رأي
صلاح دندراوي يكتب في نقطة ضوء: مدني… يسبقنا الشوق قبل العينين
نقطة ضوء
مدني… يسبقنا الشوق قبل العينين
بقلم: صلاح دندراوي
وإبن مدني الذي يذوب فيها عشقا وهياما الراحل المقيم فينا الموسيقار محمد الأمين ما فتأ يتغزل في مدني ويبين ملامحها .
وفي إحدى أغنياته العاطفية وإن كانت ليست لمدني يقول:
مرت لحظات وكمان ساعات
طالت وحياتك منتظرين
لو وشوش صوت الريح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين
ونعاين الشارع نلقاه
تايه في دموع المغلوبين
تلك الأغنية العاطفية التي صاغها الشاعر المرهف إسحق الحلنقي،والتي قد تكون نظمت في أحداث آخر ى، إلا إنها حقيقة كأنها كتبت الآن وفي أهل مدني التواقين لمعانقة محبوبتهم والهائمين على وجوههم تتلقغهم المنافي بعد تجاسر العدو على ديارهم.
إنهم في شوق أحر من الجمر لإحتضان تلك الأم الرؤوم التي أنتزعوا منها قسرا دون مراعاة لظرف إنساني أو مكاني.، وأن يستبدلوها بأخرى ولكنهم ما دروا أن:
الأصل ما ببقى صورة..!
يبدو أن تلك الظروف التي إنتزعت هؤلاء من حضن أمهم مدني كأنما بها تريد أن تختبر قوة تحملهم وقدرتهم على البقاء بعيدا عنها، ولكن كيف يعيش الإنسان بدون أن يستنشق الإو كسجين، وتجري دماء القلب في عروقه.
لقد ذكرت في مقال سابق كيف أنني عايشت منشطا كان خاصا بأهالي مدني بالمناقل وعندما جعل المغني يردد:
من أرض المحنة من قلب الجزيرة
برسل للمسافر أشواقي الكثيرة
وكيف أن مشاعر الرجال سالت جداول،والدموع إنهمرت شلالات كالمطر، فأدركت كم هؤلاء متيمون بمحبوبتهم مدني وكيف يمكن أن يكونوا في منأى عنها..
وإن عدنا للجزيرة -والتي تضم في حناياها مدني وغيرها من قرى وفرقان وحضر- فهي في حد ذاتها لم تكن مجرد ولاية وإنما كانت بلسما للجراح، وكانت مصدرا للغذاء وهي التي كانت تغيث أهل السودان من خيراتها وعطائها، بل منها كانت تنفجر الفنون والمواهب في الغناء والرياضة ومنها سانتو حموري وحمد والديبة،ويكفي أن يكون في الفنون ود الأمين على راس القائمة وابو عركي وآخرين، وغيرهم من علماء ووعاظ ورجال دين وأطباء وقضاء..وكل مرافق الحياة..فالجزيرة ليست ولاية فحسب.
لذا فإن وقع سقوطها في يد العدو لم يكن بالأمر الهين على قلوب أهلها، بل على كل أهل السودان،فكانت تلك اللوعة وتلك الأحاسبس، وكان ذاك الحزم في أن تسترد الجزيرة هيبتها وعنفوانها وروحها ويجري على طرقاتها الأمن والسلام، كما يجري النيل محازيا لها.
وها هي الآن ترد الأنباء وتتلقفها الأسماع قبل وقوعها في أن تحرير المدينة قد بات وشيكا وتتسارع الأنفاس متى يكون ذاك الموعد،،ولسان حال أهلها التواقون لمصافحتها يرددون:
مرت لحظات وكمان ساعات
طالت وحياتك منتظرين
لو وشوش صوت الربح في الباب
يسبقنا الشوق قبل العينين.
فمتى نعاين الشارع ونلقى جحافل النصر على أقدام جنودنا البواسل تدك العدو وتحرر تلك المحبوبة من الأسر. فقد دفع في سبيل تحريرها مهر غالي قوامه أرواح ودماء ودموع.