رأي

حيدر التوم خليفة يكتب: تطبيقات فرضية التاريخ المتنقل ومشروع بعث القومية الكوشية ، أو منطلق الأصل الإنساني

تطبيقات فرضية التاريخ المتنقل ومشروع بعث القومية الكوشية ، أو منطلق الأصل الإنساني
شخصيات سودانية كوشية تم تنسيبها إلى أمم أخرى … (3)*
جالب عرش بلقيس .. آصف بن برخيا ، أو الحلفاوي المبارك*
حيدر التوم خليفة
في بحوث سابقة عديدة ، أوضحنا فيها *الأصل الكوشي لبنى إسرائيل* ، وبسطنا فيها من الحقائق ما يفيد بأن *معظم قبائلهم ما زالت تعيش في السودان* ، منتشرة في شماله وشرقه ووسطه ومنطقة دارفور الحالية ..

وقدمنا من البحوث المجوْدة ما يفيد *بكوشية أنبياء الله نوح ، وإبراهيم ، وموسى وعيسى ومحمد القرشي (الكوشي)* ..

وقد قدم غيرنا أيضا ، ( في هَبة كوشية تتصاعد يوما بعد يوم) العديد من البحوث والمؤلفات الجادة حول هذا الأمر ، ومن هؤلاء نذكر الشيخ النيل ابوقرون في مؤلفيه ، *نبي من بلاد السودان ، وبنو إسرائيل في أرض كوش …*

كما قدمنا الكثير من الآراء المقنعة علمياً ، عن أن قصة موسى وحياته ، لم تتجاوز أرض السودان الحالي شبرا واحداً .. وان إسم موسى ذاته يعني في اللغة النوبية الحالية (وريثة اللغة الكوشية)  طفل الماء ، أو الطفل المتروك في الماء ، على حسب ما اوضحه لنا الأخ الدكتور الدنقلاوي النوبي القح ، عبدالرحمن حسن أحمد حامد …

وإستهداءً بهذه المقدمة وانطلاقا من حقيقة أن *بني إسرائيل بأسباطهم الاثني عشر ، هم كوشيون أصلاء* ، وان ممالكهم كانت في منطقة السودان الحالي ، وان معظم ملوكهم أمثال *داؤود وسليمان كانوا ملوكا كوشيين* ، وان ما قالت به المصادر التاريخية خلاف ذلك ، *ما هو إلا تاريخ متنقل ، حسب فرضيتي التي تحمل ذات الاسم* ..

وهذا أمر يمكن تبينه في دراسات وكتب المؤرخ والمفكر العربي الكبير كمال سليمان الصليبي ، خاصة كتابه *التوراة جاءت من جزيرة العرب ، وكتابه الاخر حروب داؤود* ، والذي انتزع فيه اليهود من أرض فلسطين حيث يدّعون موطناً ، وأرجعهم إلى منطقة *جبال السروات (سراة غامد) وعسير في غرب المملكة السعودية* ، ومن ثم جاء بعده المؤرخ العراقي فاضل الربيعي ، والذي ارجاعهم إلى *منطقة تهامة ، ثم عبر بهم اليمن من شماله إلى جنوبه* ، ولكنني أعتقد أن *قلة المعلومات الموثوقة ، وغياب الحقيقي منها* ، لم تسعفه ليعبر بهم مخاضة خليج عدن ، ويرجعهم إلى *موطنهم الحقيقي في ارض كوش* ..

كل ذلك مع ملاحظة شيء مهم جدا ، دائما ما يقع فيه العلماء *خلطاً* ، وهو *ترادف مدلول كلمتي اليهود وبني إسرائيل* ، مع أنهما كيانان مختلفان جدا ، فيهود أوروبا اليوم خاصة *الاشكناز* منهم ، لا علاقة لهم ببني إسرائيل ، وإنما هم مجموعات *خزرية وتركية وقوقازية تهودت* .. أما *السفارديم* ، أو اليهود الشرقيين (خاصة اليهود اليمنيين) فأغلبهم ينتمي عرقيا *لاسباط بني إسرائيل الكوشيين* ، وسكان اليمن هم مجموعات *كوشية مهاجرة* ، عمادها قبائل *البجا* بفرعييها الكبيرين *الهدندوا (أسلاف العرب العدنانيين)* ، *والبنى عامر العبريون* …

وهناك *شخصيات عظيمة عاشت في ارض كوش قديما وأثرت في تاريخه* ، ومن هؤلاء نجد *نبي الله داؤود* (الذي أقام مملكته في شمال السودان) ، *والملك سليمان* الذي وسّع من مملكة داؤود ، وضم إليها الأراضي الواقعة جنوب ملتقى النيلين ، بما فيها *أراضي الكنانيين (الكنعانيين)* ، في منطقة *الجزيرة والكنانة بين النيلين الأبيض والأزرق* ، إضافة إلى منطقة *البطانة* التي تقع في *وسط السودان قديما* ، *ووسطه الشرقي حديثا* ، وواضح من إسمها انها كانت تمثل *الداخل السوداني* القديم ، فهي بمثابة *البطن من الجسد* ، هذا مع توسعه شرقا ، وضمه لأجزاء كبيرة من منطقة *الحبشة الحالية* ..

وما وصلت إليه ، أن الملك سليمان كان على *الديانة الامونية القمرية ، أو ديانة الله العلي  (الإسلام الكوشي الأول ، وقد ورثته النصرانية العيسوية ، ومنها آل إلى الإسلام المحمدي بعد ذلك )* …

ومملكة سبأ ، أو شبأ ، أو شيبا ، كانت على *الديانة الاخناتونية الشمسية الاتونية ، وقد ورثتها المسيحية التثليثية* …

وما زال *مقام آمون موجودا عند جبل البركل ، في المدينة المقدسة ماروي* ، في شمال السودان ، حيث بها *اول قبلة ، وأول بيت وضع للناس* ، علما بأن هناك أبحاث تنقيبية ميدانية جادة ، تجد التشجيع من عدة جهات داخلية ودولية ، وذلك إنطلاقا من *مذكرات الرحالة التركي أوليا جلبي* للبحث عن قصر سليمان وهيكله المقدس .. إستنادا إلى ما أفاد به جلبي في مذكراته بأنه وصل إلى هذا الصرح ، ووصفه جيدا قبل عدة قرون ..

ومن السرد القرآني يتضح أن مملكة سليمان الكوشية ، كانت على *درجة عالية من العلم والتكنولوجيا ، خاصة تفوقهم في العلم الكمومي ومنجزاته* ، ولدي اعتقاد بأن هذه المملكة عاشت في أزمان غابرة ، خاصة وأن السرد التوراتي في كثير من الحالات لا يخلو من *الغرض* ، وهذا موضوع بحث أخر ، ولنرجع إلى شخصيتنا محل البحث *آصف بن برخيا* ..

وتبدأ قصته عندما اراد الملك سليمان أن *يُخضع بلقيس ملكة سبأ* (كما يفترض) والتي كانت على الديانة *الشمسية الاتونية* كما ذكرت ، وواضح أن إسم *بلقيس والذي ينطق كاندي أو  كنديس* (ما زال الاسم منتشراً عند الغربيين) ، ما هو إلا *نطق آخر لمسمي كنداكة (كانداكة ..كاندي)* ، الامر الذي يطرح سؤالا مهما وهو ، هل هي إحدى *كنداكات أو ملكات مروي المشهورات ، وما إسمها ..؟*

وإذا كانت الإجابة بنعم *فأين كانت مملكة سليمان في حدها الشمالي* ..؟

والتي أرى أن مركزها كان مدينة *حلفا القديمة في شمال السودان* ، عند الحدود المصرية الجنوبية ، وهذ ما سوف نعرفه لاحقا في هذا المبحث ..؟

كما قلت عندما أراد سليمان استعراض ما وهبه الله من قوة ، جمع عفاريت الجن ، (وهم من نعرفهم في التاريخ الديني *بالمساعدين ، أو معاوني الرسل ، أو الافاتارات*) ومعهم علماء الانس ، طالبا منهم جلب عرش بلقيس (الكنداكة النوبية) ، وقد *نجح الإنسي آصف بن برخيا في جلبه ، في أقل من طرفة عين* ، مستعينا بما أتاه الله من *علم* .. ولكن من هو *آصف بن برخيا هذا ..؟*

وفقا لما جاء في التوراة هو *شخصية حقيقية* كان من المفترض أن يخلف سليمان في حكم المملكة ، ولكن لمعرفة شعب إسرائيل بقوة شخصيته وصرامته ، فقد تم حرمانه من هذ المنصب ، وتصعيد *يربعام خادم سليمان ، بعد  الإطاحة برحبعام ابن سليمان* ، والذي وصفه شعبه بالضعف والسفه …

جاء في سفر أخبار الأيام 6 : 39 : (بنى سُليمان بيت الرب فقاموا على خدمتهم حسب ترتيبهم هؤلاء هم القائمون … *آساف الواقف عن يمينه. آسافُ بن برخيا بن شمعي*)  ، وكونه واقف على يمين سليمان فهو يعني وزيره الأول ، فضلا عن قرابته الشديدة من سليمان ..

وقال السهيلي: الذي عنده علم من الكتاب هو آصف بن برخيا وهو *إبن خالة سليمان* ، وكان عنده اسم الله الأعظم من أسماء الله تعالى).
وقيل إن الاسم الأعظم الذي كان يمتلكه سليمان هو *(أهيا شراهيا)* ، وارى أن الرجل كان متبحرا في *العلم الكومي ، بوصفه عالما فيزيائيا* لا يشق له غبار ، ولم يكن ساحرا كما وصفته بعض أوساط اليهود والمسيحيين …

اسم آصف يلفظ بعدة اشكال ، منها..
*آساف*
*آسف*
*سوف*
*صوف*
*اصوف*

وارى أن هناك تشابه بينه وبين أسماء *اوسيف ، ويوسف ..*

*ولكن ما هو أصل الاسم .؟*

تردد لفظ *صوف ، سوف ، اصوف ، أكثر من عشرين مرة في التوراة* ، وكلها بمعنى واحد ، وهو *نبات الحلفا Suph*  ، وقد ذكرت التوراة في سفر الخروج 2 آية 3 أن *ام موسى وضعته في التابوت على شاطئ (النيل) بين نبات الحلفا* ..

أيضا جاء في سفر الملوك 1 إصحاح 9 آية 26  ، ان سليمان عليه السلام بني اسطولا تجاريا من السفن علي *شاطئ بحر الحلفا  (Yam Suph) يم صوف اي بحر صوف أو بحر سوف* .. وهذه إشارة واضحة لمكان مملكة سليمان ، في شمال السودان الحالي وجنوب مصر …

ومن المعروف أن نبات الحلفا (صوف ، سوف ، آساف ، آصف ، حسب إختلاف نطقه من تعدد اللهجات الكوشية) ، ينبت بكثرة على طول منطقة *حلفا القديمة في شمال السودان ، والتي أخذت إسمها منه* ..

والآن وقد عرفنا ماذا يعني اسم اسف او آصف أو اصاف أو صوف (اي *نبات الحلفا* ، والتي صارت *تطلق على المنطقة كلها ، وتم تنسيب سكانها إليها بإسم الحلفاويين* ) ، فلنري ماذا يعني اسم *برخيا* ..

في *اللغة الكوشية القديمة* والتي تفرعت عنها كل لغات العالم (راجع كتاب المؤرخة الأمريكية *دورسولا هيوستن .. النوبيون العظماء*) ، نجد أن هناك تبادلا لنطق بعض الحروف ، مثل *الخاء والكاف ، والقاف والكاف ، والباء والميم* ، وهو امر مازال شائعا عندنا في السودان ، فنحن نقول *كتل عوضاً عن قتل ، وبكان عوضا عن مكان ، وسعل عوضا عن سأل .. وكنان عوضا عن كنعان ، والكير واوكير عوضا عن الخير* ، وهو امر امتد إلى اللهجات الكوشية المتفرعة عن اللغة الأم ، مثل *اللغة العبرية التي تضع الشين مكان السين* ، مثل شلوم عوضا عن سلام ، وكثيرا جدا ما نجد قلب الكاف العربية خاءً عبرية ، مثل *ميخائيل عوضا عن ميكائيل* ..

ومثلاً في شرق السودان ، نجد أن *نهر بركة الموسمي ، والمعروف أيضا بإسم خور بركة* ، وينبع من المرتفعات الاريترية ويشق الأراضي السودانية لمئات الكيلومترات ، حيث يصب في البحر الأحمر ، نجده معروفا بإسم *خور برخا* في الجزء الاريتري ، *وخور بركة في الجزء السوداني ،  (برخا وبركه)* ، ويتضح من اسمه أنه يعني النهر المبارك ، أو نهر البركة ، وذلك بما يجلبه من خير عندما يفيض ويمتلئ خريف كل عام ..

هذا يوضح لنا تماما معنى كلمة *برخيه* ، والتي هي *بركيه ، وتعني المبروك أو المبارك أو صاحب البركة* ..

وإسم بركية من الأسماء المتداولة إلى اليوم بالسودان ، ولعلنا نتذكر الممثل الكوميدي الخلوق الراحل  *فتحي بركية*  …

وبمقاربة الأسماء بعد شرحنا لها ، نجد أن *كلمة آصف Suph والتي كما ذكرنا وأثبتنا من التوراة ومن اللغة العبرية ، انها تعني نبات الحلفا* ، أو الحلفا إطلاقا ، واوضحنا أن هناك منطقة كبري في أقصى شمال السودان تتسمي بها ، بل صار سكانها يُنسبون إليها ، يُقال لإنسانها حلفاوي ، وحلفاويين ، وهم قوم كرام المعتد ، نجباء الأصول ، ومن خيرة النوبيين … ومنهم فنان السودان الأول ، الراحل محمد وردي الحلفاوي  ..

ورجوعاً لتعريفنا السابق بأن كلمة *صوف أو آصف تعني نبات الحلفا* ، فإن *الحلفاويين هم الاصفيون ، أو الصفويون ، الأسافيون* ، وان اسم *آصف أو أساف ، عند تنسيبه كما ذكرت يعني حلفاوي* ، وهذا يعني أن اسم حلفاوي ضارب الجذور في التاريخ ..

كما ان اسم *برخيا* عند إرجاعه إلى نطقه في الدارجة السودانية ، والتي تمثل المصدر الام للغة العربية الحالية ، *يعني المبارك أو صاحب البركة* ..

الأمر الذي يقودنا إلى *معنى أو مدلول أو حقيقة*  اسم الرجل الصالح ، والعِالم الذي نال من علم الله وبركته ، *آصف أو صوف بن برخيا* ، بعد أن حددنا أين عاش ، *فخلاصة نقول ان الاسم يعني الحلفاوي المبارك ، أو صاحب البركة* …

وختاما نذكر ، ان السودانيين الحاليين ، احفاد الكوشيين العظماء، *عُباد العلي* ، لن يوحدهم غير *القومية الكوشية* ، والتي يجب أن يكون بعثها هو مسئوليتهم الأولى ، *ونقول : لا بد من كوش وإن طال السفر* ، وبتكاتف الجهود سوف نسترد *تاريخنا المسروق ، وإرثنا المُضاع* ، كما أسمته المؤرخة الأمريكية دورسولا هيوستن قبل ما يقرب من قرن …
والي بحوث أخرى بإذن الله ، ومنها … اين ذكر القرآن *لفظ النيل* صراحة في قصة النبي الكوشي الاسمر ، موسى عليه السلام مع الرجل الصالح  … وما هو *إيلاف قريش* ، والي أين كانت رحلة الشتاء والصيف … وكل ذلك ضمن *فرضية التاريخ المتنقل ، وحقيقة الإسلام والقرآن الكوشي* …

والله من وراء القصد
*حيدر التوم خليفة*

أواخر أكتوبر 2023

الوسوم

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق