رأي
حيدر التوم خليفة يكتب: *تأملات معرفية في الإرث الكوشي*
*تأملات معرفية في الإرث الكوشي*
*ماذا تعني كلمة زول ..؟ وارتباطها بالملائكة العالين ، أو الانوناكي ، وحقيقة أعمار البشر …*
*الذهب وصراع الخلود والغناء ، وهل فعلا سعي ابليس إلى مساعدة البشر لمعرفة سر الخلود ، وإكتساب صفات الأرباب العالين .. ؟*
*ما هي شجرة الخلد ، أو شجرة المعرفة ، الشجرة المحرمة.. شجرة إكسير الحياة ..؟*
*وما علاقة ذلك بالتفاحة المقضومة الناقصة شعار شركة أبل للمعرفة …؟*
*حيدر التوم خليفة*
*مدخل ..*
قال تعالى…
وَمَا جَعَلۡنَا لِبَشَرٖ مِّن قَبۡلِكَ ٱلۡخُلۡدَۖ أَفَإِيْن مِّتَّ فَهُمُ *ٱلۡخَٰلِدُونَ* (34) كُلُّ *نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ ٱلۡمَوۡتِۗ* وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ (35 الانبياء
كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا *فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ… الرحمن 26.. 27
…
يستعجب الأعراب (وهنا إستعمال لفظ أعراب مقصود وفقاً للمعنى القرآني) ، ويستغربون من تسمية السودانيين للناس ، ومخاطبتهم لهم بإسم الزول ، ويجعل بعضهم من ذلك مادة للسخرية والتندر ، ويطربون حين ينادون السوداني بالزول تهكماً ، غير مدركين أن *اسم زول ، هو تسمية الله لخلقه من البشر* .. لأنها تحمل أهم صفة للتفريق بين *البشر الفانيين* والملائكة *العالين الخالدين* ..
والزول في اللغة العربية ، وهي فرع من اللغة الكوشية العظيمة ، هو الشجاع ، الكريم ، سديد الرأي صائبه ..
وكلمة زول في مجملها تشير الي *النوع الإنساني قاطبة* ، ولا تُحتكر *وصفا للسودانيين وحدهم* ، ولكن خُصوا بذلك لأنهم *اول البشر خلقا وجوداً ، وإستعمالا لها ، وتحدثاً بها*…
وتأتي من ضمن أحداث حلم البقاء والخلود ، وسعى البشر للهروب من *طبيعتهم الفانية* ، والتلبس *بطبيعة الله الخالدة* ..
وكلمة *خالد Immortal* كما افسرها (ضمن الحياة الإنسانية) لا تعني أن يستمر الشخص *حيا بلا نهاية* ، ولكن هي دلالة على *طول العمر* الذي يدوم فترة طويلة تستغرق *عدة أجيال* ، تمتد لمئات أو آلاف السنين *كحالهم عند خلقهم* …
وتذكر كتب القصص الديني أن بشر قبل الطوفان ، كانوا يتمتعون *بحياة طويلة* تزيد عن الالف سنة ، وأحجام ضخمة تصل إلى *ستين ذراعاً* وتزيد ..
وهذا أمر له شواهد من القرآن والسنة ، إذ ذكر القرآن أن *عمر نوح فوق آلاف عام* ، وأنه ظل يدعو قومه إلى جادة الصواب طيلة تسعمائة وخمسين عاما ، ولم يستجب له إلا قليل ، قال تعالى ..
﴿ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ *أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا* فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾ … العنكبوت: 14
قال عون بن أبي شداد : إن الله أرسل نوحا إلى قومه وهو ابن خمسين وثلثمائة سنة ، فدعاهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، ثم عاش بعد ذلك ثلثمائة وخمسين سنة .
اي ان عمره كان *الف وستمائة وخمسون عاما* حين وفاته …
وقيل إن انسان ما بعد الطوفان *نقص عمره وصغر حجمه* حتى صار الي ما نحن عليه اليوم من أعمار واحجام ..
وجاء في صحيح البخاري …
– حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُالرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:”خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ، *طُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا*، فَلَمَّا خَلَقَهُ قَالَ: اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ النَّفَرِ مِنَ المَلاَئِكَةِ، جُلُوسٌ، فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ، فَإِنَّهَا تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ، فَقَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ، فَقَالُوا: السَّلاَمُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَزَادُوهُ: وَرَحْمَةُ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنْ يَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ آدَمَ، *فَلَمْ يَزَلِ الخَلْقُ يَنْقُصُ بَعْدُ حَتَّى الآنَ”*…
وهذا الأمر له *شواهد مادية* ، تتبدي في تلك *الاكتشافات الاركيولوجية* ، والتي ابانت عن هياكل عظمية في غاية الطول والضخامة لبعض البشر القدماء ، كما نراها أيضا في تماثيل وتصاوير السابقين ..
وجاء في إرث *السومريين* ( وهم *السُمُريين الكوشيين القدماء* ، سكان بلاد النيليين ، الذين هاجروا إلى بلاد النهرين) ، ان الله ، ويسمونه (الإله إيا ، اي العلي ) قام بخلق البشر ليعملوا في تعدين الذهب لصالح سكان كوكب نوبيرو (الانوناكي.. الملائكة) ، وذلك بعد أن تمرد *خدامهم (الايجيجي)* اي الجن عن فعل ذلك ..
وان الجن كانت أعمارهم *طويلة تصل إلى آلاف السنوات* ، وأنهم كادوا يتساوون مع الملائكة في العمر ، حتى *عاشوا كالخالدين* ، بعد أن وجدوا *طريقة لتجديد حمضهم النووي بإستعمال مادة الزئبق الأحمر* ، والتي حُظرت عنهم ، وخاضوا حروبا دامية مع الملائكة من اجلها ، هم وأعوانهم من *الحِن والبِن ، حيث تلازم وجود الحِن والبِن والجن ، ومن قبلهم الطم والرم* ، وهم ممن سكن الأرض قبل الإنس ، والإنس هم نتيجة *تخليق متطور من النسناس* .. (ارجو الرجوع إلى حروب الملائكة والجن، وحروب الجن والإنس في الإرث الإسلامي والمسيحي) …
وقصة الحياة تعبِّر عن *صراع الخير والشر في مجملها* ، ومن يستعجبون ذلك ويرفضونه بحجة أنها اساطير الاولين ، *فليرجعوا الي القرآن* ، ويعيدوا قراءة وتأمل قصة خروج ابيهم آدم من الجنة ، وإغواء ابليس له ولزوجه ، ومجاهدات أبنائه بعد ذلك صداً لمكائده ، ودفعا لشروره ، *وطبيعة الحياة نفسها ، ما هي الا صراع ممتد* ، لا يهدأ بينهم وبين الشيطان وجنده ، لهذا لا تستعجلوا رفض كل ما لا تدركه عقولكم ، *وتنسبوها إلى اساطير الاولين* ، وهنا لا فرق بينكم وبين من وصف قصص القرآن من قبلِ ، *بأساطير الاولين* …
من أولى صفات البشر بعد الطوفان ، هو التغيير الذي طرأ عليهم ، من *إنقاص احجامهم ، وتقصير أعمارهم* ، وقفل الباب أمامهم لنيل الخلود ، وهو الأمر الذي طرق عليه إبليس كثيرا ، إغراءً للبشر وإغواءً لهم بإتباعه ، وسوف تكون *جائزته كشف سر الخلود لهم* ..!!
فماذا كان *يريد ابليس من البشر ..؟*
وبماذا *وسوس لآدم* ..؟
وما هو *العرض المغري* الذي قدمه لآدم ليعصي ربه حتى نال سخطه وغضبه ..؟
إنه الإغراء بأمرين .. *الخلود و الملك* ..
فإبليس كان يعلم توق آدم إلى امتلاك قراره (الملك) ، والي أن *يعيش دهرا طويلا كالملائكة (خالدا)* ، إنه حلم الخلود ..!!
وهذا ما عمد ابليس إلى كشفه للإنسان وإرشاده إلى *المعرفة المؤدية* إلى ذلك ، وما أراها إلا *معادلات كيميائية ، لاستعمال بعض خصائص المواد لتجديد الحمض النووي للبشر* ، تناظرا مع معرفة الجن *بخصائص الزئبق الأحمر* ونجاحه عندهم ..
لهذا جاء الوصف القرآني دقيقا لهذه *المعادلات الكيمائية المتشعبة المتفرعة كالشجرة* ، والتي سماها القران *بشجرة الخلد ، والتي عرفت بشجرة المعرفة ، والشجر المحرمة* ، قال تعالى ..
*فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَا يَبْلَى*
*وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَـذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَ أَن تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ*
ودارسوا الكيمياء بتخصصاتها المتعددة ، يعلمون أن معدلاتها ، تتفرع متوالدة مثل الشجرة تماما ..
ولأن القرآن دقيق في معانيه ، متعدد في أساليبه ، وكثيراً ما نجده *غير مباشر في دلالاته ، لأنه يسوق الرمز ويضرب الأمثال* ، وعلى العقول إدراك مراميه ، فأرى أن الشجرة هنا هي *تعبير عن المعرفة الرياضية للمعادلات المطلوبة لتحضير هذه المادة* ، وقد ذكر العلماء أن *شجرة الخلد هي التي من ذاقها لا يشيخ ويعيش خالداً*..
قال ابن جريج ويحكيه عن بعض الصحابة ..
(فلم يزل بهما إبليس حتى أكلا منها ، وكانت *شجرة الخلد – يعني : التي من أكل منها خلد ودام مكثه*) ..
ومن معاني الخلود كما أوضحت ، *طول العمر ، والبقاء على ذات الحال* ، ولهذا تطلق العرب على *الاثافي وهي الحجارة التي توضع عليها القدور اسم خوالد* ، لمكوثها الطويل بلا تغيير …
*وشجرة الخلد* ومن خلال ما جاء في الإرث الإسلامي كما اري ، ما هي الا *شجرة المعرفة* التي تقود الإنسان إلى أن يصير خالدا كالملائكة ..
وقد اختلف العلماء فيها وفي ثمارها ، *ومعظمهم لم يعينها ذاتاً* ، وبعضهم قال إجتهادا انها التين ، وبعضهم قال إنها البر ، وآخرون قالوا إنها التفاح ..
وكما قلت فهي رمز لسر *معادلات معرفة الخلود* ، وكلنا نذكر في إرثنا الشعبي ما ندعوها *بشجرة إكسير الحياة* ، والتي كما هو متداول أن من أكل منها لا يمرض ولا يموت ، أي يصبح خالدا Immortal .. والأقاويل تتحدث عن أنها تنمو في أعالي الجبال ، وان الصقور هي الكائنات الوحيدة التي يمكنها الوصول إليها ..
ورجوعاً إلى ثمرتها ، أليس من العجيب أن يكون *رمز واسم أكبر شركة معرفة في العالم هو التفاحة المقضومة الناقصة* ؟ الأمر الذي مثّل بحر إجتهاد واسع ، خاضه البعض سعياً لسبر عمقه وإدراك سواحله ..
وتقول سجلات شركة أبل ، ان مؤسسها *ستيف جوبز* (وهو أمريكي من أب لبناني) ، طلب من المصمم روب رانوف وضع شعار للشركة مستوحى من *ثمرة التفاح* ، فوضع الشعار الحالي ، والذي هو عبارة عن *تفاحة مقضومة من جانب واحد* ، وأن *التفاحة ترمز إلى الشركة* ، *والقضمة ترمز إلى الشجرة المحرمة* ، التي اكل منها ابوانا آدم وحواء رغما عن النهي الرباني لهما من الاكل منها ..
.
ولكنني أرى أن التفاحة ترمز إلى *شجرة المعرفة* التي أدركها ادم ، وان *القضمة* منها ، ترمز إلى *الجزء الناقص* منها ، وهو *معرفة أسرار الخلود* ، والتى تسعى الشركة للحصول عليها …
لهذا كان حلم الانسان بالخلود ، هو ما تسبب في طرده من *جنة عدن ( وهي سفينة الانوناكي الأم .. Mother Ship)* ، فقد خُلق الإنسان في الجنة فانياً اي على طبيعته البشرية ، ولكن من سياق القصص القرإني فقد *قُدِر له عمرا طويلاً* ، وهو ما لم يدركه آدم ولم يستوعبه ، إذ لم يستطع أن يدرك خطة الإله التي خططها له ، فأتبع إبليس وسلك نهجه في تحقيق مراميه في الخلود ، *فسقط في حبائل الفناء الفعلي ، بإجلائه من الجنة دار البقاء إلى الأرض (دار الفناء)*…
أي أن أدم بالتأكيد كانت لديه *الرغبة في الخلود* ، وقد تلمس ابليس عنده هذه الرغبة ، فإستغلها محرضا إياه على امتلاك هذه المعرفة ، التي تجعله خالدا ..
لقد عُرف الإنسان عند إنزاله من الجنة *بالمخلوق الفاني الزائل* أي الذي إلى زوال ، *غير المخلد* ، ومنها جاءت تسميته بالزول اولا ، وبلا تعيين ، وإنما إشارة إلى *جنسه أطلاقا ، الجنس الزائل* ..
وقد كان هذا إسمه عند إنزاله *(الزائل)* في ارض الهبوط *(أرض كوش)* ، أرض *النوب اي الذهب أو أرض النوبة* ، وهو مطلوب الانوناكي ، والذي يتوفر بكثرة في *ارض كوش ، أو بلاد النوبيين النبلاء* ، لهذا استمر اسم الزول للإشارة إلى *أول إنسان فانٍ نزل من السماء* ، وفي عقبه بعد ذلك ، وهو الاسم الذي ما زال السودانيون المعاصرون ، أحفاد الكوشيين القدماء وأول من تسمى به كما قلت ، يحملونه ويستعملونه ويعتزون به ..
ومما يؤكد ويعضد ما نقول ، ان الانوناكي عندما أرادوا *توسيع مناطق تعدينهم للذهب* ، إتجهوا إلى منطقة آخرى غنية به تقع في *الجنوب الأفريقي* ، حيث نقلوا إليها *معدنيهم البشر من الازوال* ، وما زالت بقاياهم إلى الان يعرفون باسم *قبائل الزول أو الزولو* ، وهم مجموعة أصحاب لغة بسيطة تناسب العهد القديم الذي عاشوا فيه ، والمجتمع المغلق الذي نشأوا فيه ، وهي تشابه لغة الكوشيين القدماء …
ختاما نقول ان كلمة *الزول والازوال تطلق على البشر الفانين* بصورة عامة ، وفد احتفظت اللغة الكوشية بهذا اللفظ لأنه *صفة ملازمة لهم* ، وه لفظ موجود في العامية السودانية الحالية ، وهي مثلها مثل *النوبية وريثتان للكوشية ، ومن اللغة الدارجة السودانية تطورت اللغة العربية الفصحي* ، بحكم ان العرب ما هم إلا قبائل كوشية هاجرت من أرض كوش ، منذ القدم إلى ما يعرف اليوم بأرض العرب ، مثلها مثل قبائل *السُمُريين القدماء الذين هاجروا إلى أرض العراق وعُرِفوا في التاريخ باسم السومريين* ..
إن اسم زول هو أصدق أسماء الإنسان قاطبة ، لأنه يعبِّر ويذكره *بحقيقته الفانية .. وصراع الخلود مع خالقه*
mortality and
immortality conflict
، وذلك إتباعاً لإغواء إبليس له في أن يتبعه ليجعله من الخالدين ، اي ان الامر هو صراع يعبر عن رغبة الإنسان في *الانتقال من حالة الفناء ، إلى خالة الخلود* ..
*transition from mortality state to immortality state*
وبالتالي تملك قراره والعيش كالارباب أو الملائكة العالين …
ويا زول إنتبه ، انت الي زوال ، *والزوال هو الفناء* ، طبيعة البشر ، وقد احتفظ الله لك *بحقك في الخلود* ، هناك في الجنة كما بدأ سلفك أولا ، و(كما بدأنا اول خلق نعيده) ، ولطالما وصف القرآن الجنة *بدار الخلود* ، وأطلق على ساكنيها اسم *الخالدين* ، اللهم أجعلنا منهم .. وللحديث بقية ..
والله الموفق
*حيدر التوم خليفة*
الدويم خريف 2010