رأي

حيدر التوم خليفة يكتب: تأملات في الواقع السودانى .. المسار الأمريكي التفاوضي لحل الصراع السوداني ..

تأملات في الواقع السودانى .. المسار الامريكي التفاوضي  لحل الصراع السوداني ..
حيدر التوم خليفة
نعم هناك أمور كثيرة وكبيرة ومهمة تجري وتدور بصمت وخفاء في الغرف المظلمة ، تعمل على *تشكيل الواقع السوداني القادم وفقاً لاجندة الأجنبي في معظمها ، والمتعاون والمتوالي معه في أغلبها ، ولا ندري عنها شيئاً* ، وفي هذا المقال سوف نحاول *إستنطاق المجهول ، وربط الأمور ببعضها البعض* ، خاصة الواردة في العديد من التصريحات التي طافت الآفاق اخيرا شرقا وغرباً ، مع الغوص سريعاً في بعض الأحداث المهمة ، التي تشير وتنبئ بأن *الخطة الامريكية للتسوية السياسية لإنهاء الصراع المسلح السوداني* قد قطعت شوطا بعيداً ، وسوف نقف عند بعض المحطات التي مر بها قطار التسوية الجاري ..

*اولا* ، تعيين أمريكا لمبعوث خاص جديد هو *عضو الكونغرس السابق توم بريليو* ، والذي رافق تعينه شئ لم يكن معتاداً في السياسة الخارجية الأمريكية ، وأعني هنا *مساحة النقد العنيف الواسعة* لفترة سلفه *مولى في* ، مساعدة وزير الخارجية الأمريكي ، ووصفها *بالضعف تارة وبعدم الحيادية* تارة آخرى ، والحملة الإعلامية المتنوعة التي رافقت هذا النقد ، وهو ما يحمل رسالة مبطنة ، بأن *اليانكي هو سيد الموقف* ، وان السياسة الأمريكية تجاه السودان سوف تشهد تحولاً كبيراً ، يحمل قدراً واسعا من التشدد والصرامة ، وأنه قد *إستغني عن من يعملون تحت إمرته إنابة (أبوظبي)* ، وقرر تناول الامر *أصالة* ، بعد ان  تطاولت فترته على من أنابهم ، ووضح وبان فشلهم في تحقيق أهدافه عسكرياً ، وان خارطة السيطرة الميدانية بدأت تتشكل بصورة مغايرة لما خطط له ، وتميل لصالح الجيش المدعوم من الأسلاميين ، لهذا كان لا بد له من *الظهور وأخذ زمام الامور وناصيتها بنفسه* ..

*ثانياً* ، ما جاء في *تصريحات المبعوث الأمريكي* لبعض وسائل الإعلام المرئية والمقروءة، وإدانته للطرفين المتحاربيين ، والمساواة بينهم في الجُرم ، ما يعني إخراج عصاته التأديبية من حقيبته الدبلوماسية ، وإعلان أن أمريكا تعطي نفسها فرصة لسياسة *العصا الغليظة بعد فشل سياسة الجزرة ، والعقوبات الشكلية* ..

ويتضح ذلك في تصريحه الأخير بأن الأمور قد تطاولت في السودان ، وأنه يجب *حسمها عن طريق الحوار* بإستناف منبر جدة عقب رمضان ، حماية لأرواح المدنيين ، وضمان عدم تمدد الصراع إقليمياً ، والذي أن حدث ، فسوف يُخلِّف موجة لجوء ستطال أوروبا بأكملها ..

وواضح أن منبر جدة سوف يكون لإعلان الاتفاق السياسي النهائي ، بعد أن تكتمل *حلقاته التفاوضية* الجارية اليوم في القاهرة ، والتي كانت فصولها المهمة في منامة البحرين ، الامر الذي يعني وجود العين السعودية وحضورها بثقلها في المفاوضات منذ بداياتها ..

وهو يشير إلى إستبعاد منبر الايقاد لأسباب عديدة ، أهمها *ضعف المنبر وقلة تأثيره السياسي ، وعدم حيادية دوله* ، وميلها إلى جانب الدعم السريع ، الامر الذي زاد من الخوف من إنسحاب السودان من المنظمة بالكامل ، بعد أن جمد عضويته فيها كخطوة أولى ، الشيئ الذي سيقود إلى *تصدع المنبر* ، وهو حدث تحاول أمريكا تجنبه ، إضافة إلى أن العديد من دول الإيقاد تعاني من مشاكل توازي مشاكل السودان ، كما أن معظم رؤسائه عبارة عن *طغاة يفتقدون البعد الأخلاقي ، والركيزة المطلوبة لتقديم النصح والمشورة* ..

ثالثا ، الجهود الأمريكية *لتجميع المعارضة المدنية في كيان واحد  (تقدم)* مما يمكنها لاحقاً من التحكم في هذا الجسم ، ومرونة التعامل معه ، لأنه من سيحكم السودان مستقبلاً حسب التخطيط الأمريكي وفقاً للتسوية الجارية ، وضمان تنفيذ المطلوب منه ، الا وهو المحافظة على *مكاسب التطبيع مع الكيان الإسرائيلي* ، والتوالي في *حلف الشرق الأوسط الجديد ، والابتعاد عن المحور الإيراني ، ووقف الدعم للمعارضة الإسلامية الفلسطينية ، وقفل الباب أمام أطماع روسيا في تملك الموانئ على الساحل السوداني على البحر الأحمر ، أو بناء القواعد العسكرية* ..

*رابعاً* ، زيارة حمدوك للقاهرة ، عمدت إلى تقديم *رسالة تطمينية للقيادة المصرية* ، خاصة فيما يلي مشروع سد النهضة ، ومخاوف التقارب السوداني الإثيوبي ، وأيضا يشمل ذلك عدم المساس *بالحقوق المصرية التاريخية (المُدعاة) في السودان* ، وكيفية التعامل مع الإسلاميين حالياً ومستقبلاً ..

*خامساً* ، تصريحات القيادية الإسلامية سناء حمد في لقائها مع الطاهر حسن التوم ، عبر قناة طيبة الفضائية ، وإعلانها انها قامت (مكلفة من الحركة الإسلامية) بالتحقيق مع بعض جنرالات الجيش فيما يلي الانقلاب على البشير ، وقد تناول العديد من المعلقين هذا الامر ووصفوه بالسقطة للسفيرة السابقة ، وهم مخطئون ، لا هذا التصريح حسب رأيي هو لب النقاش وهدف اللقاء التلفزيوني ، إذ عمد إلى إرسال رسالة واضحة إلى الامريكيين والمصريين وعموم المناوئين لهم مفادها ، اننا نحن *الإسلاميون رقم لا يمكن تجاوزه ، وأننا نمتلك الجيش* (حقيقة أم إدعاءً) ، لهذا يجب أن نكون *حاضرين في أي تسوية سياسية قادمة* …

*سادساً* ، إعترافات المبعوث الأمريكي بالامس بوجود *حوار مع الاسلاميين وحزب المؤتمر الوطني* ، يجري في القاهرة للوصول إلى اتفاق سياسي لطي مرحلة الحرب في السودان ..

*سابعاَ* ، تصريحات بروف غندور بالامس ، والتي أقرت *الحوار كطريق لحل المشكل السوداني* ، قاطعة الطريق أمام مجموعة (بل بس) ، وهي تصريحات كما أراها متفق عليها لتناغمها مع *خط التسوية الجاري الان في الخفاء* ، وهو خط الإسلاميين الغير معلن ، والذي تم تغطيته بخط التعبئة العالي الصوت إعلامياً ..

*ثامناً* ، أكاد أجزم بأن القادة العسكريين من الجيش (البرهان ومجموعته) المتهمين بإرتكاب جرائم ضد المدنيين ، قد نالوا تأكيدات مُلزمة (سوف يتم تضمينها في الإتفاق السياسي) ، بعدم الملاحقة القانونية والقضائية لجرائمهم ، مع إلتزامهم بالتنحي وإعتزال العمل السياسي ، ووضع الخطوط الحمراء لمهمة الجيش ، وعدم تدخل المؤسسة العسكرية في السياسة ، وهو امر صرح به بالأمس الفريق إبراهيم جابر ، أمام رهط من الضباط والجنود …

وجابر بتصريحه هذا قد جبَّ كلام الفريق العطا قبل أسبوعين ، عن ضرورة قيام الجيش بقيادة الفترة الإنتقالية …

*تاسعا* ، زيارة بن زايد لمصر ، متزامنة مع زيارة الفريق كباشي لمصر ، (لست متأكدا عن هل تم اللقاء بينهم) متجاوزا ومتجاهلاً لوجود الرئيس التشادي محمد كاكا بعاصمته أبوظبي ، رافضاً لمقابلته ، وهو امر يشير إلى أن أبوظبي لم تعد في حاجة إلى خدماته ، وأنه صار عبئاً ثقيلاً بطلباته المتعددة ، إضافة إلى أنه مؤشر إلى تغير وتحول سياساتها تجاه السودان ، والتي من ضمنها وقف الدعم العسكري لقوات حميدتي ، خاصة بعد تدمير الطيران السوداني في الايام الماضية لأكبر واخر شحناتها من الأسلحة ، والتي من الواضح أن الجيش السوداني تلقى فيها مساعدة إستخبارية مهمة من دولة كبري …

هذا إضافة إلى أن أبوظبي ما هي إلا دولة وظيفية تأتمر بأوامر امريكا مخدمها الرئيسي ، وواضح أن عقالها قد فلت من يد سائقها الأمريكي ، خاصة وأنها مشغولة اليوم فى تنفيذ مهمة أخرى تتعلق بتصفية القضية الفلسطينية ..

وارى أن الزيارة والتي تناولت بالتأكيد عدة محاور في إجتماع الرئيسين السيسى وبن زايد ، الا ان المحور السوداني كان هو الأهم ، فابوظبي بعد إنتصارات الجيش الأخيرة ، وتوالى نزف ربيبها الدعم السريع عسكرياً يهمها أيضا ، التأمين على مصالحها المستقبلية في السودان ، وأهمها تدفق الذهب السوداني ، والموانئ البحرية ، والاستثمارات الزراعية ..

*عاشراً* ، التأجيل المستمر وتحجيم الجيش عن تحرير ولاية الجزيرة من قوات الدعم السريع ، مع إمكانياته على تحقيق ذلك ، بعد تحشييد عشرات الآلاف من الجنود ، والعتاد العسكري ، وهنا أراه  قراراً جاء إستجابة لطلب رعاة التفاوض ، لإعطاء الحل السياسي فرصة وضمان عدم توسيع دائرة الانتشار العسكري ، أو إعادة التموضع للطرفين ، متزامناً ذلك مع إعلان الدعم السريع نكوين قيادة مدنية لإدارة الولاية ، في خطوة تهدف الي تحسين الموقف التفاوضي ، وتعظيم الكسب السياسي لاحقاً …

*احد عشر* ، النشاط الفجائي الذي دب في بعض الاجسام السياسية المتكاسلة ، بعد علمها بهذه المفاوضات السرية ، لتأكيد حضورهم ، وتذكيرهم بضرورة حصولهم على كيكيتهم من السلطة ، ومن *جسد الشعب السوداني المنتاش بينهم* ، ويتبدى ذلك في زيارة الزعيم الاتحادي جعفر الميرغني لبورتسودان ، وتحركات عبد الرحمن الصادق المهدي داخل ولاية الخرطوم ، والتغطية الإعلامية الكبيرة التي حُظِيت بها ..

*اثنا عشر* .. الاجتماع الأخير الذي تم بين بعض منسوبي حزبي الأمة والشيوعي ، والذي تم عبره تسريب بعض ملامح اتفاق التسوية ، والتي تصب في مصلحة الطرفين المقاتلين فقط على حساب القوى المدنية ، وفقاً لتصريحات احد اعضاء الوفد الشيوعي ..

هذه أمور كلها *تنبئ بأن نار الطبخ للمسألة السودانية تشتعل هادئة بلا بريق* ، ولكن من الواضح أن الجميع ، وفي سعيه لإيجاد حل سياسي للصراع الحالي ، غير بصير ، وغير مدرك لحجم التحديات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي خلفتها هذه الحرب ، *متناسياً ومتغافلا إستهبالا وإستسهالاً وإستصغاراً لأهم فاعل سياسي ، ألا وهو الشعب السوداني* ، والذي يرتقي الجميع على أكتافه لتحقيق أهدافه الشخصية ، مستغلا *الايدولوجيا أو الدين ، أو القبيلة ، أو المال ، أو الإرث العائلي أو الكسب التاريخي ، أو مستعيناً بالاجنبي* ، في الوقت الذي يعلن فيه هذا الشعب *معارضته ورفضه للجميع* ، فهؤلاء متى يصحون  من سباتهم العميق ، ويفيقون من *غيبوبتهم السرمدية* ، ويدركون أن الوطن *ليس حذاءً تلبسه وقت تريد ، أو سلعة تملكها صكاً وتوارثاً تصرفها حيث تشاء ..*

*حيدر التوم خليفة*

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق