رأي
الفاتح داؤود يكتب: العدل والمساواة … منصة التأسيس وسؤال المستقبل
بعد هجرة قسرية امتدت ذهاء عقدين من الزمان، في المنافي البعيدة وتخوم الصحاري وسفوح الجبال والوديان، دخلت العدل والمساواة الخرطوم ضمن تسوية جوبا، التي منحت الحركة وشركاءها تمثيلاً مقدراً ضمن برتكول السلطة، سياسياً.
دشن رئيس الحركة د.جبريل ابراهيم اول زيارة اجتماعية له الي بيت الراحل د.حسن الترابي زعيم الحركة الإسلامية لاداء واجب العزاء في وفاة الشيخ، ورغم أن تلك الزيارة قد اكتسبت زخمٱ إعلاميا في منصات التواصل ،الا أن أجهزة اجهزة السلطة الرسمية قد جافتها، لانها كانت حينها تسبح بحمد السلطة الوليدة،ولم تكتف بذلك بل شنت أبواقها الإعلامية هجومٱ عنيفا على الدكتور جبريل ابراهيم، حيث نسجت حملة من المعلومات الكاذبة حول رغبة الرجل في مد جسور الوصل مع التيارالإسلامي، وذلك سعيٱ منها الى اكمال حلقات الإدانة والشيطنة خشية منها ان يرث الرجل قواعد الحركة الإسلامية ويطرح نفسه بديلٱ للقيادة السابقة.
لم تكترث قيادة الحركة بذلك بل مدت جسور التواصل مع القوي التقليدية والطرق الصوفية والإدارة الأهلية، ايمانٱ منها ان السودان بلد متعدد المشارب والمكونات، وان الطاقة الروحية لازالت فاعلة في مفاصل المجتمع، لن تستطيع ان تنال منها تيارات العلمنة والتغريب .
وتعزيزٱ لتوجهات الحركة في الإنفتاح زار الدكتور جبريل ابراهيم الكريدة غرب النيل، وتواصل مع شيخ الطريقة السمانية ، وثم ذهب إلى بادية الكبابيش، معزيٱ في الراحل الامير التوم حسن التوم رجل الكبابيش القوي، أدركت الحركة بحسها السياسي والاستراتجي أن المستقبل السياسي امامها، لن يكون معبدٱ بالرياحيين والورود بل الاشواك والالغام، وقد ادرك صفها القيادة الاول هذه الحقيقة مبكراً، لأنه لازالت فيه بقية من سماحة وتقاليد أهل السودان الانسانية ،خاصة وأن وجدت نفسها حديثة عهد بالسلطة، وهي تعمل في وسط حكومي لا يقدر قيمة التواصل عند المكاره ، ولا يكترث للفواجع، ولايعير مشاعر الناس اي قيمة.
لذلك زحفت سيارات الدفع الرباعي من الخرطوم الي تخوم كردفان ودارفور، سعيٱ من الحركة الى مد جسور الوصل مع زعماء الادارة الأهلية، من الأمراء والنظار و العمد والشيوخ والشراتي، الذين بعث عيرهم زعيم الحركة، بحزمة من الرسائل السياسية، من مناطق لم يسمع بها ” أفندية” الخرطوم ،ولو بحثوا عنها في قوقل، حيث طارت الوفود الي الدبب في غرب كردفان حيث يوجد امير المسيرية القوي اسماعيل حامدين ،كما امتدت جسور التواصل السياسي بالعلماء، من قطاعات المجتمع التي جافتها قوي الثورة، وفرضت عليها الحصار باسم الفلول ، وقد ابتلع حزب لأمة ذلك الطعم، ومضي في درب اليسار دون تبصر في مالات المستقبل.
ولكن يبدو أن دكتور جبريل ابراهيم قد قرأ سفر الزعيم اسماعيل الأزهري “الطريق الى البرلمان ” جيدا، وأصبح غير مبال بالحملات الإعلامية المسعورة، قناعة منه أنها محض ترهات وذاتيات لن تصمد طويلاً، لاعتقاده ان الاوزان السياسية لو كانت تقاس بالعطاء والشراسة،في مواجهة النظام السابق،فان ميزان حركة العدل والمساواة هو الارجح علي الاخرين بلاشك، باستثناء حركة عبد العزيز الحلو التي قاتلت لفترة اطول، ولكن تظل العدل والمساواة الأكثر جرأة وشجاعة ،حين نفذت عملية الذراع الطويل المباغتة ،التي غيرت المعادلات السياسية علي الارض، لذالك فان علي الذين يزايدون يتطاولون ويبخسون عطاء الحركة، في دكتور جبريل ابراهيم ، عليهم طٱطاة روؤسهم خجلاً، فيما يقولون عن فساد الرجل وعنصرية الحركة، خاصة ابواق العروبيين اليساريين والماركسيين ومن لف لفهم، من اخوان الامس، الذين نسوا وتناسوا فضل رجال مثل دكتور خليل وواحمد آدم بخيت على الحركة الإسلامية، ولكن يبدو أن قدر الحركة الآن المشي على جروح اللسان وألسنة الرماح ،لأنها تعمل جاهدة لطي صفحة الماضي بكل مراراتها،لقناعتها أن مامضي لن تعيده تصفية الحسابات، وتدرك الحركة ان كل ادعاءات الحرية والتغيير، لو وضعوا في كفة النضال والعطاء، لرجحت عليهم كفة العدل والمساواة، التي قدمت الآلاف من الشهداء علي رأسهم مؤسس الحركة.
ولو طرحت قيادة الحركة نفسها بديلاً للإسلاميين المغيببن عن الفعل السياسي قهراً وظلماً، وقررت أن تتمدد في الولايات التي تعيش فراغاً عريضاً، لن تعوزها الحيلة أو الوسيلة، وإذا قدر للإنتخابات القادمة أن تجري ربما تشهد ميلاد عملاق جديد في الساحة السياسية، لأن قوى اليسار المتكدسة في الخرطوم لن تجد القبول في سنكات، او أمبرو أو فازوغلي ،او وشنقل طوباية وسودري، وأرفع سدرك وتخوم السودان البعيدة، ولن تستطيع حركة مناوي بطرحها الراهن من عبور حدود ولايات دارفور، ولن يستطيع الحلو ان يرث اكثر مما تركه الحزب القومي بقيادة الراحل فليب عباس غبوش،
وحتي حزب الامة القومي المختطف والممزق لن يستطيع المنافسة، بعد التحولات الديمغرافية والسياسية، وفيما يعاني الحزب الاتحادي الديمقراطي من أعراض الشيخوخة، وذلك ينسحب علي حزب البعث وشبيحته الذين لن يستطيعوا تحقيق، ماهو افضل من من نتائج انتخابات١٩٨٦، عندما حل في زيل قائمة السباق نحو الجمعية التاسيسة
ولعل قراءة الحركة للساحة، هي مادفعتها للاقبال علي المجتمع العريض والتواصل مع مكونات السودان، والحديث معهم بلسان مختلف عن لسان الكراهية والحقد ،الذي ينطق به قادة الحرية والتغيير.