رأي

اسماعيل جبريل تيسو يكتب في “حدود المنطق” : القحاتة.. أما آن لهذه القوى أن تثوب إلى رشدها؟

*حــدود المنطق*

*إسماعيل جبريل تيسو*
لا ادري لماذا تصرُّ قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي على الاستمرار في إضاعة الفرص الكبيرة التي تتهيأ لها يوماً بعد يوم؟، كلما شاهدتُ مقابلة تلفزيونية، أو طالعتُ تصريحاً لأحد قيادات ( قحت )، تقابلني غطرسة وعنجهية تنضح ما بين ثنايا الحديث، وكأنما القحاتة هم القوى السياسية الوحيدة القادرة على إدارة الشأن السوداني، وحكم البلاد بما أوتيت من بسطة في الجسم والعقل والمال، وأن كل القوى السياسية الأخرى ليست سوى تابعٍ لها؟.

لم تستفد قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي إطلاقاً من تجربة حكمهم التي استمرت زهاء الأربع سنوات، ولم يستفد (القحاتة ) من تجربة ثلاثين سنة حكمت فيها الإنقاذ، ذلك أن قحت مارست خلال فترة حكمها القصير أبشع أنواع الإبعاد و الإقصاء ومحاولة الانفراد بحكم البلاد بعيدأً عن قوى الثورة الأخرى، ورفقاء الكفاح المسلح، فأضاعت قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي بهذه المواقف الاستعلائية فرصة ذهبية لبناء دولة السودان القوية المرتكزة على قيم الحرية والسلام والعدالة، والمتخذة شعارات الثورة هدفاً نبيلاً لتحقيق مطلوبات التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة.

أكاد أجزم أن ما وجده رئيس الوزراء دكتور عبد الله حمدوك من تأييد ودعم وسند شعبي وجماهيري، لم يجده أي زعيم سياسي أو مسؤول حكومي على مدار حقب الحكم في السودان، وطوال تأريخه السياسي حديثه وقديمه، ومع ذلك أضاع حمدوك هذه الفرصة بتردده وضعف شخصيته ورهن إرادته لقوى الحرية والتغيير تارة، وللمجتمع الدولي تارةً أخرى، وتارةً ثالثة للمكوِّن العسكري الذي أحكم قبضته على مقاليد الأمور، بعد أنْ اقتنع أنه إنْ ترك الحبل على الغارب لرئيس وزراء مهزوز، فإن سفينة البلاد لا محالة غارقة في لُجّة من جحيم، ربما يكون جحيماً أكبر من تمرد ميليشيا على الجيش، ومحاولة تقويض السلطة، بمساندة ودعم القحاتة أنفسهم، وهم الطامعون في استعادة الحكم عبر بوابة ميليشيا الجنجويد الإرهابية.

شخصياً أحمّل قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي مسؤولية الدرك السحيق الذي وصلت إليه البلاد حالياً، بإسنادها ودعمها لميليشيا الدعم السريع المتمردة والتي مارست الإرهاب في أبشع صوره، وارتكبت جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وأعملت القتل والتقتيل والاغتصاب والسرقة والنهب والتشريد والتهجير القسري للمواطنين الأبرياء والعزل في الخرطوم، وقامت بعمليات تطهير عرقي، بانتهاج القتل على أساس الجنس واللون في دارفور.
لقد خلق واقع الحرب وتداعياتها التي تعيشها البلاد، مراراتٍ كثيرة وخلّفت غبناً وأوجاعاً في نفوس المواطنين، ولا نتوقع أن تنتهي هذه المرارات أو تزول قريباً، وعلى قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي أن تتفهم ذلك، وتفهم أنها أصبحت الأن خارج ميدان المعادلة السياسية في السودان لحين إشعار أخر، ومهما حاولت دغدغة المشاعر بحرصها على استعادة مدنية الدولة، وإحياء جذوة الديمقراطية، فلا أعتقد أن (فطنة) قحت لم تخبرها أن الشعب السوداني رفضهم جملة وتفصيلاً، وليس أدلَّ على ذلك محاولات التحرش والاعتداء المتكررة التي طالت عدداً من قيادات القحاتة وميليشيا الجنجويد في بعض العواصم العربية والأفريقية والأوربية.

لقد فشل القحاتة خلال فترة حكمهم وأخلُّوا وضيُّعوا على البلاد والعباد ثغور حقوقِ ما أطاقوا لها سدّا، فشلوا وعلَّقوا جلباب فشلهم على شماعات مفضوحة، فمرةً يتهمون الكيزان وفلول النظام السابق بالسعي لإفشالهم، ومرةً أخرى يتهمون الجيش ومؤسساته الاقتصادية، ونسي القحاتة أو تناسوا أنهم جاءوا إلى السلطة ولم تكن بين أيديهم خطط أو برامج مسبقة لإدارة دفة الحكم في السودان، والغريب في الأمر أن القحاتة وعندما اُنتزعت منهم السلطة حاولوا بشتى الطرق استعادتها، فلم يخجلوا من التواصل مع المكوِّن العسكري خلف أبواب مغلقة، أو يركبوا على أكتاف ميليشيا الدعم السريع التي أوردتهم مورد الهلاك، قبل أن تهلك هي الأخرى بضربات الجيش.

ينبغي على قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي أن ترعوي وتفهم حقيقة وضعها ومكانتها الأن في نفوس الشعب السوداني، وعليهم أن يوقفوا تسوَّلهم العواصم الأفريقية والعربية بفرية إيقاف الحرب واستئناف العملية السياسية، وإخفاء الحقيقة التي يخفونها بأنهم يطمعون في استعادة حكمهم الذي ضاع،،
يا قلبُ لا تبكِ الذي باع الهوى
لملم جراحك لا تقل ما أضيعك..
وإذا الحنين تأججت نيرانُه
وهفت بك الاشواقُ،
فاحبس أدمعك..

وبدلاً من أن تلهث قحت وراء استعادة السلطة والحكم، عليهم التفكير في كيفية التكفير عن الجرم الكبير الذي ارتكبوه في حق الوطن والمواطنين، ثوبوا إلى رشدكم وراجعوا مواقفكم أيها القحاتة واغتسلوا من فداحة الأثم، وتعالوا إلى كلمة سواء لحفظ ما تبقى من جسد الوطن، وليس للبحث عن السلطة والجاه، فإنَّ مرحلة ما بعد الحرب هي مسؤولية الجيش لتأمين البلاد وتمشيطها وحفظ وحدتها وتهيئة المناخ لمرحلة التحول الديمقراطي والتبادل السلمي للسلطة وهو سباقٌ لو تعلمون شريفٌ يقود مباشرةً إلى الحكم المدني المرتجاة، عبر صناديق الانتخابات وليس صناديق الذخيرة.

الوسوم

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق