تحقيقات وحوارات

“سودان بور” تنشر محتوى خطبة الجمعة للشيخ أحمد الجبراوي بمسجد الحلنقة بكسلا بعنوان : التوبة حقائق وبشائر

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة الحلنقة ٨
٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ ٢٩-١١-٢٠٢٤م
*التوبة حقائق وبشائر*
محتوى الخطبة:
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ﴾ ٨ التحريم وقال تعالى: ﴿ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ﴾ ٣١ النور
أكدت الخطبة على أهميّة التوبة لرفع البلاء وإزالة الغمة عن الأمة مراجعةً للنفس وتحللاً من الذنوب كبيرها وصغيرها وعامها وخاصها وردّاً للمظالم وذلك بمسجد الحلنقة مربع ٨ اليوم الجمعة ٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ الموافق ٢٩ نوفمبر
٢٠٢٤م وقد دعت الخطبة إلى حزمة من أحكام وحقائق وأسرار التوبة ومن ذلك أهمية تسريع التوبة وتعجيلها لأن تأخير التوبة ذنب يحتاج إلى توبة أيضا وأوضحت الخطبة أن التوبة تستغرق الأوقات الثلاثة ما بين الماضي والحاضر والمستقبل فالندم على ما مضى والاقلاع في الحال والعزم على عدم معاودة الذنب مستقبلا
كما بينت الخطبة أن تعظيم الجناية من أهم حقائق التوبة فإنه إذا استهان بها لم يندم عليها ، وعلى قدر تعظيمها يكون ندمه على ارتكابها والباعث لتعظيم الجناية تعظيم الأمر ، وتعظيم الآمر ، والتصديق بالجزاء .
ومن حقائق التوبة اتهامها لأنها حقّ عليه ، لا يتيقن أنه أدى هذا الحقّ على الوجه المطلوب منه ، الذي ينبغي له أن يؤديه عليه ، فيخاف أنه ما وفّاها حقّها ، وأنها لم تقبل منه ، وأنه لم يبذل جهده في صحتها ، وأنها توبة علة وهو لا يشعر بها ، كتوبة أرباب الحوائج كالمريض ومن يريد المحافظة على حاجاته أومنزلته بين الناس ، أو أنه تاب محافظة على حاله ، فتاب للحال لا خوفا من ذي الجلال ، أو أنه تاب طلبا للراحة من الكد في تحصيل الذنب ، أو اتقاء ما يخافه على عرضه وماله ومنصبه ، أو لضعف داعي المعصية في قلبه ، وخمود نار شهوته ، أو لمنافاة المعصية لما يطلبه من العلم والرزق ، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفا من الله ، وتعظيما له ولحرماته ، وإجلالا له ، وخشية من سقوط المنزلة عنده ، وعن البعد والطرد عنه ، والحجاب عن رؤية وجهه في الدار الآخرة ، فهذه التوبة لون ، وتوبة أصحاب العلل لون وغيره مما أشار اليه الحافظ ابن القيم رحمه الله في المدارج.
ومن أحكام التوبة تذكُّر الذنب إذا خاف من الإعجاب بالعمل والغرور أو حذرا من الرجوع إليه ومن أحكامها استحداث المزيد من العبودية والطاعة بعدها بإخلاص العبادة والانكسار إلى الله وإسبال الدمع خوفا ورجاء ومحبة.
وحذرت الخطبة من العوائق المانعة من التوبة ومنها عدم ادراك خطورة الذنب فمن استصغر الذنب واقعه ومنها الشيطان ووسوسته ﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾١٦-١٧ الأعراف
ومن عوائقها الرِّفقة السيئة قال الله تعالى في مشهد من مشاهد يوم القيامة: ﴿ وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَا لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا ﴾ ٢٧-٢٨ الفرقان . فانظر كيف كانت الرفقة السيئة، وكيف كان تأثيرها: ﴿ لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا ﴾ [الفرقان: 29]. ‏وقصة أبي طالب عِبرة، وكيف كان تأثير الصحبة السيئة في عدم توبته، وإسلامه ومن العوائق الانشغال بالدنيا والتسويف، وطول الأمل فإن أنفاس العمر معدودة محدودة؛ كما قال تعالى: ﴿ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾ [لقمان: 34] ومنها البيئات المثبطة كما في حديث الذي قتل تسعا وتسعين نفسا عند ابن ماجة رحمه الله.
ومن العوائق الإلفة والعادة ومنها الرين، قال تعالي” كَلَّا ۖ بَلْ ۜ رَانَ عَلَىٰ قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ “١٤ المطففين
وبشرت الخطبة بسعة رحمة الله تعالى وإقباله على عبادة بالتوب والرحمة، وأنه سبحانه وتعالى يبسُط يده لعباده الْمُذْنِبين الْمُقَصِّرين؛ ففي صحيح مسلم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله تعالى يبسُط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسُط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلُعَ الشمس من مغربها).
بل وينزل إلى سماء الدنيا نزولًا يليق بجلاله، وذلك كل ليلة فيقول: ((هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من صاحب حاجة فأقضيَها له؟ هل من مستغفر فأغفر له؟)) بل ووعد عباده التائبين بقَبول توبتهم ومغفرة ذنوبهم؛ كما قال تعالى: ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ ﴾ [الشورى: 25]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ﴾ [طه: 82].
وتأمل: سَعَةَ وعِظَمَ شأن التوبة؛ كما قال تعالى: ﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [الزمر: 53]،
ومن بشريات التوبة تكفير السيئات ودخول الجنة وعدم الخزي في الدنيا والآخرة قال تعالى
: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [التحريم: 8]
ومن بشرياتها محبة الله تعالى : ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ﴾ [البقرة:
ومن بشرياتها البصيرة وترك الذنب ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف
ومن بشرياتها فرح الله بتوبة عبده وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “لَلهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، مِنْ رَجُلٍ فِي أَرْضٍ دَوِّيَّةٍ مُهْلكَةٍ، مَعَهُ رَاحِلَتُهُ، عَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ وَقَدْ ذَهَبَتْ، فَطَلَبَهَا حَتَّى أَدْرَكَهُ الْعَطَشُ، ثُمَّ قَالَ: أَرْجِعُ إِلَى مَكَانِيَ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ، فَأَنَامُ حَتَّى أَمُوتَ، فَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى سَاعِدِهِ لِيَمُوتَ فَاسْتَيْقَظَ وَعِنْدَهُ رَاحِلَتُهُ وَعَلَيْهَا زَادُهُ وَطَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فَاللهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ الْعَبْدِ الْمُؤْمِنِ مِنْ هَذَا بِرَاحِلَتِهِ وَزَادِهِ”(أخرجه الشيخان).
ومن بشرياتها نيل الخيرية قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ بَنِي آدَمَ خَطَّاءٌ، وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التّوابُونَ”
وغيرها من بشائر التوبة ومحفزاتها فلنقبل على الله عساه ان يرفع عنا أثقال هذه الحرب وآثارها المدمرة علينا والله المستعان والموفق
والحمد لله رب العالمين
أحمد الجبراوي
كسلا
٢٧ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ ٢٠٢٤/١١/٢٩

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق