبية.
كما فسر اخرون ظهور عباس الشيخ الاخير علي انه بمثابة مغازلة صريحة من الرجل للقوي السياسية المعارضة للحرية والتغيير . في ظل تنامي الحديث عن ترتيبات لانتخاب مبكرة، اذ يرى انصاره انه لازال يحظي بذات الحضور والكارزما الشخصية المحورية بلا منازع في ظل العقم القيادي الذي تشهده بالقضارف. إلا أن مراقبون لايسبعدون إن محاولات الرجل المستميتة للعودة مجددا وصدارة المشهد السياسي بالولاية، تبدو غير واقعية
لجملة من المتغييرات لعل ابرزها، صعود قيادات جديدة، وتواري قامات كبيرة، فضلا عن ان تجربة كرم الله السابقة، لم تطرح مشروعا سياسيا ذات مضامين برامجية وخدمية تعود بالنفع علي اولئك الذين صعد كرم الله على أكتافهم.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق