تحقيقات وحوارات

صحيفة بريطانية تكشف معلومات صادمة عن البطالة في السودان

وكالات: سودان بور
في المئة من المواطنين شباب معظمهم عاطلون عن العمل
يشكل الشباب أكثر من نصف سكان السودان، لكن معظمهم يعاني البطالة بسبب قلة فرص العمل، وانتشار المحسوبية والفساد، فضلاً عن تراجع الاقتصاد بشكل كبير.
هذا الواقع أصاب حملة الشهادات الجامعية في مقتل، إذ باتوا ضحايا وضع يصعب إصلاحه، بالتالي تبعثرت أحلامهم وآمال عائلاتهم ووقعوا في بؤر الفقر.

هذه النتيجة دفعت بمئات الآلاف من الشباب السوداني إما إلى الهجرة خارج البلاد، أو العمل في مهن هامشية بعيداً من تخصصاتهم الأكاديمية.
وبحسب التقرير السنوي لوزارة المالية والاقتصاد في السودان لعام 2021، فإن البطالة ارتفعت بنسبة 40 في المئة، بيد أن 42 في المئة من السودانيين هم من فئة الشباب منهم 85 في المئة عاطلون عن العمل.
ملتقى ومتنفس
إزاء هذا الواقع الأليم، وجد كثيرون ضالتهم في تجمعات بائعات الشاي باعتباره ملتقى اجتماعياً ترفيهياً، وفرصة لتبادل أخبار الوظائف، والسياسة والرياضة، وما يدور من أحداث راهنة.
الرشيد محمد أحمد، شاب في مطلع العشرينيات، وتخرج حديثاً في جامعة الخرطوم، قال “أبحث عن عمل منذ فترة طويلة، وأقضي معظم وقتي في احتساء القهوة مع الأصدقاء عند تجمعات بائعات الشاي للترويح عن النفس، بكلفة مقبولة مقارنة بالمقاهي، ونستغل هذه الأمكنة في التفكير للخروج من دائرة البطالة إلى رحاب الإنتاج”.
وعند سؤاله عن عدم العمل في المهن الهامشية، يجيب أحمد “أصبحت غير متاحة لوجود أعداد كبيرة من الشباب الباحثين عن فرصة”.
فيما عبرت علوية محمد الزاكي، وهي شابة في مطلع الثلاثينيات عن شعور جميع العاطلين عن العمل باليأس، بقولها “تمضي الأيام والأشهر بلا جديد، لعدم وجود فرص للالتحاق بالوظائف، وحتى مشاريع تشغيل الشباب والخريجين التي قدمتها الحكومة كانت نتيجتها الفشل، ولم تحقق أي نجاح لأسباب عدة، منها أن الدعم يمنح على أساس الولاء والمحاباة بعيداً من الأسس والمعايير المتعارف عليها، إضافة إلى عدم خبرة الشباب وتدريبهم على كيفية إدارة المشروعات، فضلاً عن الشروط الصارمة التي تتعلق بتقديم ضمانات مثل رهن منزل أو قطعة أرض أو سيارة مقابل منح التمويل”.
تجربة أليمة

في حين دفعت الظروف القاهرة حمدان الطيب مهدي، الحاصل على شهادات في إدارة الأعمال والآداب، إلى امتلاك دكانة صغيرة في واحدة من شوارع العاصمة الخرطوم، يبيع عليها البسكويت وعلب السجائر والأدوات المكتبية لمساعدة أسرته.
وأشار مهدي إلى أنه لم يحصل على وظيفة بعد سنوات من تخرجه، وبعد معاناة استمرت لسنوات وضع شهاداته الأكاديمية على الدرج، واتجه لمشروعه الخاص، لكنه حذر من استمرار الوضع الحالي للشباب، لأنه يضاعف من نسب الفقر، ويؤدي إلى مغامرات غير مأمونة العواقب، ويسهم في تفشي الجريمة، وتعاطي المخدرات هرباً من الواقع المؤلم، ويرى بأن مشاريع الشباب تساعد في تقليل الظاهرة”.
عدم مساواة
بين معدلات التضخم وتآكل القدرة الشرائية للجنيه السوداني وميزانية غير قادرة على خلق فرص العمل، يبرز عدم المساواة والتمييز في الحقوق للحصول على الوظائف المختلفة.
المتخصص في الشأن الاقتصادي السماني هنون قال “يعتبر السودان دولة فاشلة في إدارة الاقتصاد الكلي، ويعاني مشكلات حقيقية في المتغيرات الكلية، كالتضخم وسعر الصرف، ونمو إجمالي الناتج المحلي، بالتالي فإن البطالة تشكل تحدياً كبيراً للدولة، لأنها تنتشر بشكل رئيس وسط الشباب من الجنسين، وهي الفئة العمرية المنتجة، وتسببت في تراجع الإنتاج في بلادنا وتدني متوسط دخل الفرد وتعزز الفقر في المجتمع”.
وأضاف هنون “التوسع في التعليم العالي أفرز حركة اجتماعية كبيرة أدت إلى تغيرات وتحولات في السودان، وأسهم عدم وجود توافق بين تخصصات الخريجين وسوق العمل في تنامي ظاهرة البطالة بشكل مطرد، كما أن برامج التمويل الأصغر بالبنوك لم تحقق الفوائد المرجوة، لأنها فرضت شروطاً تعجيزية على الشباب، ونتيجة لذلك فإنهم يهربون منها بدلاً من الدخول في مشروعات استثمارية”.

وعن الحلول وتوظيف طاقات الفئة المنتجة، أوضح المتخصص الاقتصادي “يمكن العمل على تطبيق حزمة من الإصلاحات، وتعزيز المنافسة التامة، وفتح الفرص أمام الخريجين والتوسع في التعليم المهني والتقني، وتحرير التجارة والاستثمار، وإزالة العوائق، وزيادة الصناعات التحويلية الموجهة للصادر، والقضاء على الفساد الإداري والمالي، وتعيين مفكرين وخبراء لديهم مهارات متقدمة في إدارة الاقتصاد الكلي”.
تداعيات خطرة
فيما أشارت الباحثة الاجتماعية وصال عز الدين إلى أن البطالة تشكل معضلة كبيرة بالمجتمع، وبشكل أدق ضمن فئة الشباب لدورهم البارز في بناء المجتمعات، وبدلاً من استثمار طاقاتهم الحيوية والمنتجة، فإنها ونتيجة للظروف الصعبة تتحول إلى سلوكيات خطرة، ولذلك فإن الظواهر السلبية تنتشر بشكل متسارع، مثل تعاطي المخدرات وانتشارها بصورة مخيفة بين الجنسين، أما من الناحية الاقتصادية فإنها تلعب دوراً سلبياً لأن انعدام الإنتاج لدى الفرد يقود إلى الفشل في توفير المتطلبات الشخصية، وهذا يشكل ضغطاً على الأسرة، لأن الشاب العاطل يشعر دائماً بـ(الدونية)، بالتالي يصاب بالعزلة التامة والاكتئاب.
وتوقعت وصال بأن تبلغ البطالة مستويات قياسية جديدة تهدد الأمن والسلم المجتمعي، وترتبط مباشرة بارتفاع نسبة الفقر، وتدني مستويات المعيشة، بالتالي فإن التداعيات ستمتد لتشمل العنف والانحراف والجريمة والسرقة.
وترى الباحثة الاجتماعية أن “المشكلة تحتاج إلى جهد تشاركي، والمساهمة بالقدر المستطاع في توفير فرص العمل، لا سيما في القطاع الخاص مع تراجع أو انعدام قدرة الحكومة على التوظيف واتباعها سياسات تقوم على تخفيض أعداد العاملين”.
جهود حكومية
عن جهود الدولة في حل أزمة البطالة، قالت مديرة الإدارة العامة في وزارة التنمية الاجتماعية مكارم محمد خليفة، إن “الحكومة قسمت العمل إلى وحدات في إطار الاهتمام بتقديم مشاريع الشباب إلى وحدات للتمويل، مثل معهد علوم الزكاة، ومصرف الادخار، وبنك الأسرة، بجانب رعاية برامج التدريب على كيفية دراسات الجدوى، وجولات البنوك، والتنسيق مع الجهات التي ترعى مشروعات ريادة الأعمال والخبراء.
وأضافت أنه خلال هذا العام “نظمت الوزارة عدداً من الورش بالتعاون مع اللجنة الاقتصادية الاجتماعية لغرب آسيا، إضافة إلى شراكة مع بنك التنمية الأفريقي لمنح الشباب مبالغ تصل نحو 30 ألف دولار في الاستثمار الزراعي”.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق