رأي

الفاتح داؤود يكتب: بعد اعتماد سفيرها بالسودان.. الخرطوم وواشنطون ملفات ساخنة

بلاشك فإن اعتماد السفير “جون غودفري” سفيرا للولايات المتحدة الأمريكية لدى السودان بعد عقدين من الزمان ،يعد تحولٱ استراتجيٱ في مسار علاقات الخرطوم واشنطون، ودشن السفير مهمته في الخرطوم، بالتأكيد علي التزام واشنطون بتعزيز وتعميق علاقاتها مع الشعب السوداني،و أنه يأمل في تشكيل حكومة جديدة بقيادة مدنية في المدي القريب، ضمن سياق حوار وطني شامل يضم جميع الأطراف السودانية،ويبدو ان التحدي الأكبر أمام السفير، قد يكمن في كيفية التعامل مع المبادرات الوطنية المتعددة؟ .
خاصة أن الولايات المتحدة لم تسمي ماحدث في”25″ اكتوبرانقلابا عسكريا بصورة قاطعة،انما تحايلت علي منظومة التشريعات الأمريكية، التي تجرم الانقلابات العسكرية حول العالم،عبر حزمة من الإجراءات العقابية مثل وقف المساعدات الاقتصادية، وتوقيع العقوبات علي الاشخاص والكيانات ، لكن لم تعلن الولايات المتحدة حتي الان بصورة قاطعة، أن الذي جري في السودان انقلابا عسكريا، بل سمت ماحدث انقلابٱ على الشراكة في الحكم، بين طرفين موقعين علي وثيقة دستورية. لذلك أعلنت تاييدها للمبادرة الأممية،التب نادت بضرورة عودة المسار المدني وفق ما جاء في الوثيقة، لذلك كان اهتمام الولايات المتحدة مركزا علي العودة الي احترام الوثيقة الدستورية،عبر اللقاءات المكوكية التي قادتها نائبة وزيرة الخارجية الأمريكية “مولي في” أبان زيارتها الخرطوم،
كما جاءت تصريحات السفير الأمريكي حول ضرورة وجود سلطة مدنية خالصة، علي أنها محاولة للتماهي مع رؤية الفرقاء،الذين يتفق معظمهم علي ضرورة خروج المؤسسة العسكرية من الساحة السياسية،فضلا عن الاتفاق على تعديل الوثيقة الدستورية، التي تعتبر النقطة المركزية للتعاطي مع الأزمة السودانية. لذلك يبدو السفير الأمريكي في حاجة إلي الاستماع الي جميع الفاعليين في المشهد السوداني ، من السياسيين والأكاديميين ومنظمات المجتمع المدني ولجان المقاومة ،لتكوين صورة مقربة ذات ابعاد متعددة،تعينه علي قراءة المشد السوداني بعيدا عن التقارير الإعلامية أو الاستخبارية، إلي جانب التعرف علي طريقة تفكير النخب السياسية،لاستيعاب القواسم المشتركة و تصنيف المبادرات المطروحة وتحليل الافكار، ثم التعامل بناء عليها.
ولعل كلمة السفير الأمريكي، التي وجهها الي الفرقاء السودانين،وقال فيها” أعتبر وجودي في السودان فرصة ذهبية للتعرف على الشعب السوداني ،وفهم ثقافته بصورة أفضل، وتعد هذه العبارة بمثابة جملة مفتاحية واهم مدخل للتعاطي مع الحالة السودانية،ذات النسيج السياسي المتعدد والمتنوع ، كما تساعد الرجل في استيعاب طرقة تفكير و اهتمامات النخب و مايؤثر في سلوكهم،خاصة أن السفير ينحدر من خلفية استخباراتية،حيث كان يعمل منسقا لمكافحة الإرهاب ،ثم مستشارا في السفارة الأمريكية في الرياض ،و مسؤولا سياسيا في البعثة الأمريكية في سوريا، ويجيد اتقان اللغة العربية بطلاقة.وتعد مهمة السفير في الخرطوم ،التي ترفيع فيها الي درجة سفير،بمثابة اختبار وتحدي لقدراته الدبلوماسية ؛في انقاع الفرقاء السودانيين للتوصل إلي تسوية سياسية تقود البلاد الي انتقال سلس.
خاصة أن الطريق يبدو معبدا أمامه بعد اعلان العسكر ذهدهم في السلطة ،وهو ما لامسته نائبة وزير الخارجية “مولي في”،التي سعت الي راب الصداع بين العسكريين والمدنيين, ولكن بات محاولاتها بالفشل لأسباب سياسية و نفسية ،لعل تجديد العسكر التزامهم واستعدادهم لتسليم السلطة وانسحابهم من المشهد حال اتفاق المدنيين، يعد بارقة أمل لتذليل مهمة السفير ، لكن ما لا يعلمه الفرقاء المدنيين ان السفير الجديد ،قد ينطلق من قاعدة ” ثقافته الديمقراطية”وهنا يكمن الفرق بين المثقفين الغربيين و السودانيين من حاملي الثقافة الديمقراطية، فالسودانيين أغلبهم ذو ثقافة ديمقراطية ضعيفة،لاتخلو من رواسب
الثقافة الشمولية التي تشكل في ظلالها العقل السياسي السوداني، و هو التحدي الاهم الذي سوف يواجه مهمة السفير الأمريكي في دفع الفرقاء نحو تشكيل سلطة مدنية. وسوق يكتشف أنه يتحدث مع قوى سياسية تتحدث بخطاب ديمقراطي ،فيما تتعامل بسلوك شمولي، يدفعها دفعا الي احتكار الحلول السياسية دون الأخرين. كما يواجه
حالة سودانية معقدة تكمن في أن معظم المجموعات السياسية ،تفتقر الي التجرد والمصداقية في عملية التحول الديمقراطي، لاعتقاد كل مجموعة،انها الاجدر بالسيطرة علي سلطة الانتقال ، الأمر الذي يصعب المهمة على الذين يحاولون البحث عن مخرج للأزمة.لان تعلق كل مجموعة بالسلطة يدفعها الي وضع شروطا ممعنة في التطرف، لحرمان الأخرىن من المشاركة. لذالك يبدو الهاجس الأكبر أن معظم االمجموعات السياسية، ليس القدرة السياسية لتقديم التنازلات أو اقناع القوي الحية للانخراط في مشاريعها السياسية، خاصة الذين ليس لهم ولاءات حزبية أو انتماءات سياسية. و هؤلاء هم الذين يشكلون اهم ارضية للحوار حول السلطة المدنية.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق