رأي

متوكل طه يكتب: البنطون جابُو لينا آ علي البنطون جابُو لينا…

البنطون جابُو لينا آ علي البنطون جابُو لينا…
بقلم: متوكل طه محمد احمد
لم يدر شاعرنا العطا على العطا بأن ابيات شعره القادمة قد نعت وسيلة من وسائل التواصل النهرى الا وهو البنطون عندما كتب قائلا:
بهذا الكبري البنينا مروي اتعدلت ظروفها بقت كالمدن العواصم معاها اتساوت كتوفا
كهارب الكبري المضوي منوري شبا لطريفا طلقنا طريق المراكب قبيلك دخلتنا خوفا
نسينا عجاجة السقالة ولواري تزح في صفوفا سماحة بدال الكواري تكنتك للهوندا فولفا
وكان ا لبنطون الوسيلة الوحيدة التى تربط غرب النيل مع شرق النيل فى كل انحاء السودان قديما بنطون نورى والقرير ومروى ودنقلا والمنمة ورفاعة والدبة وغيرها
كل هذه المواعين النهرية قد اصبحت فى ذمة التاريخ وودعتها مناطفها لضفة اخرى من النهر لاادرى انها الشرقية ام الغربية لكن وداعا وحيدا ظل فى ذهنى عندما ودعت مراكب مروى البنطون الوحيد ولفتت فقرة (وداع بنطون مروي) أنظار الوفد المرافق لرئيس الجمهورية عقب افتتاحه للكبري ، وقامت الكشافة البحرية بعرض للزوارق والتزلج على المياه في موكب من (12) زورق يتقدمها البنطون الكبير الذي زينته رابطة أبناء مروي بالأزهار وسعف النخل والدوم، والأشرطة الملونة، ووياترى هل ظن اصحاب المراكب ان منافسهم التاريخى قد خرج بتأشيرة خروج نهائى من النهر واصبحت ابواب الرزق مفتوحة لهم حينها تذكرت مثلنا الدارجى( اب سنين يضحك على ابى سنينتين ) ومن مصادفات القدر وفى لحظات انهمرت دموع سائق البنطون كانت هناك طالبة من جامعة مروى وهانفها الجوال يرن برائعة راحلنا المقيم عثمان حسين
مابصدقكم داحبيبي الروح بالروح خلاص إتجمعو القلبين
خلاص إتوحدو الأملين وأصبحنا رغم البين روح واحدة في جسدين
مهما تقولو ظلمني مهما تقولو هجرني
اوبعد حبي خدعني مابصدقكم دا حبيبي الروح بالروح
لعلها الصدفة وحدها هى ان يفارق البنطون البحر حبيبه الروح بالروح لكنها مسيرة الحياة ورياح العولمة التى زحفت على كل شئ و بين يوم وليلة غادر البنطون لوحات اكشاك مروى عندما يعلن محافظها عن عطاء لتشغيل البنطون وقد يسأل سائل عن اسم البنطون بالعربى ونجد ان كلمة معدية.. . وحقيقة أن للبنطون في المدن والقرى المنتشرة على النيل حكايات . ونجد ان التواصل بين الضفتين على مدى اعوام خلت وقبل دخول البنطونات نلاحظ أن المراكب كانت سيدة الموقف. وهى أنواع، فمنها ما يعمل بالشراع وقد وجدت حظها فى غناء اهل النيل
مركب مسافري…بلا شراع أحلام مسافري بلا وداع..
ودموع ضياع تتجارى من غير انقطاع احرف أنين ..ما خطتن ايد بي يراع
والمركب الشراعية . تعتمد على الهواء كقوة ساحبة للمركب وعندما يكون الهواء (صلاح)تندفع المركب مسرعة في الإتجاه ضد التيار وهو ما يمكن (ريسها) من التحكم فيها دون أن يجرفها التيار.. وتمثل هذه المراكب الشراعية نوعان.. نوع يعمل محلياَ بين الضفتين وهيصغيرة الحجم وهنالك المراكب الشراعية كبيرة الحجم وشراعها قد يصل إلى عشرة أمتار في الإرتفاع- ولا بد أن يتناسب حجم الشراع مع حجم المركب . وفي الولاية الشمالية كانت هذه الأنواع من المراكب تعمل في نقل السلع والبضائع بين دنقلا والدبة وتنقسى وكريمة وتصل حملتها إلى أكثر من خمس طن للمركب الواحد . واذكر اثناء عمل الوالد بمكتب المساحة بمروى وكان بيتنا يطل على النهر كنا أن نشاهدها وهي تسير محملة بالازيار الحمراء وفول السليم والتركين وهو اشبه بالفسيخ لكنه يفوقه فى رائحته النفاذة
وتضم هذه المراكب غرف داخلية ومطبخ وكانتالحياة على النيل تضج بالمرح عندما تسمع الرواسى يصيح بصوته الذى تردده جنبات النهر( ارمى يارامى العرق حامى) .. هنالك أنواع أخرى من المراكب الصغيرة تعمل في المشارع المحلية وهي تدار عن طريق (المجاديف) و(المدري).. وقد ظهرت مؤخراً ما تعرف بالفلوكة وهي مجهزة بمكينة تعمل بالوقود ويكون متوسط حمولتها حوالي 15 شخصاً وعند دخول البنطونات تضاءل دور المراكب إلا في المناطق التي تبعد عن مشارع المعديات . وتسجل أغلب القرى أحداثاً ومآسي لهذه المراكب حيث فقدت العشرات من الأرواح في حوادث الغرق المتعددة
بقتش ليها فى التاريخ
وللتاريخ فقد دخلت البنطونات وبدءا بالمناطق الكبيرة والمدن الرئيسية ثم بدأ إنتشارها على أمتداد النيل وبدخول البنطونات إزداد التواصل بين السكان وإصبح ممكناً عبور العربات وأذكر أن أغلب المعديات التي بدأ بها العمل في السودان كانت من الأنواع الصغيرة التي تسع لعربة أو عربتين. ولكن عندما أصبحت الحوجة ماسة لمزيد من التواصل وإزداد عدد العربات فقد تم التفكير في إدخال أنواع جديدة من المعديات لتسع المزيد من العربات والمواطنين.
وقد بعثت الولاية الشمالية في ذلك الوقت بوفد لألمانيا فتم إستيراد عدد خمسة معديات كبيرة يسع الواحد منها لست عربات مع الركاب ? وقد وصلت تلك البنطونات عن طريق قطارات البضاعة بحوالي خمسون صندوقاً إلى ورشة النقل النهري بكريمة ليتم تركيبها وقد وصل معها عدد من المهندسين الألمان وأنضم إليهم عدد من المهندين والعمال المحليين وقد كان العمل يجري في التركيب ليل نهار. برغم ذلك فقد أستغرق حوالي الشهرين، ذلك لأن العملية كانت معقدة – ولا أبالغ إن قلت أن آلاف مؤلفه من المسامير قد تم تربيطها ليكتمل تركيب البنطون الواحد بجانب إجراء اللحامات لأجزاء كبيرة من البنطون وعند الفراغ من تجهيزها جرى إحتفال كبير ثم تم توزيعها على المشارع الكبيرة وفي مقدمتها مروي ودنقلا والقولد وسحبت البناطين الصغيرة التي كانت موجودة في تلك المشارع إلى مشارع آخرى ريفيه هي الكرو – تنقاسي – االقرير العفاض – الدبة – البرصه – كورتي
انتحار بنطون
نعرف ونقرأ ان فتاة قد اجبرت على الزواج بشخص لاتطيقه قد انتحرت لكن بنطونا قد انتحر فهذه قصة رواها لنا الاستاذ بشير حسن وقيع الله الضابط الادارى الاسبق بمروى . ويقول محدثى إن مشرع البرصه/ كورتي فيما يبدو لم يتحمل فراق مشارع المدن الكبيرة فأغرق نفسه وقد جرت محاولات متعددة لسحبة من أعماق النيل ولكن دون جدوى فصرف نظر عن إخراحه وما زال حتى اليوم في أعماق الماء فهنئاً له أن قضى نحبه في تلك البقعة الطاهرة حينها تذكرت هجرة النبى صلى الله عليه وسلم عندما قال وفي مشهد من مشاهد الحزن يقف عليه الصلاة والسلام ليلقي النظرة الأخيرة على أطلال البلد الحبيب .. بلد الطفولة والذكريات .. يخاطب مكة ويقول : أما والله إني لأعلم أنك أحب بلاد الله إلي وأكرمها على الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت . لكن بنطون كورتى رفض الهجرة وفضل ان يغرق فى احب مكان لديه ولعلها من نبؤات التاريخ وهو يشهد البنطون يغرق بالقرب من الضفة التى دارت فيه معركة كورتى التى كتب عنها الكثير
قصص وحكايات
هنالك الكثير من الحكايات التي يحكيها سكان المناطق عن بنطوناتهم – فقد عشنا مواقف مع عدد من هذه المعديات فكثيراً ما كنا
نحن طلابا بمروى الثانوية نذهب لمرسي البنطون علنا نظفر بتاجر من اهلنا قادم من كريمة نحمله التحايا للاهل اون ناخذ منه الطرادة الحمراء فى عهد مايو او نودع فريق كريمة الصناعية الذى هزم مروى ثلاثة صفر يومها وصادف ذلك اليوم اهداف عمار خالد لاعب المريخ يوم ان هتفت الجماهير ياعمار اشعلت النار ونشهد نزاعات وأشتباكات بسبب من يعدي أولاً وكانت الأسبقية للأسعافات وعربات الشرطة وعربات السلطات الإدارية والحالات المستعجلة لكن بعض سائقي العربات الأهلية أحياناً بعترضون على ذلك مما يؤدي إلى نزاعات ولكن تحسم دائماً حسب اللائحة الموضوعة . من المشاهد المكررة أن هذه المعديات تتوقف عن العمل في حوالي الساعة الثامنة مساء ولكن هنالك حالات الطوارئ التي تستدعي إستعمال المعدية – فيضطر المحتاجون للتعدية الذهاب ليلاً لمنازل عمال المعديات ولكنهم كثيراً ما يتناومون ويصعب إقناعهم بالتعدية لكن في خاتمة المطاف يذهبون وهم ساخطون وكثيراً ما يتوقف البنطون لأيام بحجة إصابته بالأعطال ولكن بعضاً من المواطنين كانوا يتهمون عمال البنطون بفعل العطل كي يفسحوا المجال لإصحاب المراكب والفلاليك لتعمل بالمشرع وبأجر مضاعف ويعتقدون أن أولئك العمال شركاء مع أصحاب تلك المراكب . وكثيراً ما كانت تضطرنا الظروف عملنا بالتدريس للذهاب من مروي لرئاسة الولاية بالدامر للتعدية بمعدية (أم الطيور) وأذكر أننا عندما نصل إلي هنالك ليلاً وبقدر ما نبذل من جهد للبحث عن عمال البنطون فلا نجدهم مما يضطرنا للمبيت والتعدية غداً صباحاً وتشتهر تلك المعدية بأعداد كبيرة من الجمال والاغنام و الحمير المعدية وهي تحمل الخضروات إلى أسواق عطبرة والدامر – .
أما معدية دنقلا فحدث ولا حرج حيث تمثل منطقة السليم المنتج الرئيسي لتغذية أسواق دنقلا . فالمعدية مزدحمة طيلة ساعات اليوم رغم أن البنطون قد أستبدل بآخر كبير حمولة عشرة عربات .واكاد اجزم ان لكل قارئ منا ذكريات مع البنطون سواء ان كنت فى توتي اومعدية الحصاحيصا/ رفاعة وشندي المتمة واذكر نحن فى معدية تنقاسى وكنا نقصد حزيمة لحضور زواج عبد الله التمتام فقد هبت رياح شديدة بعد أن تحرك البنطون وغطت الأفق طبقات من التراب الاحمر مما جعل الرؤيا متعذرة – وبما أن سير المعدية يعتمد على المعالم الموجودة على الشاطئ المتجه إليه البنطون فقد غابت تلك المعالم وفقد الريس بوصلة الإتجاهات وأخذ البنطون يسير دون أي أتجاه محدد ومضى وقت دون أن نصل إلى البر ولكننا عند إنقشاع العاصفة وجدنا أنفسنا قد بعدنا عن مكان الزواج ووصلنا قبالة اراك ود سورج يومها صاح جدى مهددا( بنات البلد مالن) وانتجت هذه الزيجة طارق الضابط وسماهر الطبيبة وكلما امر عليها فى عيادتها اتحايل على دفع الرسوم بحجة اننا كدنا ان نغرق فى زواج ابيها ..
رجال صدقوا ما عاهدوامدر مدر يا رواسي نحن بعاد لحقنا القيفة
– والريس تعني قائد المعدية – فإن أغلبهم من ذوي الخبرة والعمل الطويل الممتاز وهم يعرفون أعماق النيل العميقة والضحلة ومن مشاهيرهم بمروى خضر ومحجوب و بنورى عوض النور الشهير بود ( السرة) المرحوم الطاهر وعلي فضل بمشرع مروي وأولاد علي محمود بمشرع الكرو وجلال وعبد المنعم بمشرع الدبة / أرقي وغيرهم. ومن مشاكل المعديات مشكلة المراسي فهر تعمل بمراسي على الشواطئ غير مرصوفة وتحتاج للصيانة المستمرة – وفي أيام الفيضانات وبعد إنحسار المياه يترك النيل كميات ضخمة من الطمي مما يعطل عمل المعديات لفترات حتى تتم إزالته وقد يستغرق ذلك أيام كثيرة . لقد كتب أحد الكتاب أن بنطون المتمة وهو يشارك في الإحتفال بالكبري الجديد كان يرقص رقصة الموت- لكنني أقول انها رقصة الإفتخار بأن سلم الرأية لزميلة الكبري الجديد – وسوف ينسحب هو إلي موقع آخر ليواصل تقديم خدماته.
*ً أنها سنة التطور أن تحل الكباري مكان البنطونات فيهنأ أهل تلك المناطق وهم يعبرون كبري الصداقة من شبا إلى مروي الممتد فوق مزارع شبا الخضراء وكبري البشير من شندي إلى المتمة في ديار الجعليين وكبري المشير في شمال الجزيرة بين الحصاحيصا ورفاعة وكبري توتي المعلق و أم الطيور إلى عطبرة والسليم إلي دنقلاً ولم يعد نهر النيل عائقاً للتواصل بل قد أصبح جسراً للتوادد والأتصال.
واذكر ان الدكتور ابراهيم الخضر نائب الوالى السابق بالشمالية عند افتتاح الكبرى قد قال مداعبا اهل كريمة ومروى ان اعملوا حسابكم وكررها ثلاث مرات عندما قال ان( السحار) القادم من ناوا بلد شاعرنا سيداحمد الحردلو قد يات اليكم فى اقل من ساعة حينها ضحك الجميع لان الاحاجى القديمة كانت تخوف الاطفال لكى يناموا بطرفة السحار
كل هذه المشاهد والذكريات ستظل فى ذاكرة كل منا عندمانعبر (جسر الصداقة) بين مروي وكريمة، وطريق (كريمة ـ دنقلا)، ونحن نودع حقبة من المعاناة الطويلة من رهق التنقل عبر (البنطون) التي عاشها مواطنو الولاية لعشرات السنين، وأحال قصص الموت الى ذكريات حزينة ينتظر البعض نسيانها إذا تم دمج المواطنين في عملية التنمية.
طلقنا طريق المراكب قبيلك دخلتنا خوفا
نسينا عجاجة السقالة ولواري تزح في صفوفا
وقبل ان نودع البنطون الذى استقر بمقره الجديد بمنطقة الكنار المجاورة.والتى تضم مورا وكورى والهو وحسين نارتى والنافعاب والتكر
ونحن نودع البنطون هاهو شاعر مروى يحلم بطائرات تحط فى مطار مروى بعد ان نعى الينا البنطون فى مقدمة كلامنا
وقريباً يا مروي منك نطير في طايرة انتنوفا ندوس الزر بس تجينا تصنقر فوقنا المضيفة
رشاقة ورقة ولطافه نحس بي انها ظريفه تباري رباطات حزامنا ِِ تطول بالها ووقوفا
توري مخارج الطواري تحاكي وتشرح نشوفها وتقرا درجة الحراره تخلي الأجواء لطيفة
ونسهل كل القواسي نتم الناقصي ونضيفا كشفنا يكون بالأشعة أشعة ليزر خفيفة
ابشري مروي وابشري بشارةً دقت دفوفه ولادك في الجامعة طلبة وعميد كليه …وبروفا

ونختم بقصة احد الصالحين مع البنطون انه محمد طه الككر او حمدطه كما نقول له وهو من حلة الككر المعروفة بقرية الكرد وحمدطه يعتبرمن اهل الصالحين الزهاد وهناك روايات كثيرة نسجت عن زهده منها ماتحققت منه شخصيا ومنها ما شاهدته شخصيا فمحمد طه معروف بتجواله في اسواق ريفي الدبه والقدار ويقول الناس يتركوهو في سوق الاحد تنقسي ويجدوهو في سوق القدار او الغابة قدامهم وهناك رواية مشهورة يرويها عمنا ميرغني ابقدح (ريس بنطون تنقسي الغابة)وقال لي والله علي لسانه انه بعد العصر ربطنا البنطون بالشرق خلاص ماشين شفنا في لوري جاء وقف بالغرب وقلت القطعه حارة الناس ديل حيبيتو بهناك احسن ادور امشي اجيبهم ودورت وعديت لقيت مافي لوري بس لقيت محمد طه ومعه امراة واطفال سالت محمد طه اللوري وين فضحك محمد طه وعرفت الحاصل
متوكل طه محمد احمد

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق