رأي
حيدر التوم خليفة يكتب: لماذ خاطرت إيران بضرب إسرائيل رغم علمها أن هذا يضعها في مواجهة مباشرة مع أمريكا والدول الغربية ..؟
لماذ خاطرت إيران بضرب إسرائيل رغم علمها أن هذا يضعها في مواجهة مباشرة مع أمريكا والدول الغربية ..؟
*حيدر التوم خليفة*
على غير سير الأمور وتوقع الخبراء العسكريين والمحللين السياسيين ، إيران تنتفض وترسل صواريخها الباليستية متوسطة المدى عبر صليات متوالية إلى أماكن عديدة داخل الكيان الإسرائيلي المحتل ، وذلك بجملة 181 صاروخ باليستي ، بعضها متطور جدا مثل صاروخ فتاح الفرط صوتي والذي تتجاوز سرعته 16 ماخ ، الأمر الذي يجعل من الصعب على أجهزة الدفاع الجوي إسقاطه …
نتائج الهجوم مُختلف عليها ، فبينما تقول إيران أن 90% من صواريخها وصلت إلى أهدافها ، والمتمثلة في ثلاث قواعد عسكرية كبرى ومطارات ومباني استخبارات وغيرها ، يدعي الإسرائيليون والامريكون فشل الهجومي بالكلية ، رغما عن نشر العديد من المواطنين الإسرائيليين لمقاطع فيديو توثق لإصابات عديدة ودقيقة لهذه الصواريخ أعقبتها انفجارات ضخمة بالمناطق المستهدفة ..
بعدها توعد الإسرائيليون بالرد الفوري على الهجومي ، وإعلان قرارهم القاضي بضرب العديد من الأهداف في الشرق الأوسط (هكذا بلا تعيين) ..
هذا الفعل أدى إلى تخبط واسع ، وتباينات في وجهات النظر ، ليس وفقاً للمعطيات الماثلة ولكن إطلاقاً من قناعات المحللين السابقة ، وذلك عندما تم تناوله بالتحليل في الأجهزة الاعلامية …
ولكن الأمر الأهم هو بروز التساؤل الحائر : *هل أعطت إيران إسرائيل زريعة لضربها ، وتحقيق حلمها بإزالة التهديد النووي الإيراني المحتمل ، عبر توفير الدافع لضرب مفاعلاتها العديدة المنتشرة في جميع أنحاء إيران* ، وبعضها في مخابئ *حصينة تحت الجبال* ، يستحيل حتى على أمريكا ضربها من غير إستعمال السلاح النووى ..؟
وما الأمر الذي *اعتبرته إيران أكثر قيمة ، وأخذت من أجله المخاطر ، وكشف وتعريض منشآتها النووية ، إضافة إلى بنك أهداف ثمينة أخرى في متناول السلاح الأمريكي المتخفي خلف الإسرائيلي* … لأن الحرب الحالية هي *حرب أمريكا قبل الأخيرة لبسط نفوذها وهيمنتها الكاملة على الشرق الأوسط* ، وليست حرب إسرائيل *الدولة الوظيفية وإن كانت تخدم أهدافها* …؟
قد تستعجب إذا قلت لك *ان الهدف معنوي* ، فإيران لم تهدف بضربها لاسرائيل إلى *إزالتها من الوجود ، لأن وجود إسرائيل هو الرئة التي يتنفس بها نظام الملالي الإيراني* ، ولو اختفت إسرائيل فسوف ينقطع الأوكسجين عن نظام المعممين الإيراني ، مما يجعله عرضة للسقوط نتيجة للتفاعل الداخلي ، وهو أمر تجده في ثنايا *فكر ولاية الفقيه وتسلسل الأئمة وظهور المهدي المحمدي وإفنائه لليهود* ، وقد سبق للرئيس الأسبق أحمدي نجاد أن صرح بأن مهمة الحكومة الإيرانية هي *التمهيد لقدوم المهدي قائم آل البيت* ..
إن إيران قد دخلت إلى العديد من قلوب المسلمين خاصة السنة *عبر رفعها لراية الجهاد ومعاداة اليهود ومصارعة أمريكا* ، وهي أمور تتفق تماما مع توجهات أهل السنة المتمثلة في *كراهيتهم لإسرائيل، وعدائهم لأمريكا الدولة الباطشة التي قتلت ونكلت بالمسلمين* في الكثير من دول العالم ، الأمر الذي أدى إلى *تنحية الخلافات العقائدية جانباً مع الدولة الشيعية* ، وتوحد *الخطاب العدائي ضد أمريكا وربيبتها إسرائيل*، وهو نفس ما فعله سابقاً *علمانيو العرب* من تقدميين واشتراكيين يساريين وشيوعيين *ضمن إطار الفكرة العلمانية ، بعيدا عن المنطلقات الدينية التي تم تأطير الصراع داخلها من جماعات الإسلام السياسي السني والشيعي على السواء* …
لهذا إذا فقدت إيران هذا المدخل إلى قلوب المسلمين فسوف تفقد ..
*مصداقتها*
*وريادتها*
*ونفوذها المعنوي والمادي*
مع شئ شديد الإيلام لها إلا وهو …
*طمس صورتها الزاهية*..
فإيران بصواريخ اليوم *لا تحارب إسرائيل ، ولكنها تحارب إضمحلال وجودها المعنوي* ، وإهتزاز *صورتها المطبوعة* في أخيلة المظلومين الباحثين عن *الأمل والإنعتاق من الضيم الصهيوصليبي* (وهو أمر عبرت عنه تلك الحشود العفوية في غزة وبيروت وبغداد وصنعاء وغيرها من المدن احتفالاً بوصول الصواريخ الإيرانية إلى داخل العمق الإسرائيلي، خاصة وأن بعضها كان موجها نحو القوات الاسرائيلية المتمركزة في غزة) ..
انها الصورة التي تعمل إيران على *تثبيتها وعدم طمس ملامحها بعد اهتزازها* في الفترة الاخيرة ، نتيجة *لعدم ردها* سابقاً على الكثير من الاعتداءات الإسرائيلية داخل بيتها تحديداً ، مثل *إغتيال قائد حماس إسماعيل هنية* ، إضافة إلى إغتيال أهم حلفائها في المنطقة السيد *حسن نصر الله* ، وما تبعه من *تدمير متوالٍ لحزب الله وإغتيال قياداته ، ومحاولات تفكيكه وقتله معنوياً وإخراجه من دائرة الفعل والتأثير كعنصر قوي وفاعل ونشط لا يمكن تجاوزه في المعادلة السياسية والعسكرية* ، وتشويه صورته الناصعة التي تسكن عقول وقلوب قطاع واسع من المسلمين وغيرهم خاصة في دول الممانعة ، والقول *بأنه أكذوبة ، وأنه ذاب كفص ملح صغير وتضائل امام الآلة الحربية الإسرائيلية المسنودة أمريكياً* ..
هذا إضافة إلى العمل الإعلامي المنظم الذي يستهدفها والإدعاء بأن ايران *شريك فعلى في إغتيال هنية نتيجة لصفقة وتفاهمات خفية مع الإدارة الأمريكية ، من جانب طرف متنفذ داخل النظام الإيراني ، شمل ذلك أيضاً إغتيال الرئيس إبراهيم رئيسي* ، ، وأنها قد *باعت نصر الله أهم حلفائها مقابل حماية مشروعها النووي* ..
ولكنني اعتقد ان هذه الادعاءات ونشر الغبار الكثيف حول موقف الحكومة الإيرانية حيال هذا الأمر ، *هو عمل إستخباراتي منظم* ، شاركت فيه العديد من الجهات *بوعي أو بغير وعي* ، ومنها قناة العربية التي بلعت الطعم وإستضافت مدير المركز العربي الإسلامي المعمم / محمد علي الحسيني ، المنشق من حزب الله ، عبر حلقات متوالية تواصلت حتى مساء اليوم ، وتوجيهه الحديث لنصر الله والقول له بأن *إيران قد باعتك وقبضت الثمن ، فعليك كتابة وصيتك* ، وذلك قبل أيام ثلاثة من إغتياله …
أن إدعاءات *بيع النظام الإيراني لحلفائه هي تخرصات* لا أكثر ، لأن *وجود هؤلاء الحلفاء هو الركيزة الأساسية التي تحافظ بها إيران على نفوذها المادي والمعنوي في المنطقة* ..
ما أراه إن إيران *وازنت بين الربح والخسارة* الناتجة عن الرد على إسرائيل ، مع *تحمل المخاطر المادية التي يمكن أن تتعرض لها منشآتها النووية والاقتصادية* ، وبين *عدم الرد والمخاطر التي يمكن أن تنجم عن ذلك والتي تتعلق ببنية المشروع الإيراني كفكرة ذات سلطة معنوية عميقة تمتلك وتحرك النفوس* المتعطشة للحرية والعدالة ..
… فاختارت *الحفاظ على النفوذ وديموته* ، وفضلت الرد على الاستكانة ، وما ينتج عنها داخلياً وخارجياً من *فقدان لهذا النفوذ* ..
.. إختارت المحافظة على *النفوس وإستعمارها على المحافظة على المباني والعمائر* ، فهذه يمكن إعادة بنائها أو ترميمها ، اما *الأخرى فلا* …
.. إختارت أن تبعد عنها *تهمة الخيانة والغدر بحلفائها ، وتثبيت مصداقيتها* ، وأنها لا *تتخلى أو تخون اصدقاءها* …
… إختارت (وهو الأهم) *المحافظة على محور المقاومة* ، فمنه تستمد قوتها خارجياً ، ونفوذها داخلياً ، لأن *تفكك محور المقاومة يعود بها إلى حجمها الطبيعي* ، ويكشفها أمام العالم ، ويجعلها كمن يقطع يده بنفسه ، ولعلمها بهكذا فعل فإنها تعين أعداءها على تحقيق رغباتهم ، وأهمها *هدفهم الأكبر المتمثل فى قصقصة اذرعها الفاعلة* في المنطقة ..
… اختارت *بث الحياة في جسد المقاومة* الذي بدأ يضعف نتيجة للضربات المتوالية ، التي وجهتها إسرائيل إلى حزب الله ، خاصة فيما يلي *إغتيال قياداته ، وتدمير قوته الصاروخية* ، وقد رأينا كيف عادت الروح إلى الشارع المقاوم بمجرد الإعلان عن إستهداف إيران لإسرائيل …
لهذا استطيع ان اقول إن رد إيران بالأمس *كان رداً حقيقيا ، وفعلا سيادياً ، وقراراً وازن بين مصالح إيران الكبرى* ، ولا صحة للأقوال التي تدعي غير ذلك ، فلا *اتفاق عليه تحت الطاولة ، ولا تحديد للأماكن التي يجب ضربها* ، ولو كان غير ذلك *فأقول وداعاً إيران ولمشروعها العقدي الفكري والمادي* ، لأنه يعني سقوطها وسقوط شعارها الرنان (*الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود*) ..
*حيدر التوم خليفة*
مساء الفاتح من اكتوبر 2024 .. السودان