رأي

حيدر التوم خليفة يكتب في تأملات سياسية: كيف أضرت سياسات بايدن المعادية لروسيا بالدول الأوروبية ، وهل تعيد سياسات ترامب الإنكفائية التوازن لأوروبا ..؟

تأملات سياسية

*حيدر التوم خليفة*

بالتأكيد سوف تختلف سياسات ترامب البراغماتي الذي يدير سياسات أمريكا الخارجية بعقلية *التاجر الشاطر* ، عن سياسات سلفه بايدن بصورة جذرية …

فترامب يهدف في كل سياساته الي تعظيم *العائد المادي لامريكا* ، وتحديداً للمواطن الأمريكي  ، من غير وضع اي *تكاليف او اثمان باهظة على كاهله* ، عكس منهج بايدن والذي يعمل على تعظيم العائد المادي لامريكا، ولكن *لصالح مجموعات الضغط والكارتيلات المتعددة* ، من غير اي أهمية *للتكاليف التي يدفعها دافع الضرائب الأمريكي* لتحقيق هذا الأمر ..

مثلا ، قدم ترامب خلال رئاسته الماضية خدمات كبيرة لقطاع التصنيع العسكري ، وذلك بإلزامه لدولة غنية ، من حلفائه في المنطقة العربية بتوقيع عقود تسليحية بقيمة فاقت الاربعمائة مليار دولار ، الأمر الذي يعني تنفيذ صفقات حُسبت إيجاباً لصالح المواطن الأمريكي ، من حيث زيادة فرص التوظيف ، وتقليل البطالة ، وتحريك الاقتصاد ، وزيادة الضرائب على أرباح شركات التصنيع ، إضافة إلى العوائد المتوقعة من الرسوم الجمركية ، وضرائب الدخل الشخصي للموظفين الجدد ، وتقليل برامج الدعم للعاطلين عن العمل ..

في ذات الوقت الذي أنفق فيه بايدن أكثر من هذا المبلغ  على تسليح أوكرانيا ، ولكن تم ذلك *خصماً على دافع الضرائب الأمريكي* ، لأن هذه الأسلحة تم تمويلها من الخزينة العامة ، اي من جيب المواطن الأمريكي ، وسوف يذهب عائدها الي *مصنعي السلاح من الاغنياء* ، الذين سوف يزدادون غني ، خصماً على الآخرين الذين سوف يزدادون فقراً …

هما *منهجان مختلفان* جداً ، وسوف ينسحب هذا الأمر على أوروبا تحديداً ..

فخلال فترة رئاسته الأولى ،. كان ترامب قاسياً مع شركائه في حلف الناتو ، وعمد الي إضعاف الحلف ، وعقد العزم على خنقه مالياً ليتحرر من ربقته التمويلية ، مجبراً بقية اعضائه على دفع مساهماتهم المقررة في نظامه الأساس ، والتي تبلغ ٢٪ من الدخل القومي لكل دولة ، رافضا ان تقوم أمريكا لوحدها بتحمل نفقات الحلف ، الأمر الذي دفع الرئيس الفرنسي ماكرون الي دعوة أوروبا لإنشاء *قوات مستقلة* خاصة بها ، تعمل على حمايتها ..

وعند تولي بايدن الرئاسة في امريكا ، عمل الي إحياء الحلف ، وتطويره ، وتجديده ، ضمن سياسة كانت *ظاهريا في صالح أوروبا ، ولكنها اضرت* بها جداً في الحقيقة …

فقد إستدرج أوروبا الي *المستنقع الروسي* ، وأدت سياساته العدوانية تجاه روسيا الي عداء وحرب عقوبات خاسرة مع روسيا ، كانت اوروبا اول المتضررين منه ، وخسرت كثيراً جراء هذه العقوبات ، التي صبت في صالح الشركات الأمريكية.، خصما على الشركات الاوروبية  ، خاصة قطاع الطاقة والنفط والغاز والسياحة ، ونمو الشركات الناشئة ..

وخير مثال على ذلك حاليا ، ترنح الاقتصاد الألماني ، والذي يعتبر أكبر اقتصاد في أوروبا ، الأمر الذي ادي الي توليد إعصار سياسي قاد الي تفكيك الإئتلاف الحاكم في برلين ، خاصة وان هذا العام شهد إفلاس أكثر من 5 الاف شركة المانية والعدد في ازدياد ..

كما أن السير الأعمى للحكومات الأوربية وراء بايدن افقدها إستقلاليتها ، وأضر بمواطنيها، وكلفها غالياً ، إذ إرتفع الدعم التسليحي الأوروبي لأوكرانيا (وهو دعم غير منتج) ، والذي جاء على حساب المواطن الأوروبي المسحوق بصورة لم يكن يتوقعها احد ، فقد إرتفع من عشرات الملايين من اليوروهات قبل الحرب ، الي ما يفوق الاربعمائة مليار يورو حالياً ..

وهذا الأمر جعل العديد من الدول الأوروبية تتجاوز في صرفها ، النسبة المقررة لمساهمتها في ميزانية حلف الناتو ، واري ان هذا الأمر سوف يسر ترامب كثيراً  ..

كان في إمكان أوروبا ان تتجاوز تكلفة العداء مع روسيا ، لو انها وافقت على المقترح الروسي بُعيد تفكك الاتحاد السوفيتي السابق ، بقبول عضوية روسيا في الاتحاد الأوروبي بنسخته السابقة ، وهو المقترح الذي لقى معارضة ورفضا كاملاً من امريكا ، لعدة اسباب ، أهمها أن هذا الأمر سوف يقود الي تقوية أوروبا بالكامل ، لأن عودة روسيا الي قوتها هو مسألة وقت لا غير ..

كما أنه سيجعل من أوروبا منافساً شرساً ، قد يصبح لاحقاً خصما عنيداً ، وربما عدواً ، في عالم تتناقص فيه الموارد ، وتقل فيه الأسواق ، اذا تطورت الأمور وفقاً لاحداث لا يمكن التنبوء بها  ، إضافة إلى ضغوطات لوبي السلاح الأمريكي ، والذي يعتاش على خلق بور صراع متعددة ، مع ضرورة وجود عدو تاريخي يمثل تهديدات لوجود الأمة الأمريكية ، فهذه دولة تتنفس بالحرب ، ووتغذي بالهلع المصنوع من التهديد المتوقع المتوهم الاتي من الاخر المبهم ، ويؤذيها جداً انتشار الأمن والسلام في العالم  …

لهذا اضرت سياسات بايدن تجاه روسيا بالدول الأوروبية ، وألحقت بها ضرراً لا يُتوقع  البراء منه قريباً ، فقد ضاعفت اوروبا دعمها لأوكرانيا مئات المرات ، وزادت من صرفها على القطاع العسكري التسليحي ، وافقدتها العقوبات السوق الروسي المتعاظم ، كما فقدت أيضا وبدرجة كبيرة ، ميزة الاستفادة من الغاز الروسي الرخيص ، بعد أن حلت شركات الغاز الأمريكي عالي التكلفة محلها ، الأمر الذي ادي الي إرتفاع تكاليف الطاقة على الشركات الصناعية وبالتالي تكلفة التشغيل ، والذي إنعكس على تكلفة المنتج النهائي ، وبالتالي وضعه التنافسي ، وأثر سلباً على المواطن العادي  ، إضافة إلى خسارات كبري غير مرئية للقطاع المالي ، وللشركات الصغيرة والناشئة التي تعمل في مجال الصادر والوارد مع روسيا …

ولا أعتقد أن أوروبا تستطيع العودة بعلاقاتها مع موسكو الي الحال قبل الحرب الروسية على كييف ، خاصة في الأمد القريب ، بعد أن صارت عدوا لروسيا ، وبالتالي تصنيفها ضمن الدولة التي يشملها التهديد النووي الروسي ، والذي لا قِبل لهم به  ، خاصة وإن إنجرار أوروبا وراء بايدن وسياساته الرامية الي توسيع حلف الناتو ، وشمله لدول تقع حرفياً داخل الحرم الروسي ، سوف يعجل بحرب نووية مستقبلية في القريب المنظور ، تكون أوروبا المتحدة اول الخاسرين فيها ، اي يمكننا القول بكل صدق ان سياسات بايدن تجاه روسيا ، اضرت بأوروبا جداً ، بعد أن إستبدلت علاقات حسن الجوار مع روسيا ، بعلاقات سوء الجوار ، وهو أمر يثير حفيظة الدب الروسي ، ويزيد من مخاطره ..

اما سياسة ترامب الإنكفائية والمنغلقة على الداخل ، وصاحب العلاقات الجيدة مع الرئيس بوتين ، فلن يحفل كثيراً بدعم أوكرانيا ، ولا يرحب بسياسات او أفعال تجعله في مواجهة مع روسيا النووية ، إذ لا فائدة ترجي للمواطن الأمريكي من ذلك ، بل على العكس ، يمثل زيادة إنفاق غير مرغوب فيه ، لانه سوف يزيد من الدين الأمريكي العام ، ويفتح له جبهة هو في غنى عنها ، لأنه سيكون مشغولاً بمحاربة وتفكيك الدولة العميقة التي وقفت ضده وتسعى الي أزاحته عن المشهد السياسي نهائياً حتى بعد أن نال ثقة وتصويت الشعب الامريكي …

و فوز ترامب دعي احد قادة الاتحاد الأوروبي الي التصريح بأن أوروبا سوف تكون الداعم الرئيسي لأوكرانيا في حربها مع روسيا ..

وهذا يعني ان الأوروبيين لم يتعلموا الدرس بعد ، فهذه فرصتهم لتحقيق إستقلالية ولو جزئية عن التبعية الضارة بهم لامريكا ، وخلق مسافة بينهم وبين السيطرة الأمريكية تجعلهم في مأمن من ضغوطها ، وسياساتها النفعية التي تنسحب عليهم وتصب في صالح أمريكا …

*ولكن لماذا يستمر الأوروبيون في دعم أوكرانيا في حرب هم يدركون انها خاسرة  ؟*

فإذا إعتقدوا ان اوكرانيا تستطيع هزيمة روسيا او إسترداد المناطق التي ضمتها روسيا بدعوي انها مناطق روسية ، فهم مخطئون ، بل ابشرهم بأن الدور قادم على مقاطعة ومدينة أوديسا ، تلك التي انشأتها الامبراطورة الروسية كاثرين العظيمة مثلها مثل خيرسون ..

ولن يستطيع الجيش الأوكراني ان يسترجع مدينة واحدة ضمها الروس ، حتى ولو استعان بقوات من الناتو ، وهو جيش يحوم حوله الكثير من تهم الفساد ، والذي طال حتى وزير دفاعه.، بعد أن وضح ان نسبة كبيرة من الأسلحة الأمريكية المتقدمة ، وجدت طريقها الي دول أخرى ، خاصة دول أمريكا الجنوبية ، الأمر الذي يعني انها لم تصل إلى اوكرانيا إبتداءاً ، إذ تم بيعها في عرض البحر ، بترتيب مسئولين كبار في إدارة بايدن ، ضمن صفقات مشبوهة ، قد يكون متورطا فيها عائلة بايدن ، وربما هو شخصياً ، عبر إبنه هنتر بايدن ، وهو أمر سوف تكشف عنه لجان ترامب المتوقع تشكيلها للبحث في خفايا الفساد الذي لازم فترة الرئيس المُستغفل جو بايدن ..
ختاما من الواضح أن فترة ترامب (إن إستمر في حكمه) ستكون ثقيلة على أوروبا ، رغم ميوله الإنكفائية في سياساته الخارجية ، وتركيزه على الداخل الأمريكي ، وعزوفه عن الدخول في اي مخاطرة خارجية.، مكلفة او غير محسوبة العواقب ، بسبب إصرار قادة الاتحاد الأوروبي تمثيل دور التابع المطيع لامريكا ..

انها فرصة عظيمة لأوروبا في التحرر وإمتلاك قرارها ،. فهل تفعلها .. ام انها إستمرأت حالة العبودية لامريكا للمنظمات الخفية التي تحكم العالم ، وعلى رأسها منظمة بيلدر برج المتنفذة بشدة في حلف الناتو …؟

ختاماً ، ليس للون دخل في تحديد صفة العبيد …

*حيدر التوم خليفة*
السودان ١٢/١١/٢٠٢٤

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق