رأي

د. بابكر عبد الله محمد يكتب: (( نحو منهجيات قاصدة لتجديد الفكر الاسلامي )) مراجعة و نقد موضوعي للصوفية والتصوف في السودان (( ٣ )) المنظور الفلسفي والنقلي والعقلي المنشور الخامس

بسم الله الرحمن الرحيم
(( نحو منهجيات قاصدة لتجديد الفكر الاسلامي ))
مراجعة و نقد موضوعي للصوفية والتصوف في السودان (( ٣ )) المنظور الفلسفي والنقلي والعقلي
المنشور الخامس
الجمعة ٨ نوفمبر ٢٠٢٤م
مواصلة للمنشورات السابقة حول ضرورة تجديد منهجيات التفكير الاسلامي لاحداث التحول الاسلامي المامول و الراشد نحو تحقيق الاهداف الكلية الفلسفية للاسلام…
وقبل ان نوجه النقد للتصوف بغرض اصلاحه . دعونا نلقي نظرة فاحصة حول الفلسفة وفلسة التصوف . الفلسفة عموما كمصطلح هي دراسة طبيعة الواقع والوجود، ودراسة ما يمكن معرفته والسلوك السوي من السلوك الخاطئ. ومفردة فلسفة مصدرها الإغريقية وتعني ”حب الحكمة”. وهي بالتالي تعد واحدة من أهم مجالات الفكر الإنساني في تطلعه للوصول إلى معنى الحياة. والحكمة ضالة المؤمن …اما الفلسفة الصوفية كمفهوم فانها تعني بشكل عام نزعة إنسانية ظهرت في كل الاديان والثقافات بصورة متفاوتة ،وهي في جوهرها تعبير عن إشباع الجانب الروحي ، والزهد في متاع الحياة الفانية ، والركون والدعة إلى قوة أعلى ، ورغبة في التعالي عن الشهوات المادية ،بغية االارتقاء في سلم الصفاء الروحي بغرض الوصول إلى السعادة .
ما دعاني لتناول مفهوم الفلسفة يعود الي بعض الردود علي المنشور لي في الخاص احدهم لم يقنع بالاستدلال بالمظاهر والتي تتمثل في مظاهر ثمار التصوف والتي تناولت فيها السمت الظاهر في الصوفي في استخدامه للسبحة وربما لبسه المميز و ختم الفضة ومفهوم الخاتم . ثم الاستدلال بالموسيقى في التصوف المسيحي والتي وجه لي فيها أحد الإخوة انها استدلال لايرقي للطرح …واخر كان أكثر اعتدالا وصدقا في وصفه ان التصوف في السودان له نكهة سودانية خاصة وخالصة ..ذلك أن تناول التصوف من مفهوم فلسفي بادلة نقلية وعقلية لا اختلاف حولها من منظور الشريعة في التفسير والتاويل ولها اثر عميق في الأمم ذات الحضارات القديمة وابرز تأثير لها في التصوف كان من تأثير بلاد فارس وما جاورها من دول في الشرق الادني والاقصي والذي لعب دورا محوريا في التعاطي الفلسفي مع الدين الجديد ( الاسلام ) في المنطقة العربية وكان لهذه النهضة الفكرية الجديدة تلاقح وتلاقي فريد مع الاسلام ..و يقودنا هذا المنحي الي تصنيف الأبعاد التي من خلالها نسعي لنقد المنهج الصوفي بغرض إلقاء نظرات وتفسيرات وتاويلات موضوعية بغرض اصلاحه كمنهج للمسلمين كافة .والمسلمون الان في أشد الحاجة الي المنهج الصوفي وعدم تعطيله او نقده بهذه الطريقة القاسية والمعتسفة ومن وعاظ ودعاة. و لو علموا ما يفعلون تجاهه لتوقفوا فورا عما يفعلون من هجوم ونقد له قد يقود لنتائج اكثر سلبية وخطورة علي اوضاع المسلمين .وتحديدا في عصرنا هذا والذي طغت فيه الماديات بشكل مطلق وتوارت فيه الروحانيات بشكل واضح .كما سياتي .وبناءا عليه دعونا نتناول المنهج من من خلال ثلاث محاور :
١/ المحور الاول نتناول فيه المنظور الفلسفي وبتوابعه من ادلة عقلية و نقليه وما تبعهم من مستخلصات دواعي التفسير والتاويل .
٢/ المحور الثاني وهو منظور يتناول اثر المحور الاول علي العقيدة والتوحيد. .
٣/ المحور الثالث ويتناول اثر منظور العبادات عند.اهل التصوف واثره علي عبادة المسلم بصورة عامة وما قد ينجم من خلافات في دور العبادة والحوار والاختلاف . ونحاول ان نبرز بعض ما يقوله الدعاة والوعاظ في بعض قادة المتصوفة ومشائخهم ..
وارجو ان اشير هنا فيه الي بعض نماذج من المتصوفة وما قيل فيهم من تفسيرات وتاويلات لاقوالهم وافعالهم ..ولقد قالوا فيما رؤي من الشيخ الفيلسوف الزاهد / محي الدين بن العربي حسب قوله ان كان ما قاله صحيحا ( انه اوحي اليه من مكة ) فقالوا ان كان حقا ما قاله فإن الشيطان قد تمثل له مثله مثل المتنبئين من امثال مسليمة الكذاب اوالعنسي او غيره من الشياطين .غير ان ابن العربي ذكر في الفتوحات المكية ان القرآن الكريم احتوي علي ثلاث مهمات رئيسية وهي:
١/ التوحيد
٢/ والبعث والوحي للرسل والانبياء والامم التي بعثوا فيهم والقصص ومالات الأمم التي كانت قبلنا.
٣/الآخرة والبعث .
واستدل بصلاح دينه علي ذلك بالحديث الوارد عنه صلي الله عليه وسلم ان سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن..وهو المراد الظاهر لتفسير هذا المنحي.بمعني ان التوحيد وحده في هذا الدين يشكل ثلثه. و هو دلالة واضحة ان صاحب الفتوحات المكية كان واضحا وجليا في مفهوم التوحيد وعدم الاشراك بالله سبحانه وتعالي ولم يكن لدية ادني شركيات في ذلك ابدا .فهو دنيوي واخروي وخليفة اعمار للارض وفقا لخلافة الانسان لله في الأرض واعمارها بالتوحيد والعبادة وكذلك هو عبدا لله سبحانه وتعالي منتظرا الجزاء بما عمل في الآخرة. وهو مثال اشرنا اليه لما يتردد علي ادعاء بعض المشائخ للوحي او انهم يوحي اليهم او انهم يتصفون ببعض الخوارق …ولا اجد تاثيرا مطلقا لهذا المتصوف في السودان ظاهرا الا من خلال مسجد واحد مؤسس بشكل جيد وموجود في الدروشاب شمال ويحمل اسم مسجد الشيخ/محي الدين العربي ..
ولمحي الدين ثمة قول اخر يقول فيه (ان الله حق وانا حق والعبد حق والعابد حق والمعبود حق ) وهذا تأكيد.للربوبية لله سبحانه وتعالي… ونجد في المقابل لذلك قول مضاد لحسين منصور الحلاج …فان الحلاج له اقوال مردودة وهي أقوال فيها من الزندقة والكفر الصريح علي اكثر رأي العلماء وهي نقلهم عن الحُسَين بن منصُور الحلَّاجُ الفارسيُّ البيضاويُّ الصُّوفيُّ (244 – 6 ذو القُعدة 309 هـ / 858 – 26 مارس 922 م) والذي كان مُتصوَّفًا، وشاعرًا، ومُدرسًا للتصُّوف الفارسي، اشتهر بقوله “أنا الحق”، والذي رأى فيه كثيرون أنه ادَّعى الألوهيَّة، بينما فسَّرهُ آخرون من الشيعة ومناصروه على أنه مثال للفِناء، فقد اشتهر كفيلسوف يحتفل بفلسفته ..وهنا نستطيع ان نربط بين ما قاله بن العربي صاحب الفتوحات المكية وحسين منصور الحلاج وبين ما قالته قرة العين الطاهرة البابية الفارسية أيضا وما ادعاه الفيلسوف الهندي أسد الله غالب ميرزا من خلال بيت شعر باللغة الاردية ملخصه بأن هناك عدد من ((محمد)) صلي الله عليه وسلم وبين ما يدعيه الدعئ الهالك محمود محمد طه من انه صاحب الرسالة الثانية. وسبحان الله ان الحلاج قد اتهم بالزندقة والكفر و قتل …وقرة العين الطاهرة حكم عليها بالقتل واعدمت وأن محمود محمد طه أيضا قتل واعدم . وثلاثتهم اعدموا..بينما نجا من حكم الاعدام الشاعر الصوفي الفيلسوف اسد الله غالب ميرزا رغم هذا الادعاء بتعدد ( محمد.) عليه الصلاة والسلام من خلال بيت للشعر …حيث ورد انه كان يتزلف للحكام وانه كان من ال البيت من ناحية والدته . ومسار ادعاء الالوهية مازال موجودا عند.بعض طوائف الشيعة ولا نريد ان نلقي بظلال هذا الادعاء من خلال هذا المنشور …ولكن اريد ان ألفت انتباه القارئ الي ان معظم ما دخل من افكار الفلاسفة والمتصوفه الضار إنما اتي إلينا من شعوب لها حضارات قديمة والتقاء بالفلاسفة من اليونان والاغريق وغيرهم ..
وهذا الامر طرقته من باب اثر تناول الفلسفة لموضوع الربوبية …والتي بشر بها بعض اتباع هذه المذاهب والتي تمثل احد مكامن ومظان ومخاطر التصوف من الفلسفة و التي تخلو من مضامين الفلسفة الصوفية الحقة ..ولقد كان لتاثير مفاهيم الحلاج وقرة العين الطاهرة في التصوف في السودان من خلال ظاهرة محمود محمد طه والتي لا تمثل حركة نهج صوفي خالص و هي بالطبع ليست كذلك …بل تمثل تماهيا مع المادية والليبرالية المتوحشة وذلك باينا من خط سيرها المعادي لكل توجه اسلامي ظاهر …بل تدعي ان الاسلام لا يصلح لكل زمان او مكان وذلك وفق ما وقع و ادعاه الزنديق / حسين منصور الحلاج حينما ادعي وقال ( انا الحق ) وشتان ما بين الاثنين علما بأن الحلاج له رأي مخالف اخر وهو تشاركه في الايمان ولم تذكر المنقولات عن الحلاج انه صاحب رسالة ثانية وتعدد للرسالة مع المدعو محمود محمد طه صاحب دعوة الرسالة الثانية وشتان ما بينهما والذي سيأتي ذكره في منشور منفصل لوحده وذلك للرد علي دعواهم .
اما فكر الغزالي الفلسفي فمن الامثلة الواردة عنه إنه اورد حديثا قدسيا في أحياء علوم الدين …إن الله سبحانه وتعالي ذكر في حديث قدسي عن النبي صلي الله عليه وسلم (( انه لا تسعني ارضي ولا سمائي او (سمواتي) في رواية اخري. ولكن يسعني قلب عبدي المؤمن )) وانكر بعض العلماء عليه هذا الحديث القدسي وقالوا حديث باطل وقال بعضهم حديث من الاسرائليات …وكذلك هذا الحديث اورده الشاعر والفيلسوف المتصوف/ جلال الدين الرومي في اغلب اشعاره شعرا ونثرا….ويقول جلال الدين الرومي في جانب اخر من رسالة الخلود.الاتي : (( علي ان الدين لا يتضح حقا دون آداب العشق ، فخذ الدين من أرباب العشق )) فما ان يبتعد عن شرعة العشق ويتنكب طريقه حتي يبدأ صرح عقائده الدينية في الانهيار ويعتريها النقصان علي الدوام ، لأن الدين يصبح رسوما خاوية المضمون اذا افرغ من حرقة القلب . ومن ثم فإن الدين لا يتاتي بمطالعة الكتب فحسب ، وإنما لابد من قدوة ، وقدوة الدين هم أرباب العشق .
وللغزالي أيضا في كتابه جواهر القرآن في اشتمال القران الكريم علي الكبريت الاحمر . من كتاب جواهر القرآن فهرس الكتاب القسم الأول / في المقدمات والسوابق الفصل التاسع في التنبيه على الرموز والإشارات التي يشتمل عليها القرآن
في التَّنْبيهِ على الرُّموز والإشارات التي يشتمل عليها القُرآن وقال الغزالي لعلك تطمع في أن تُنَبَّهَ على الرَّموز والإشارات المودَعة تحت الجواهر الذي ذكرنا اشتمال القرآن عليها. فاعلم أن الكبريت الأحمر عند الخَلق في عالَم الشهادة، عبارة عن الكيمياء التي يُتَوصَّل بها إلى قلب الأعيان من الصفات الخَسِيسَة إلى الصفات النفيسة، حتى ينقلب به الحجر ياقوتاً، والنحاس ذهباً إبريزاً، ليتوصَّلََ به إلى اللَّذات في الدنيا مكدَّرةً مُنَغَّصة في الحال، مُنْصَرِمَةً على قرب الاستقبال، أفترى أن ما يقلُبُ جواهرَ القلب من رَذالةِ البهيمية وضَلالةِ الجهل إلى صفاءِ الملائكة وروحانِيَّتها، ليترقى [القلبُ] من أسفل السَّافلين إلى أعلى عِلِّيِّين، ويُنَالُ به القُرب من ربِّ العالمين والنظرُ إلى وجهه الكريم أبداً دائماً سَرْمَداً، هل هو أَولى باسم الكبريت الأحمر أم لا؟ فلهذا سميناه الكبريت الأحمر..وله أيضا رسالة قصيرة في تسوية الخلق ونفخ الروح..و استطيع ان اطلق عليه قانون التسوية ونفخ الروح الإلهية باعتبار أن الإنسان هو أكرم مخلوقات جميعا …فالانسان ركب الله فيه فطرة الشهوة والعقل. والملائكة ركب فيها العقل بلا شهوة والحيوان ركب فيه الشهوة وحرمه من العقل …فإذا استطاع الإنسان كبح جماح شهوته الا فيما يرضي الله تعالي في قانون التكاثر وحفظ النوع البشري وفقا للشرع …ووحد الله حق وحدانيته وربوبيته وعبادته.. وعبده علي النحو الشرعي المرسوم له لسما وعلا بروحه وجسده الي ارفع المراقي والمراتب ولصافحته الملائكة في الطرقات رضا بما يصنع .
ويعجبني بهذه المناسبة ما نقله الحافظ في (الفتح) (12 / 300) عن الغزالي أنه قال: (والذي ينبغي الاحتراز منه: التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة دماء(المسلمين) المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم لمسلم واحد) هذا هو رأي الشيخ محمد.بن ناصر الالباني الامام الحافظ ..
غير ان الفيلسوف محمد إقبال ورغم تلاقيه مع حديث التقي فيه مع الإمام الغزالي في الحديث القدسي الذي آخره يشير الي ( ان الله يسعه قلب المؤمن ) الا ان دكتور محمد إقبال في كتابه رسالة الخلود اشار الي الحلاج وقرة العين الطاهرة واسد الله غالب ورغما عن إيمانهم بتعدد (محمد) عليه الصلاة والسلام ولم يعب عليهم موقفهم من ذلك بل وصفهم انهم من كوكب آخر هو كوكب المشتري اعتقادا منه انه لعروج هؤلاء الثلاثة الي اسمي الدرجات بل وصف قرة العين الطاهرة بأنها شهيدة وهذا لعمري موقف يشابه موقف أتباع محمود محمد طه بأنه شهيد .
ونستطيع هنا أن ندلل علي الأثر السئ لبعض الفلاسفة وتاثيرهم السلبي علي المتصوفة في العالم الإسلامي…ولا أعتقد أن جماعة محمود محمد طه جماعة متصوفة بل هي أقرب للجماعات التي زرعتها اليهودية والصهيونية في العالم الإسلامي مثلها مثل البهائية او القاديانية او طريقة تعبد او عبادة فية دولة لبنان و التي يطلق عليهم اهل الجبل في لبنان ( دولة الموحدون ) والتي جل تشكلها وتكوينها من الدروز والذين ينتشرون في جبل لبنان وهضبة الجولان المحتله وبعضهم القليل في فلسطين وسوريا..
..اما الشيخ الامام عبدالقادر الجيلاني أمام السنة والجماعة المتفق عليه بين جمهور العلماء فله قانون اقتبسه من النهج القرآني الكريم…. واطلق عليه قانون المريد والمراد والارادة…وهذا قليل مما قيل في نهج التصوف علي مستوي بعضا من علماء الفلسفة الصوفية …
وهل يا تري يتداول مشائخ الطرق الصوفيه في السودان او يدلون بها بها في مجالس علمهم وجلساتهم وروحاتهم وغدواتهم هذا ما سنعرف جانبا منه في الطرق الصوفيه في السودان في المنشور القادم وعلي اي الأسس بنيت الطرق الصوفيه في السودان …والذي وصفها احد المتفاعلين مع منشوراتي وهو الاستاذ العالم الشاب الشيخ / عبدالباسط عبدالغني الربيع حينما وصف التصوف في السودان بانه يختلف وذو نكهة سودانية خالصة …فمشائخ الطرق الصوفيه منشغلون بتعليم القرآن الكريم واطعام طلابه. ومن حقهم ان يحتفلوا بعد ان يحققوا إنجازات لهم مشهودة ومعروفة بعد تخريج حفظة لكتاب الله العزيز او بعد ذكر وتحميد وعبادة خالصة لوجهه الكريم و من حقهم ان يترنموا ويمدحوا النبي عليه الصلاة والسلام فالشعر ومدح المصطفي لعله فرحة وثمرة من ثمرات الانجاز والابتهاج بنبي الأمة..

والسلام عليكم ورحمة الله تعالي وبركاته .
والله ولي التوفيق تابعوني في كل ذلك والي لقاء قادم متجدد بإذن الله تعالي
د.بابكر عبدالله محمد علي

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق