رأي

الفاتح داؤد يكتب: مقاربة هادئة حول ازمة الثقة بين شركاء السلام وقوى التغيير

منذ أن دخل اتفاق جوبا حيز التنفيذ،شهدت العلاقة بين أطراف اتفاق جوبا وقوي الحرية والتغييرحالة من المد والجذر ،بلغت
ذروتها مع إنقلاب ال”25″ من أكتوبر، الذي دشن عمليا الي انهيار الشراكة بين العسكر والقوي المدنية،واسس لقطيعة سياسية عميقة بين أطراف جوبا وقحت.
لتبدأ بعدها سلسلة من عمليات التصعيد السياسي، التراشق الإعلامي ،الذي لم يخلو من الشيطنة والتخوين والتحشيد ،
حيث وجهت قيادات بارزة من قوي التغيير، اتهامات مباشرة لقادة الحركات المسلحة بالتماهي مع مشروع الانقلاب،والاشتراك في حملة التحريض والتعبئة التي مهدت الطريق امام انقلاب اكتوبر،فضلا عن عدم وضوح رؤيتها
في التصدي للانقلاب .
ولكن يبدو أن قيادة الثورية قد حسمت أمرها وحددت خياراتها السياسية،بأن تمضي بعيدٱ في تعزيز تحالفها مع العسكر، لحراسة وتامين اتفاق جوبا ،ويمكن القول ان خيار الانحياز جاء نتيجة، ل”تأكل جدار الثقة”مع الحلفاء المدنيين،الذين لم يخفي طيفا واسعا منهم رفضه لمشروع اتفاق جوبا،و نظروا إليه بتوجس ،گانه عقد أذعان واستسلام لشروط الحركات المسلحة ،وحتي الذين قبلوا به فعلوا ذلك علي مضض خشية التصنيف،
رغم قناعتهم أن اتفاق جوبا مثل انقلابا سياسيا ناعما،لكنهم ٱثروا الصمت في موضع الكلام طعما في السلطة.
كما كانوا يعلمون ان المادة “16”قد منحت الحاكمية لبنود الاتفاق حال التعارض مع مواد الوثيقة،كما حددت الجداول الزمنية للاتفاق، بداية الفترة الانتقالية لحظة التوقيع عليه،وذلك يعني ضمنا “تصفير العداد” ،كما فصل اتفاق جوبا في قضايا قومية تعد من صميم سلطة الشعب، مثل نظام الحكم والعودة للاقاليم وغيرها،
ووفق لهذه المقاربة اعتقد انه ليس مطلوبا من أطراف جوبا ،تبني مواقف سياسية تنسجم مع رغبة تيارات سياسية، تسعي إلي اجهاض اتفاق جوبا،فضلا تحفظ أطراف جوبا علي السلوك السياسي لاحزاب قحت، الذي لايخلو من نزعة استعلائية تنم عن ممارسة الوصاياالسياسية علي الشركاء الجدد.
لذالك يمكن القول أن اتفاق جوبا كان مشروع” انفصال آستراتجي “بين القوي المسلحة التي كانت تناضل من الهامش، والقوي المدنية التي تنشط في المركز، السبب في تقديري يكمن في تأكل “جدار الثقة” ،وقد أدرك كل طرف مؤخراً انه في حاجة، إلي إعادة بناء تحالفاته، وقد سعت الحركات المسلحة بالفعل الي بسط نفوذها السياسي والاقتصادي،و تعزيز ارتباطاتها بحواضنها في الولايات،فيما ما اختارت احزاب قحت المتكدسة في المركز، البحث عن قواعد شعبية أو تحالفات عسكرية خارج فضاء الخرطوم ،وقد ادرك ذلك الحزب الشيوعي مبكرا، حين ايقن أن اتفاق جوبا قد الغي الوثيقة الدستورية،ووضع قوي التغيير خارج العملية السياسية، كانت الواقعية السياسية حينها تقتضي من قحت اجراء تغيير جذري في مواقفها ومواقعها ،يفضي الي إبرام صفقات سياسية منتجة،و بناء تحالفات أكثر انفتاحا و شمولا ،تفضي الي بلورة استراتجية متكاملة للبناء الوطني، تنتهي نحو تاسيس تحالف وطني عريض يدفع في اتجاه التحول الديمقراطي الشامل، لان الغلبة في النهاية، لن تكون لمن يحشد المواكب في شوارع الخرطوم ،أو لمن خرج علي الوثيقة الدستورية ،بقدر ماتنتهي لمصلحة من يملك رؤية متكاملة للسلم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية وثقة الجماهير،ولايعني ذلك بالضرورة شراء المواقف السياسيةللحركات ،بل بناء مصالحات وطنية شاملة ،وصادقة تنبع من وجدان المجتمع،

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق