أخبار

تفاصيل خطبة الجمعة للشيخ الجبراوي بالجامع الكبير بكسلا بعنوان ” صِنَاعةُ الحَيَاةِ”

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة
١٣ جمادى الأولى ١٤٤٦
١٦ نوفمبر ٢٠٢٤م
الجامع الكبير كسلا
*صِنَاعةُ الحَيَاةِ*
أحمد حامد الجبراوي

*محتوى الخطبة:*
قال تعالى:﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ ٩٧ النحل
وقال الله تعالى: “وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً”٣٠ البقرة
كرم الله الإنسان وجعله خليفة في الأرض ليعمرها معنويا وماديا لتغدو حياته طيبة في الدنيا و الآخرة والحياة الطيبة هذه تحتاج الى صناعة وفعل وعمل ومثابرة وفاعلية وهو قطعا جهد يحتاج إلى مفاتيح ومقومات وحتى تصبح صناعة الحياة تلك أمراً واقعاً فعليّا فلابدّ من وعي هذه الإشارات والعمل وفقها :-
أوّلا:
*صناعة الإنسان:*
وهو محور البناء والإعمار والخليفة في الأرض والذي ينبغي أن يوجد بالتربية المتكاملة والمستمدة من الوحيين والقائمة على أسس وركائز الدين عقيدة صحيحة ومتابعة راشدة وقيما رائدة .

ثانياً :
*ترسيخ القيم الإيمانيّة* :
فهي الحامل على العطاء والمحفٍّز للبناء
وأسُّه تعزيز لا إله إلّا الله التي هي كلمة الشهادة ومفتاح الاسلام وأساس قبول العمل الصالح وتليها شهادة أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجريد متابعته وتأتي تزكية النفوس وغرس الاخلاق النبيلة كأوعية وشرايين لتنقية ونقل دماء العطاء في جسد الحياة لتدبّ فيها الروح وتلك هي الصناعة الحقيقية
ثالثا:
*العلم يصنع الحياة:*
لا دين بلا علم ولا حياة بلا علم فالعلم أساس للكل ولذلك كان أول ما نزل
“اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. (1). خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. (2). اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ. (3). الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. (4). عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ. (5) العلق
فالعلم هو رائد النهضة وسحر الحياة ونشره وفق أصوله ومقاصده وأهدافه من أولى الأولويات.
رابعا:
الجهاد حياة:
فالجهاد دفعا وطلبا باب عظيم للحفاظ على القيم والمهج وردع للظالمين المعتدين (اطلبوا الموت توهب لكم الحياة) فلا حياة بلا بذل للمهج والأرواح والأمم التي تحب الموت تكتب لها الحياة والأمم التي تحب الحياة يكتب عليها الذل والصغار
( يُوشِكُ أن تَدَاعَى عليكم الأممُ من كلِّ أُفُقٍ ، كما تَدَاعَى الْأَكَلَةُ إلى قَصْعَتِها ، قيل : يا رسولَ اللهِ ! فمِن قِلَّةٍ يَوْمَئِذٍ ؟ قال لا ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاءِ السَّيْلِ ، يُجْعَلُ الْوَهَنُ في قلوبِكم ، ويُنْزَعُ الرُّعْبُ من قلوبِ عَدُوِّكم ؛ لِحُبِّكُمُ الدنيا وكَرَاهِيَتِكُم الموتَ ) احمد وابوداود
لقد أثبتت هذه الحرب أن المتمردين استهدفوا تدمير ماضي وحاضر ومستقبل السودان ولذلك فالقتال ضدهم هو صناعة جديدة لهذا الوطن بالمحافظة على ما تبقى وتعميره ونهضته .
خامساً:
الصبر واليقين:
قال تعالى(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) ٢٤ السجدة
فلا تنال امامة الدين الا بالصبر واليقين الصبر لدفع الشهوات واليقين لدفع الشبهات كما قال شيخ الاسلام
سادسا:
والمبادرون يصنعون:
أن الحياة لا تقوم ولا تصنع الا بابتدار العمل والبناء
سَابِقُوٓاْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِۦ ۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ ۚ وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ ٢٢ الحديد
رسول الله ﷺ قال: بادروا بالأعمال سبعًا، هل تنتظرون إلا فقراً مُنسيًا، أو غنًى مُطغيًا، أو مرضاً مُفسدًا، أو هَرَماً مُفنِّدًا، أو موتاً مُجهِزًا، أو الدجال، فشر غائب ينتظر، أو الساعة، والساعة أدهى وأمر”الترمذي وحسنه فصناعة الحياة تقتضي مبادرات العباد وعطائهم.
ثامناً:
المبدعون يضعون بصمتهم:
أن صناعة الحياة تحتاج إلى صناعة المبدعين ورعايتهم وتشجيعهم ليضعوا بصمتهم في الحياة قال صلى الله عليه وسلم:”أرْأَف أمتي بأمتي أبو بكرٍ ، و أشدُّهم في دينِ اللهِ عمرَ ، وأصدقُهم حياءً عثمانُ ، وأقضاهم عليٌّ ، وأفرضُهم زيدُ بنُ ثابتٍ ، وأقرؤهم أُبَيُّ ، وأعلمُهم بالحلالِ والحرامِ معاذُ بنُ جبلٍ ، ألا وإنَّ لكلِّ أمةٍ أمينًا ، وأمينُ هذه الأمةِ أبو عبيدةَ بنُ الجرَّاحِ” رواه أحمد وهكذا نحتاج إلى المبدعين في المهن والصناعات حتى يحصل النماء والتطور
تاسعا:
التوازن والاعتدال والتوسط :
قال تعالى :
لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ۖ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ۚ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾ ٢٥ الحديد
وقال:”وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ” ٧٧ القصص
وقال سبحانه واصفاً أهم مزايا هذه الأمة : {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ} (143) سورة البقرة.
فالوسطية والاعتدال اعتقادا وعبادة واخلاقا ومعاملة روح الشريعة ونبضها المهم وتأسيس العمل على ذلك يعطينا ثراء وتكاملا وديمومة وتناسقا.
عاشرا:
تحديد الأهدف:
أن الهدف العام للمسلم عبادة الله
قال تعالى :: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ” ٥٦ الذّاريات وقال:
{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} ١١٥ المؤمنون ولما كانت العبادة شاملة عامة تدخل فيها الأمور محاب الله ومراضيه
“قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ”١٦٢ الأنعام فعمارة الأرض وصناعة الحياة قربى وعبودية لأنه صلاح وإصلاح (ولا تفسدوا في الارض بعد إصلاحها)
حادي عشر:
الإحسان إلى الخلق :
فإن الاحسان من المفترضات الشرعية والاجتماعية التي تعمر بها النفوس والديار وتزول بها الجفوة وتحصل بها الإلفة وقد حثنا الدين الحنيف على الاحسان تخلقا كريما مع جميع الناس وبذلا للمال واحسانا وسلم : {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} (159) سورة آل عمران
ثاني عشر:-
الأمن والسلم المجتمعي:
وهو ركن مهم لصناعة الحياة فالأمن بمفهومه الشامل وتحقيق السلم المجتمعي والتعايش السلمي وعليه لابد من تصافر الجهود لترسيخ ذلك في الحياة ليكون معبرا لحياة كريمة
ثالث عشر:
الاستعانة بالله:
لا تتحقق مقاصد البشر وغاياتهم إلّا باستعانتهم بربّ العباد سبحانه :(وَإيَّاكَ نَسْتَعِيْنُ) فسؤال الله ودعاؤه والاستعانة به جسر الوصول إلى بلوغ المعالي فلنجعل من هذه النقاط متكأً لتحقيق صناعة الحياة إيمانا راسخا وعطاء ايجابيا في كل الساحات .
والله الموفق والمستعان .
كسلا
احمد حامد الجبراوي
١٣جمادى الآخرة١٤٤٦

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق