تحقيقات وحوارات

الشيخ أحمد الجبراوي في خطبة الجمعة بمسجد الدرجة عطبرة يتحدث عن تحديات مابعد الحرب

بسمِ اللهِ الرّحمن الرّحيم
خُطبةُ الجُمعةِ
١/ربيع الآخر ١٤٤٦هـ
٢٠٢٤/١٠/٤ م
بمسجد الدرجة عطبرة *تحديات مابعد الحرب*
هنأ الشيخ أحمد الجبراوي المحامي والخبير الوطني والقيادي بجماعة أنصار السّنة المحمدية الشعب السوداني وجيشه الباسل بالانتصارات التي تحققت في محاور العمليات المتعددة مبشرا بالنصر الكامل ودحر المتمردين والخونة والعملاء مؤكدا أن جملة من التحديات تواجه إعادة بناء واعمار الوطن بعد انتهاء هذه الحرب الوجودية وذلك في خطبته بمسجد الدرجة بعاصمة الحديد والنار اليوم غرة شهر ربيع الثاني ١٤٤٦هـ الموافق ٢٠٢٤/١٠/٤
وأكد المستشار أن الحرب لم تكن وليدة لحظة ولكنها مؤامرة خطيرة تهدّد الوجود السّوداني من قوي دولية بشركاء إقليميين وعملاء من هنا وهناك بيد أنّ عناية الله كانت لصالح هذا الوطن الجريح الذي تتقاذفه الأمواج مع قلّة النّصير واشتداد العدا وكانت حسابات الخسائر فوق التّصوّر أرواح أزهقت وحرائر أغتصبت وبنيات تحتية دمّرت ورؤؤس أموال ومنقولات وعقارات نهبت ومصانع وشركات أصابها العطب والتلف وخرجت من سوق العمل بالكليّة وأسر تشردت وغلاء ومغالاة في كلّ شيء
وأشارت الخطبة الى اهمية سلاح القيم والأخلاق في اعادة البناء والاعمار إذ أن تهديدها وزعزعتها هو من أكبر التحديّات التي تواجه البلاد خاصة وأنّ القيم مواجهة بحزمة من المهددات فالشيطان وأعوانه وأعداء الوطن وعملاؤهم وحرب الجيل الرابع وتقنيات التواصل الحديثة وما تحمله من سموم وغيرها وفي مقابل ذلك نحتاج إلى تعزيز تلك القيم والأخلاق والمحافظة عليها فما من أمّة تريد القوّة والاستمرارية إلّا وهي تحتاج إلى منظومة متكاملة من بناء العقيدة و القيم والأخلاق التي تحافظ بها على قيمة الضمير الإيماني وتعمّق الوازع الديني في النفس البشرية اتصالا بالله تعالى بإخلاص العبودية له تعالى وتعظيم الرّب وأوامره وتعزيز الوازع الأخلاقي الواقي من الوقوع في الآثام والشرور وتحقيق المتابعة الحقّة للرسول صلى الله عليه وسلم فصلاح القيم وإيجاد الضمير الحي اليقظ هو المطلوب قال عليه الصلاة والسلام (ألا إنّ في الجسد مضغة إذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب) صحيح البخاري وعليه فتزداد حاجتنا إلى خطاب وعمل من كافّة مكونات أمّتنا لتعزيز هذا الجانب وبنائه وترقيع ما أفسدته النّفس والشيطان والهوى وأعداء الملّة والله المستعان.
كما أبانت الخطبة ان صناعة الفرد الصّالح والمصلح من أعظم التّحديات التي تواجه بناءنا الوطني مستقبلا هي صناعة المواطن الصالح في نفسه والمصلح لغيره وهو تحدي يلي كواجب كل مؤسسات البلاد التوجيهية والتعليمية وتجديد اهدافها ووسائلها ومنظومات العمل الإسلامي ومراكز التأثير فلابدّ من تغيير واضح في حياتنا ممّا يلي أخلاقنا وتعاطينا مع الحياة فلا يعقل أن نستمر بذات ما كنّا عليه قبل الحرب من هشاشة المعتقد و ضعف الدين والأنانية والأثرة والحسد والكراهية والتسيّب من العمل واستغلال الفرص للثراء والاستبداد وخيانة الأمانة والمحسوبية وتولية الأقربين والجشع وغيرها من الأمراض التي باتت تنهش جسد الوطن وأدّت الى ما أدّت إليه من هذا المصير والصّناعة هذه تحتاج إلى عمل مستمر وتربية وقدوة صالحة وربط الخلف بمسيرة السلف الصالح
كما عظمت الخطبة من أهمية إيجاد رؤية وطنية مجمع عليها نقود بها الوطن ونواجه بها التحديات وندافع بها الاستراتيجيات المضادة وندير بها صراعنا الحضاري والوجودي في مواجهة الآخر ونحن في بلد يقع في قلب مضمار الصراع الاستراتيجي الدولي حول المصالح ويحتل موقعا عبقريا وفضاء جويا ووضعا جيوستراتيجي بموارد بشرية وطبيعية هائلة في ظل اجتياح أزمات عالمية في الغذاء والمعادن الصناعية والطاقة والتقنية والذي ينبغي أن يتمّ في إطار رؤى استراتيجية شاملة مبنية على قيم الدّين ومتكاملة وعميقة ومرنة ومستجيبة لتنوّع التحديات فمصير السودان يتوقف بعد عناية الله وحفظه على ترتيبات إستراتيجية تدرك هذا المشهد وليس مجرد تكتيكات محدودة تتحرك برزق اليوم باليوم وهذا ممّا يستدعي حوارا وتوافقا ومجموعة من التنازلات من الجميع لصالح الوطن وقيمه وإنسانه وموارده ووجوده وحدوده. وأشار الخبير الجبراوي الى قضية الهوية السودانية والتي تمثّل تحديا للنخب السياسية عبر مراحل بناء الدولة السودانية تجاذبا بين المكونات السياسة العقائدية فنحتاج إلى اعتماد هويتنا النابعة من انتماء مجموع الشعب السودانى لدينه الحنيف للمُحافظةِ على تميُّز الأمة وتفرُّدها اجتماعيّاً ، وقوميّاً و ثقافيّاً ولأنها تُساعدُ في الإعلاءِ من شأن الأفراد فى المُجتمعات وتساهم في زيادةِ الوعي بالذّات الثقافيّ والاجتماعي، ممّا يساهمَ في تميُّزِ الشّعوب عن بعضها فالهُويّة جزءٌ لا يتجزّأ من نشأة الأفراد منذُ ولادتهم حتّى رحيلهم عن الحياة تعبيرِاً عن مجموعةٍ من السّمات الخاصّة بالشخصية السودانية
ومن خلال خطبته ابرز الشيخ قضية العلاقة بين الدين والدولة كتحدي واضحا نحتاج فيه إلى حوار بنّاء ومسئول وتوافق وطني بعيد عن التجاذب والانتصار للأنا الذاتي والحزبي ذلك أن ثنائية الدين والدولة في الواقع المعاصر قد طرحت بمضمونها الأوربي الأصلي الذي يفيد المطالبة بفصل الدين عن الدولة ، وهو طرح يختلف جذرياً باعتبار المرجعيات التراثية والتاريخية لنا فبينما نشأ الصراع في أوربا بين الكنيسة ومن خرجوا عليها فإنّ الدين عندنا ظلّ حاضناً ومحفِّزاً للتطوّر والنّماء مما يجعل واقعنا لا يحتمل تلك القطيعة بحال سيما وأن دول الديمقراطيات العظمي تجاوز منظروها القطيعة التاريخية مع الدين ليجعلوه مؤثّرا ومحفِّزا فى تعاطيهم الدستوري والسياسي وفي رمزيات أممهم وشعاراتها فلا يمكن أن نكون ملكيين أكثر من الملك. فالرصيد التاريخي والحضاري لأمتنا وعطاؤها المعلوم دافع قوي لبناء هذه الثنائية لِتختطَّ أمّتنا طريقها مقابل تحديات الواقع يعضّدها مرجعية الكتاب الهادي قال تعالي :- “ثُمَّ جَعَلۡنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلۡأَمۡرِ فَٱتَّبِعۡهَا وَلَا تَتَّبِعۡ أَهۡوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعۡلَمُونَ” 18 الجاثية .وقال تعالى: ﴿قُلۡ إِنَّنِی هَدَانِی رَبِّیۤ إِلَىٰ صِرَ ٰ⁠طࣲ مُّسۡتَقِیمࣲ دِینࣰا قِیَمࣰا مِّلَّةَ إِبۡرَ ٰ⁠هِیمَ حَنِیفࣰاۚ وَمَا كَانَ مِنَ ٱلۡمُشۡرِكِینَ ۝١٦١ قُلۡ إِنَّ صَلَاتِی وَنُسُكِی وَمَحۡیَایَ وَمَمَاتِی لِلَّهِ رَبِّ ٱلۡعَـٰلَمِینَ ۝١٦٢ لَا شَرِیكَ لَهُۥۖ وَبِذَ ٰ⁠لِكَ أُمِرۡتُ وَأَنَا۠ أَوَّلُ ٱلۡمُسۡلِمِینَ ۝١٦٣﴾ لأنعام ١٦١-١٦٣.
وأكدت الخطبة على خطورة التحدي القبلي والاثني إذ ان بناءنا القومي لا يزال هشّاً وأن القبلية لا تزال تهدّد هذا النسيج الذي لم يكتمل ولم يتماسك ففي دولة يبلغ عدد القبائل فيها قريبا من ستمائة قبيلة تتقاسمها قريبا من سبع وخمسين مجموعة عرقية على أساس الخصائص الإثنوغرافية والثقافية واللغوية، وتتحدث قريبا من مائة وإربع عشرة لغة ولهجة وبعضها مكتوب مع جوار متعدد ومتداخل بعمق وبقوة في تشكيل ذلك المعطي القبلي في ظلّ تعاظم سلطان القبيلة مع الهشاشة التي وصلت إليها الدولة كل ذلك يجعل من التحدي القبلي ألغاما تتفجر الواحد تلو الآخر وعليه لابدّ من مواجهة هذا التحدي بتعميق قيم الإسلام الداعية لنبذ العنصرية والجهوبة قال تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ” ١سورة الحجرات وقال صلى الله عليه وسلم ” إنَّ اللهَ قد أذهب عنكم عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفخرَها بالآباءِ , مؤمنٌ تقيٌّ , وفاجرٌ شقيٌّ , أنتم بنو آدمَ , وآدم من تراب, لَيَدَعَنَّ رجالٌ فخرَهم بأقوامٍ , إنما هم فحمٌ من فحْمِ جهنمَ , أو لَيكونُنَّ أهونَ على اللهِ من الجِعْلَانِ التي تدفعُ بأنفْها النَّتِنَ” ابوداود وحسنه الألباني وقال: “لينتهيَنَّ أقوامٌ يفتخرونَ بِآبائِهِمُ الذينَ ماتُوا إِنَّما هُمْ فَحْمُ جهنمَ أوْ ليكونُنَّ أَهْوَنَ على اللهِ مِنَ الجُعَلِ الذي يُدَهْدِهُ الخِرَاءَ بِأنْفِهِ إِنَّ اللهَ قد أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الجاهليةِ وفَخْرَها بِالآباءِ إِنَّما هو مُؤْمِنٌ تَقِيٌّ أوْ فَاجِرٌ شَقِيٌّ الناسُ كلُّهُمْ بَنُو آدمَ وآدَمُ خُلِقَ من تُرَاب” سنن الترمذي كما لابد تعميق القومية ومحبة الوطن ولما كانت أمّتنا تتميّز بالتنوع فى الانتماءات الاثنية والتى تمثل عنصر قوة فالتنوع متى ما أحسن النّاس ادارته وتوظيفه غدا قوة لا يُستهان بها والا فانّه سيمسي نقطة ضعف تعوّق بناء الأمّة ويعوّق مسيرتها.
وابانت الخطبة الحاجة إلى إدارة الموارد والتنوع بتعزيز قيم الإيمان ثم القيادة الملهمة الناجحة التى تفجّر الطاقات وتحقق الأمنيات.
واكدت الخطبة تعاظم الهمّ الأمني للسودان بعد الحرب مع اتساع الحدود والتنازع الداخلي وتجاذبات الاعداء حولنا ومطامع المستعمرين والحاجة والفقر وهشاشة الدولة وقصر يدها وضعف اللحمة الوطنية وتنامى الجريمة والجريمة العابرة والوجود الأجنبي الكبير كل ذلك يشكل واقعا يفرض تراتيبيات أمنية معقّدة جدا مع تواجد حركات مسلحة وخلايا نائمة وغيرها وعليه فنحن نحتاج إلى حزمة متكاملة من البناء الإيماني ورصّ الصف الوطني واحتمال بعضنا وتقوية اجهزتنا النظامية وتجديد الثقة فيها وتقديرها واحترامها وتحفيزها لحماية البيضة وحراسة الحدود قال تعالى:– “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” ٨٢ الانعام فالتوحيد مفتاح للأمن والتعايش السلمي ولابدّ من مراجعة الوجود الأجنبي وتقنين وضعه وفرض قيود تظهر هيبة الدولة كما نحتاج إلى حماية مشدّدة على الحدود وضبط حركة الدخول والخروج للبشر و الموارد
وألمح الخطيب الى التحدي الاقتصادي الذي يقضّ مضاجع كلّ المفكرين والسّاسة وعليه نحن مطالبون بالإصلاح الاقتصادي تصحيحا لأسس الأقتصاد الكلي بوصفه شرطا مسبقا لعودة البلدان المثقلة بالديون إلى طريق النمو المضطرد والذي ينطوي على إعادة التوازن والأستقرار الأقتصادي في الأجل القصير والمتوسط من خلال إجراءات الإصلاح المالي و النقدي وتلك المتعلقة بأسعار الصرف والدخل، بالإضافة إلى إعادة هيكلة الوحدات الإنتاجية على المدى الطويل لغرض رفع كفاءة الإنتاج وزيادته من أجل استعادة الاقتصاد لقدرته على النمو كما يرد المعنى العام للإصلاح الأقتصادي كتعبير عن إعادة التوازن المستدام بين العرض والطلب داخليا وخارجيا من خلال مجموعة من التدابير المالية والنقدية وأسعار الصرف، وقال تعالي:- ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) ” نوح وبالتالي تحتاج البلاد إلى مصفوفة من التدابير والقوانين الداعمة والرافعة للعملية الاقتصادية بعد تعزيز القيم السلوكية كما نصت آيات سورة نوح أعلاه.

وأكد الجبراوي اهمية شريحة الشباب فالسودان دولة شابة إذ أّنّ ٦٠% من سكان السودان تقل أعمارهم عن ٢٤ عاما مما يعنى أننا نمتلك عنصرا مهمّا للتنمية والإعمار متى ما أحسن توظيفه بربطه بقيم الدين ومعالى الاخلاق وعمّقت لديه الوطنية وأعطى دوره فى الحياه عبر التوظيف بمحاربة العطالة ومشروعات الإنتاج والبناء والصناعة وأحطناه بالحماية مما يعيق عطاءه من مُغيّبات العقل المعنوية والمادية ومفسدات الحياة وسفاسف الشواغل والملهيات ليغدو ناضجا واعيا وثّابا طموحا مبتكرا مبادرا فلابدّ من إيلاء الشباب اهتماما أكبر وهم يمثلون اكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل .
ودعا الخطيبتكوين حكومة تكنوقراط مهنية رشيقة غير حزبية لادارة الفترة الانتقالية المفصلية ومطلوباتها سيما وقد مضي زمن ليس بالقصير من عمر التغيير الأخير بالسودان ليبقى أنّ من المهمّ تحقيق توافق وطني كبير بين كافة مكونات السودان وفصائله
ودعت الخطبة الى التوافق الوطني والتسامي على الجراحات وحسن الظن فيما عندالله والاستعانة به تعالى
وصلى الله وسلم على رسوله وآله وصحبه أجمعين.
عطبرة
١/ربيع الآخر ١٤٤٦هـ
٢٠٢٤/١٠/٤ م

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق