رأي

أحمد حامد الجبراوي المحامي يكتب: السّودانُ وَتَحدِياتُ مَابَعدِ الحَرْبِ

بِسمِ اللهَ الرّحمنِ الرّحيمِ
*السّودانُ*
*وَتَحدِياتُ مَابَعدِ الحَرْبِ*

أحمد حامد الجبراوي

وقد وصلت الحرب السودانية إلى نهايات مرئية ومحسوسة وبعد العدّ والحساب الدقيق للأرباح والخسائر لابدّ من تأمل ما سيقابل البلاد من تحديات في دوائر متعددة حتى تستطيع أمّتنا معرفة كيفية مواجهتها ثمّ تجاوزها كلّ بحسبه ومقداره وهذه محاولة للحديث حول هذه التّحديات ووكيفية تجاوزها أجملها كالتّالي :
*أرباح وخسائر الحرب:*
لم تكن الحرب على التّمرد في السودان وليدة لحظة ولكنها كانت لمواجهة خطر يهدّد الوجود السّوداني من قوي دولية بشركاء إقليميين وعملاء من هنا وهناك بيد أنّ عناية الله كانت لصالح هذا الوطن الجريح الذي تتقاذفه الأمواج مع قلّة النّصير واشتداد العدا وكانت حسابات الخسائر فوق التّصوّر أرواح أزهقت وحرائر أغتصبت وبنيات تحتية دمّرت ورؤؤس أموال ومنقولات وعقارات نهبت ومصانع وشركات أصابها العطب والتلف وخرجت من سوق العمل بالكليّة وأسر تشردت وغلاء ومغالاة في كلّ شيء وأمّا حسابات الأرباح فهي في دحر العدو وكشف المستور و توثيق وتقوية اللُّحمة الوطنية ورتق عراها والكثير من الخير الذي ظهر في معادن الناس وغيرها مما يرى ولا يرى فمن رحمة الله أن يجعل المنح بين طيّات المحن والعطايا بعد البلايا وبين هذا وذاك لطف الله الكريم لعباده.
*الرؤية الوطنية:*
إنُ من أعظم التّحديات التي تواجهنا هي إيجاد رؤية وطنية مجمع عليها نقود بها الوطن ونواجه بها التحديات وندافع بها الاستراتيجيات المضادة وندير بها صراعنا الحضاري والوجودي في مواجهة الآخر ونوقن وندرك إدراكا عميقا لبلد يقع في قلب مضمار الصراع الاستراتيجي الدولي حول المصالح ويحتل موقعا عبقريا وفضاء جويا ووضعا جيوستراتيجي بموارد بشرية وطبيعية هائلة في ظل اجتياح أزمات عالمية في الغذاء والمعادن الصناعية والطاقة والتقنية والذي ينبغي أن يتمّ في إطار رؤى استراتيجية شاملة مبنية على قيم الدّين ومتكاملة وعميقة ومرنة ومستجيبة لتنوّع التحديات فمصير السودان يتوقف بعد عناية الله وحفظه على ترتيبات إستراتيجية تدرك هذا المشهد وليس مجرد تكتيكات محدودة تتحرك برزق اليوم باليوم وهذا ممّا يستدعي حوارا وتوافقا ومجموعة من التنازلات من الجميع لصالح الوطن وقيمه وإنسانه وموارده ووجوده وحدوده.
*سلاح القيم والأخلاق:*
إنّ تهديد وزعزعة القيم والأخلاق هو من أكبر التحديّات التي تواجه البلاد خاصة وأنّ القيم مواجهة بحزمة من العوامل التي تستهدف تحقيق تلك النتيجة فالشيطان وأعوانه وأعداء الوطن وعملاؤهم وحرب الجيل الرابع وتقنيات التواصل الحديثة وما تحمله من سموم وغيرها وفي مقابل ذلك نحتاج إلى تعزيز تلك القيم والأخلاق والمحافظة عليها فما من أمّة تريد القوّة والاستمرارية إلّا وهي تحتاج إلى منظومة متكاملة من القيم والأخلاق التي تحافظ بها على قيمة الضمير الإيماني وتعمّق الوازع الديني في النفس البشرية اتصالا بالله تعالى بإخلاص العبودية له تعالى وتعظيم الرّب وأوامره وتعزيز الوازع الأخلاقي الواقي من الوقوع في الآثام والشرور وتحقيق المتابعة الحقّة للرسول صلى الله عليه وسلم فصلاح القيم وإيجاد الضمير الحي اليقظ هو المطلوب قال عليه الصلاة والسلام (ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب) صحيح البخاري وعليه فتزداد حاجتنا إلى خطاب وعمل من كافّة مكونات أمّتنا لتعزيز هذا الجانب وبنائه وترقيع ما أفسدته النّفس والشيطان والهوى وأعداء الملّة والله المستعان.
*صناعة الفرد الصّالح والمصلح* :
من بين التّحديات التي تواجه بناءنا الوطني مستقبلا هي صناعة المواطن الصالح في نفسه والمصلح لغيره وهو تحدي يلي كواجب كل مؤسسات البلاد التوجيهية والتعليمية ومنظومات العمل الإسلامي ومراكز التأثير فلابدّ من تغيير واضح في حياتنا ممّا يلي أخلاقنا وتعاطينا مع الحياة فلا يعقل أن نستمر بذات ما كنّا عليه قبل الحرب من هشاشة المعتقد و ضعف الدين والأنانية والأثرة والحسد والكراهية والتسيّب من العمل واستغلال الفرص للثراء والاستبداد وخيانة الأمانة والمحسوبية وتولية الأقربين والجشع وغيرها من الأمراض التي باتت تنهش جسد الوطن وأدّت الى ما أدّت إليه من هذا المصير والصّناعة هذه تحتاج إلى عمل مستمر وتربية وقدوة صالحة وربط الخلف بمسيرة السلف الصالح
*الهوية السودانية:* إنّ قضية الهوية السودانية تمثّل تحديا للنخب السياسية عبر مراحل بناء الدولة السودانية تجاذبا بين المكونات السياسة العقائدية بينما هى ليست بذات الاهتمام لدي الأحزاب ذات التوجهات الوطنية التى عالجتها من خلال المعطيات الطبيعية فى الواقع السوداني ومرّرتها علي ذات النسق فى ادبياتها ومرجعياتها الفكرية على قلّتها ومهما يكن من أمر فإن من الواضح جدا أنّنا نحتاج إلى اعتماد هويتنا النابعة من انتماء مجموع الشعب السودانى لدينه الحنيف للمُحافظةِ على تميُّز الأمة وتفرُّدها اجتماعيّاً ، وقوميّاً و ثقافيّاً ولأنها تُساعدُ في الإعلاءِ من شأن الأفراد فى المُجتمعات وتساهم في زيادةِ الوعي بالذّات الثقافيّ والاجتماعي، ممّا يساهمَ في تميُّزِ الشّعوب عن بعضها فالهُويّة جزءٌ لا يتجزّأ من نشأة الأفراد منذُ ولادتهم حتّى رحيلهم عن الحياة وبالتالي يساهم في التّعبيرِ عن مجموعةٍ من السّمات الخاصّة بالشخصية السودانية لأنّها تُضيفُ للفرد الخصوصيّة والذاتيّة ، كما إنّها تعتبرُ الصّورة التي تعكسُ ثقافته ولغته ، وعقيدته ، وحضارته و تاريخه وأيضاً تُساهمُ في بناءِ جسورٍ التّواصل بين كافة الأفراد علي الصعيدين الداخلي و الخارجي مُعتمداً على اختلافِ اللغة ، أو الثّقافة ، أو الفكر ، أو اختلافاً كُليّاً في كافّةِ المجالات دون استثناء واعتماد ذلك يضمن العدالة والسماحة لشركاء الوطن تقاسما لخيره وتكاتفا فى الذود عنه كما نصت وثيقة المدينة.
*العلاقة ما بين الدين والدولة* :
تشكّل العلاقة بين الدين والدولة تحديا واضحا نحتاج فيه إلى حوار بنّاء ومسئول حوله وتوافق وطني بعيد عن التجاذب والانتصار للأنا الذاتي والحزبي ذلك أن ثنائية الدين والدولة في الواقع المعاصر قد طرحت بمضمونها الأوربي الأصلي الذي يفيد المطالبة بفصل الدين عن الدولة ، وهو طرح يختلف جذرياً باعتبار المرجعيات التراثية والتاريخية لنا فبينما نشأ الصراع في أوربا بين الكنيسة ومن خرجوا عليها فإنّ الدين عندنا ظلّ حاضناً ومحفِّزاً للتطوّر والنّماء مما يجعل واقعنا لا يحتمل تلك القطيعة بحال سيما وأن دول الديمقراطيات العظمي تجاوز منظروها القطيعة التاريخية مع الدين ليجعلوه مؤثّرا ومحفِّزا فى تعاطيهم الدستوري والسياسي وفي رمزيات أممهم وشعاراتها فلا يمكن أن نكون ملكيين أكثر من الملك. فالرصيد التاريخي والحضاري لأمتنا وعطاؤها المعلوم دافع قوي لبناء هذه الثنائية لِتختطَّ أمّتنا طريقها مقابل تحديات الواقع يعضّدها مرجعية الكتاب الهادي قال تعالي :- “ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ” 18 الجاثية .وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّنِی هَدَانِی رَبِّیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ دِینࣰا قِیَمࣰا مِّلَّةَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ حَنِیفࣰاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ۝١٦١ قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ۝١٦٢ لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰ⁠لِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ ۝١٦٣﴾ لأنعام ١٦١-١٦٣.
*التحدِّي القبلي:*
اتّضح من خلال ما مضي من أحداث بل ومنذ خروج المستعمر أنّ بناءنا القومي لا يزال هشّاً وأن القبلية لا تزال تهدّد هذا النسيج الذي لم يكتمل ولم يتماسك ففي دولة يبلغ عدد القبائل فيها قريبا من ستمائة قبيلة تتقاسمها قريبا من سبع وخمسين مجموعة عرقية على أساس الخصائص الإثنوغرافية والثقافية واللغوية، وتتحدث قريبا من مائة وإربع عشرة لغة ولهجة وبعضها مكتوب مع جوار متعدد ومتداخل بعمق وبقوة في تشكيل ذلك المعطي القبلي في ظلّ تعاظم سلطان القبيلة مع الهشاشة التي وصلت إليها الدولة كل ذلك يجعل من التحدي القبلي ألغاما تتفجر الواحد تلو الآخر وعليه لابدّ من مواجهة هذا التحدي بتعميق قيم الإسلام الداعية لنبذ العنصرية والجهوبة قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ١سورة الحجرات وقال صلى الله عليه وسلم ” إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ , مؤمنٌ تقيٌّ , وفاجرٌ شقيٌّ , أنتم بنو آدمَ , وآدم من تراب, لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ , إنما هم فحمٌ من فحْمِ جهنمَ , أو لَيكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلَانِ التي تدفعُ بأنفْها النَّتِنَ” ابوداود وحسنه الألباني وقال: “لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَاب” سنن الترمذي والأمر الثاني وهو تعميق القومية ومحبة الوطن ولما كانت أمّتنا تتميّز بالتنوع فى الانتماءات الاثنية والتى تمثل عنصر قوة عبّر عنها روبرت هاو الحاكم البريطاني للسودان في حفل وداعه في العام 1954م بقوله :ـــ ( إنكم أيُّها السودانيون شعوب مختلفة في شمال البلاد وجنوبها ، وفي غرب البلاد وشرقها شعوب ذات أصول مختلفة وعادات متباينة وهذه الاختلافات قد تمثل نقطة قوة ، وقد تمثل في ذات الوقت نقطة ضعف وقد تُمثل نقطة قوة إذ أن التنوع يولد حيوية عظيمة وقد تمثل نقطة ضعف إذ أنها قد تفضي إلى نزاعات مدمرة). فالتنوع متى ما أحسن النّاس ادارته وتوظيفه غدا قوة لا يُستهان بها والا فانّه سيمسي نقطة ضعف تعوّق بناء الأمّة ويعوّق مسيرتها.
*تحدي إدارة الموارد:* إنّ السودان وهو يذخر بالمقدرات البشرية والموارد الاقتصادية وفرة في الماء وخصوبة فى الارض مع الاتساع وتعدد المناخات وثروة حيوانية بأعداد تفوق الحصر وثراء فى المعادن ومصادر الطاقة المتوفرة وغيرها ومع ذلك فلا زالت بلادنا تشكو من الفاقة والفقر فلا يزال 65% من السكان تحت خط الفقر و 75% من السكان ينفقون دخلهم على الغذاء وارتفع معدل البطالة على 40% وهذه إحصاءات ما قبل الحرب وأما بعد الحرب فلا حول ولا قوّة الّا بالّله وعليه فما أحوج بلادنا إلى إيجاد وتعزيز قيم الإيمان ثم القيادة الملهمة الناجحة التى تفجّر الطاقات وتحقق الأمنيات كما فعل ذو القرنين رحمه الله قال تعالى: قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا 95آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا سَاوَىٰ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّىٰ إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا 96 فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا 97 قَالَ هَٰذَا رَحْمَةٌ مِنْ رَبِّي ۖ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ ۖ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا 98 سورة الكهف.
*التحديات الأمنية:*
يتعاظم الهمّ الأمني للسودان بعد الحرب مع اتساع الحدود والتنازع الداخلي وتجاذبات الاعداء حولنا ومطامع المستعمرين والحاجة والفقر وهشاشة الدولة وقصر يدها وضعف اللحمة الوطنية وتنامى الجريمة والجريمة العابرة والوجود الأجنبي الكبير كل ذلك يشكل واقعا يفرض تراتيبيات أمنية معقّدة جدا مع تواجد حركات مسلحة وخلايا نائمة وغيرها وعليه فنحن نحتاج إلى حزمة متكاملة من البناء الإيماني ورصّ الصف الوطني واحتمال بعضنا وتقوية اجهزتنا النظامية وتجديد الثقة فيها وتقديرها واحترامها وتحفيزها لحماية البيضة وحراسة الحدود قال تعالى:– “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” ٨٢ الانعام فالتوحيد مفتاح للأمن والتعايش السلمي ولابدّ من مراجعة الوجود الأجنبي وتقنين وضعه وفرض قيود تظهر هيبة الدولة كما نحتاج إلى حماية مشدّدة على الحدود وضبط حركة الدخول والخروج للبشر و الموارد
*تحديات السلام:*
السلام مطلوب مهم للأفراد والمجتمعات والدول وهو شعيرة مهمة ومدخل مهم للأمن والإستقرار والتنمية وتبادل المنافع والسلام عزم وإرادة قال تعالى:” ان يُرِيدَا إصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا ان اللهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً” 35 النِّساء ومن أبرز تحديات السلام أن يكون بناؤه وطنيا تغلب فيه المصلحة العامة على الخاصة والكلي على الجزئي وتزداد الحاجة لمراجعة الاتفاقيات السابقة وشمل الممانعين وتأتي قضية التمويل لما بعد السلام كتحدي كبير لأن من يدفع له مطالب ورغبات وتأتي أهمية تقوية الدولة وسلطانها فلا سلام مع هشاشة وضعف ومن تحديات السلام التسريح والادماج للقوات وتأتي قضية القبلية كرافعة من روافع الكثير من المطالبين بالسلام أو المؤثرين في طريقه وهو وضع ومنزلق خطر للبلد وغيرها مما يجب الاحتراز له والتعامل معه كلّ بحسبه ومقداره.
*الوضع الاقتصادي:*
يظلّ التحدي الاقتصادي هو الذي يقضّ مضاجع كلّ المفكرين والسّاسة وعليه نحن مطالبون بالإصلاح الاقتصادي والذي يعرّف بأنّه “تصحيح أسس الأقتصاد الكلي بوصفه شرطا مسبقا لعودة البلدان المثقلة بالديون إلى طريق النمو المضطرد”.وينطوي مفهوم الإصلاح الأقتصادي أيضا على إعادة التوازن والأستقرار الأقتصادي في الأجل القصير والمتوسط من خلال إجراءات الإصلاح المالي والنقدي وتلك المتعلقة بأسعار الصرف والدخل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الوحدات الإنتاجية على المدى الطويل لغرض رفع كفاءة الإنتاج وزيادته من أجل استعادة الاقتصاد لقدرته على النمو كما يرد المعنى العام للإصلاح الأقتصادي كتعبير عن إعادة التوازن المستدام بين العرض والطلب داخليا وخارجيا من خلال مجموعة من التدابير المالية والنقدية وأسعار الصرف، وقال تعالي:- ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) ” نوح وبالتالي تحتاج البلاد إلى مصفوفة من التدابير والقوانين الداعمة والرافعة للعملية الاقتصادية بعد تعزيز القيم السلوكية كما نصت آيات سورة نوح أعلاه.
*وضع العاصمة القومية:*
تختار الكثير من البلدان عواصم جديدة بدواعي عديدة كالتمكين من الدفاع عنها بسهولة أكبر في أوقات الغزو والحروب فيما تُبنى بعض العواصم الجديدة في مناطق لم تطلها يد العمران سابقاً لتحفيز التنمية بينما تنتقل العواصم الجديدة في بعض الأحيان إلى مناطق تعتبر محايدة، بالنسبة للجماعات العرقية أو الدينية المتصارعة، لأن هذا من شأنه أن يعزّز الوحدة والأمن والازدهار. وغيرها من أسباب وبالنظر الى عاصمة البلاد فإنه لابدّ من التعامل بجدية أكثر مع وضعها الحالي الذي يعاني من الاختناق بوجود المطار وزحف المدينة وأحياؤها على المدن العسكرية إضافة إلى الوجود الكثيف للشركات الصناعية والتضييق الكبير علي النيل بفرعيه كمورد سياحي وموقع زراعي تنموي وشريان للحركة والمرور ويأتي النزوح من الولايات بسبب العمل والعلاج والتعليم وغيرها كسبب مزعج لتزايد الوجود السكاني بها وغيرها مما يجعل العقل القائد يفكّر في تراتيب لإعادة بناء وترتيب العاصمة بما يتسع لوضع حتى لو كان ذلك الخيار هو نقل العاصمة كما يتبناه الكثير من المفكرين وكذلك تعميم ودعم وتعزيز تجارب توطين الصناعات والشركات والعلاج في المدن الكبرى بالولايات
*العملية التعليمية:*
تعتمد الدول في تنميتها ورفاهية أهلها على العناية بالتربية والتعليم لتخريج أجيال ترث ما خلّفه الآباء وتحافظ على إرثهم ومواردهم وتجعل الدولة من العملية التعليمية همّاً لها تنفق عليه وترعاه وتهتم به وفي السودان ومنذ مدة ترك التعليم للقطاع الخاص المبني على تحدي نجاح الطالب دون النظر إلى بلورة مفهوم التربية والتعليم لدى الأبناء فتخرّجت أجيال لا علاقة لها بالمعرفة وبمخرجات تعليمية ضعيفة جدا إضافة إلى اهتمامنا بمظهرية التعليم دون الجوهر والجودة وفي دولة ناهضة كالسودان لابدّ من الاهتمام بالتعليم الفني والحرفي فنحن دولة زراعية في المقام الأول وعليه فإن حاجتنا قريبا من الهند التي اعتمدت في نهضتها عهلى الصناعات الصغيرة وشكّلت لها نموّا وتطوّرا ملحوظا وعليه فلابدّ من مراجعة سياستنا التعليمية ووضع مناهج تعزّز القيم وتعدّ الكفاءات المهنية وتصنع القيادات الحقيقية المتصلة بوطنها وترعى الدولة مهمتها في تعليم الأجيال بدل أن تترك أبناءنا ضحايا لتجار التعليم ومستثمريه
*التصالح الوطني:* إن من بين التحديات التي تواجه بناءنا الوطني بعد الحرب هو ميل النفوس للإنتقام والاقصاء فلا زلنا بعد كل سنوات استقلال البلاد نمارس القطيعة المتعمدة بن مكونات الوطن مما عمّق من الجراحات وجعلنا نجدد في كل فترة تلك الدورة الخبيثة من العداء والانتقام والحقاد والكراهية أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ عامَ الفتحِ جاءَهُ العبَّاسُ بنُ عبدِ المطَّلبِ بأبي سفيانَ بنِ حربٍ فأسلمَ بمرِّ الظَّهرانِ فقالَ لَهُ العبَّاسُ: يا رَسولَ اللَّهِ إنَّ أبا سفيانَ رجلٌ يُحبُّ هذا الفخرِ، فلو جعلتَ لَهُ شيئًا قالَ: نعَم مَن دخلَ دارَ أبي سفيانَ فَهوَ آمنٌ، ومَن أغلقَ علَيهِ بابَهُ فَهوَ آمنٌ ابوداود وحسنه الألباني وروى الإمام أحمد عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم” الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ أَوْلِيَاءُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَالطُّلَقَاءُ مِنْ قُرَيْشٍ، وَالْعُتَقَاءُ مِنْ ثَقِيفٍ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ” والشاهد هو هذا العفو والتصالح مع من بغضوه وطردوه وأخرجوه من مراتع صباه ومن بلده ووطنه ومع ذلك كان العفو وهو خليق به لأن العظماء لا يؤسسون لحكمهم بالإنتقام والتشفي وإنما بالتسامي على الجراحات والتصالح والعفو فهو جسر للبناء والصلة وحسن العلائق فما أعظم حاجتنا بعد الحرب إلى نبذ الكراهية والإقصاء والانتقام لنبني وطنا ينتظر منا الكثير لنقدمه له
*الخدمة المدنية:*
تعتبر الخدمة المدنية السودانية ذات تاريخ مجيد وعطاء مميّز وقد تعرّضت خلال السنوات الماضية لهزّات عنيفة وتغيرات خلال ما مضى من عقود وعليه فهي تشهد تدهورا كبيرا وفسادا وضعفا في الأداء ويشهد واقعها المعاش والتقارير السنوية للمراجع العام القومي ونوابه بالمركز والولايات وهذا الأمر يعتبر تحديا كبيرا يواجه البلاد بعد هذه الحرب وغني عن البيان أنّ الخدمة المدنية قوامها التميّز الإدارى و الإصلاح المؤسسى الدائم وهما متلازمتان تؤسّسان لخدمة ذات جودة عالية يحصّل معها طالب الخدمة هدفه دون عناء وعليه فإنّ جهدا ضخما ينتظر البلاد لتحصيل تميز القيادة الإدارية وإشباع حاجتها الآنية و المستقبلية لعلم وفنيات وأدوات العملية الإدارية بمزيد من تأهيل المهني والقيادي و الإداري وفق منهجية علمية وإستراتجيات فعّالة من أجل التحسين الدائم للعملية الإدارية بكلّ تفاعلاتها ومطلوباتها ونقلها من هذا التردّي إلى الفاعلية ومن الجمود الى الحركة واللّحاق بركب العالم الذي شهد تطوّرا ملحوظا في الأداء الإداري والتميز المؤسسي.
*الشباب تحديات وآفاق* :
تبرز شريحة الشباب في السودان بإعتبار أن السودان دولة شابة إذ أّنّ ٦٠% من سكان السودان تقل أعمارهم عن ٢٤ عاما مما يعنى أننا نمتلك عنصرا مهمّا للتنمية والإعمار متى ما أحسن توظيفه بربطه بقيم الدين ومعالى الاخلاق وعمّقت لديه الوطنية وأعطى دوره فى الحياه عبر التوظيف بمحاربة العطالة ومشروعات الإنتاج والبناء والصناعة وأحطناه بالحماية مما يعيق عطاءه من مُغيّبات العقل المعنوية والمادية ومفسدات الحياة وسفاسف الشواغل والملهيات ليغدو ناضجا واعيا وثّابا طموحا مبتكرا مبادرا فلابدّ من إيلاء الشباب اهتماما أكبر وهم يمثلون اكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل .
*حزم الأمل:*
ويبقى أنّ العبد لا ييأس فيما عند الله فلا تزال في بلادنا بقية خير فمهما تعاظم الخطب وازدادت التحديات وتكاثر الأعداء واستيأس العبد فإن معية الله مع عباده ينصرهم ويؤيدهم ولا يزال في الناس بقية من خير و إيمان وثقة وتوكل كما أن عناصر القوّة متضمنة للموقع الجغرافي والمساحة والحدود واستراتيجية الموقع، وعدد ونوعية وتعدد السكان، والموارد البشرية وهي عوامل تتماسك مع العوامل المساعدة وهي تحتاج إلى تعزيز وإغتنام وللدولة الكثير من السوانح والفرص المتاحة للمزيد من إهتبالها وتحويلها إلى عمل وعطاء وقوة وقد أبرزت الحرب المهددات والمحددات لمسار الدولة مما يعني الوعي بهذا الدرس لتجاوز تلك المحطة نهائيا فلا نحتاج إلّا إلى العمل والجديّة والعزم
*وبعــد:*
فهذه محاولة للملمة أطراف هذا الموضوع ذي الأبعاد المتعددة والخطرة لبلادنا وهي تداوي جراحاتها بعد حرب قاسية النتائج علي بلد منهك القوى تتقاذفه أمواج وصراعات الداخل والتي انضمت إليها أطماع الخارج وقد كشّر أصحاب المطامع الضيّقة عن أنياب الغل والحقد فأحيل الوطن في لحظة الى ركام وآماله الى حطام فلنتفق ولنجتمع ولنتعاون ولنتغاضى عن الصغائر والذوات الضيّقة لتحقيق آمال أمتنا وشعبنا في العيش الكريم والتنمية ورفاه الأجيال القادمة

والله الموفّق

*وكتب* :
أحمد حامد الجبراوي
المحامي
٦ جمادى الأولى ١٤٤٥ هـ
٢٠ نوفمبر ٢٠٢٣

الوسوم

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق