رأي

حيدر التوم خليفة يكتب في تأملات سياسية: روسيا ضمن صفقة مشبوهة مع الغرب ، حمت مصالحها .. باعت سوريا الي إسرائيل ، فككت محور المقاومة واستضافت الأسد

*تأملات سياسية*
*روسيا ضمن صفقة مشبوهة مع الغرب ، حمت مصالحها .. باعت سوريا الي إسرائيل ، فككت محور المقاومة واستضافت الأسد ..*
*حيدر التوم خليفة*

بدأت تتكشف ملامح الصفقة التي تم بموجبها إسقاط نظام الطاغية الأسد ، تلك *الصفقة المتفق عليها بين روسيا والمحور الغربي ، العربي التطبيعي …*

وساذج من يظن أن الجيش السوري والذي يمتلك عشرات الفرق القتالية عالية التدريب ، ولديه قوة ضاربة من الدروع تبلغ 4600 دبابة ، و450 طائرة مقاتلة ، والمئات من طائرات التدريب والشحن ، وأكثر من ذلك من الطائرات السمتية الحوامة ، وعشرات الآلاف من المركبات العسكرية وناقلات الجند المدرعة ، والراجمات ومنظومات الصواريخ الباليستية الكروز وانظمة الدفاع الجوي ، وعشرات القطع البحرية ، والاف من قطع المدفعية وغيرها ، يمكن أن *يسقط في ظرف ساعات امام مجموعات عسكرية من المغامرين قليلي التسليح ، ونسيج فسيفسائي من المقاتلين المرتزقة المنتسبين إلى أكثر من 90 بلداً* …

لا أحد يرفض مغادرة الطاغية الأسد لمنصبه باي *طريقة تحفظ لسوريا قوتها ومكانتها* ، نعم بأي طريقة الا مثلما حدث اخيراً ، والذي جعل البلد *نهباً للعدوان الإسرائيلي ، الذي صال وجال وعاث فساداً جواً وبراً وبحراً ، مدمراً لكل القدرات العسكرية السورية* امام بصر وسمع العالم الخانع لامريكا ، وفي صمت مريب ، وربما *موافقة من سكان قصر تشرين الجدد* ، من *مُطاردي السي اي ايه في العلن وخدامها في الخفاء ، وعملاء الاستخبارات الفرنسية والتركية والروسية وخلافهم* ..

ان التغيير الذي حدث اليوم والذي كان عنوانه الابرز *تحطيم الجيش السوري بقصد إخراجه نهائياً من محور المقاومة* ، لم يكن ليتم الا *بموافقة وتخطيط وتسهيل وتنفيذ روسي* ، ولكن ما هو *الثمن الذي قبضته روسيا لقاء ذلك* ..؟

قبل فترة تحدث رئيس وزراء قطر السابق *حمد بن جاسم* ان قطر انفقت 137 مليار دولار لإسقاط الأسد ، وانها كانت تشتري الضابط السوري ب 30 الف دولار ، والجندي العادي ب 15 الف دولا نظير إنسلاخهم من جيش الأسد وإنضمامهم الي الجيش الحر ، وان السعودية دفعت 50 مليون دولار لرئيس وزراء سوريا الأسبق الذي فر الي الرياض …!

ولكن لماذا كل هذا *الصرف المهول لاسقاط الأسد* ..؟

إنه *الغاز* ، وهو السبب الرئيسي الذي أشعل ما سُمي *بتسلسلات ثورة سوريا في 2011* ، وهنا تحديداً يجب أن نشير الي *رفض الأسد الموافقة على مرور خط انابيب نقل الغاز القطري عبر سوريا الي البحر المتوسط ومن ثم اوروبا* ، وذلك بإيعاز روسي ووعد بدعمه عسكريا ، لأن هذا الخط *يحرر أوروبا من خطر الاعتماد شبه الكامل* على الغاز الروسي …

للتاريخ فإن الأسد لم *يرفض العرب* ، وقد سعي جاهداً للبقاء ضمن *المنظومة العربية* بوصفه يقود نظاما تقوم *أيدولوجيته على القومية العربية ووحدة امتها* ، ولكن الاعراب هم من رفضوه ودفعوه دفعا للوقوع في *الحضن الإيراني* ، بعد أن عمدوا الي *شحن الخلاف الداخلي السوري* ، وتحويله الي *خلاف مذهبي سني شيعي* ، ومن ثم *عسكرته* بعد ذلك ، *بلا وعي* منهم ان هذا الأمر سوف ينقلب عليهم لاحقاً ، وسيكون *شراً مستطيراً* يرفرف على انظمتهم وعروشهم الخاوية الهاوية ، وهو ما سوف يرونه قريباً …

من المؤكد ان *موافقة الروس على تفكيك نظام الأسد البعثي* ، ومن ثم غض الطرف لاحقاً عن *تفكيك الدولة السورية* (وهذا امر قادم لا محالة ، مثله مثل *الإقتتال المؤجل* بين فصائل المسلكين في الداخل السوري) ، كان له ثمن تم قبضه ، وانهم لم يفعلوا ذلك الا بعد أن *ضمنوا تخلي الغرب نهائيا عن فكرة مد مشروع خط انابيب الغاز القطري* اولاً ، *واحتفاظهم بقواعدهم العسكرية على الساحل السوري* ثانياً ، وقد يكون هناك بعض *التفاهمات الأخرى فيما يخص اوكرانيا* ، وهذا امر لم يتضح بعد …

فمن المعروف ان الروس لم يدخلوا سابقاِ لإنقاذ سوريا من الآقتتال ، ولكنهم *تدخلوا لحماية مصالحهم* ، وانهم كانوا يحتفظون بالاسد في *حالة واهية ضعيفة* ، وفي حالة إحتياج دائم لهم ، وخير مثال على ذلك هو، امتناعهم عن تحديث شبكة الدفاع الجوي السوري* ، والتي فشلت في التصدي للغارات الإسرائيلية المتكررة على العاصمة دمشق وعلى العديد من المناطق العسكرية السورية المهمة ..

لقد أدرك بوتين انه *غير ملزم بضمان أمن سوريا كلها* وما يمثله ذلك من *تكاليف على اقتصاد بلاده* الذي يقع على *حافة الانهيار* نتيجة للحرب الأوكرانية ، وللعقوبات الغربية عليه ، ولماذا يفعل ذلك مع *وجود خيار اخر* ، وهو الالتزام *بضمان أمن منطقة الساحل* (الكانتون العلوي). او ما يمكن أن نسبق الأحداث ونطلق عليه *الدولة العلوية* الساحلية في (التقسيم القادم) ، فهي المنطقة التي تحوي قواعد روسيا العسكرية ، ومن المؤكد ان هذا يمثل *التزاماً من بوتين للاسد* ضمن صفقة تفكيك الدولة السورية التي *خططت لها واشنطن* منذ زمن بعيد ، *ونفذتها ورعتها روسيا* حماية لمصالحها ، وهو أيضا امر يصب في صالح الدولة الإسرائيلية ، إذ سيقود هذا الإجراء الي *خروج المقاومة السنية لإسرائيل* بالكامل من سوريا ، بل ومن *مجمل المنطقة* ، والي خنق اخر جيوب المعارضة الإسلامية فيها ، والتي يمثلها *حزب الله الشيعي* ، الذي صار يقاتل وحيداً بلا مدد خارجي ، بعد *ضرب حماس وسقوط الأسد* ، وسيادة *الأنظمة التطبيعية في الدول العربية* ، مما يمهد لإنشاء دولة *إسرائيل الكبري القائمة من الفرات الي النيل* ، وبالتالي يجعل كل دول المنطقة تحت الاحتلال الأمريكي المتخفي والملتحف بالثوب الإسرائيلي ..

ان الأسد وفي موقف جبان قد خضع للضغوط الروسية ، وإختار ان يشتري حياته بمستقبل بلده الذي تنتاشه القوي الإقليمية والدولية ، بينما عمد الروس الي *بيع سوريا حفاظا لغازهم* وإبعاداً وحماية له من الغاز القطري الرخيص ، وإحتار العرب وحكامهم وولولوا في عِظمِ المصيبة الي اورثورها لأنفسهم ، ونتمنى ان يكون في أحداث سوريا عظات لهم في مآل من يستعين بالاجنبي ضد وطنه ، او من يستجير بعملائهم إستشارة وإستنارة مظلمة ..

وعلى البرهان ان *يفهم ان إستعمال روسيا للفيتو ضد المشروع البريطاني الخاص بالسودان* ، لم يكن من أجل عيون السودانيين ، أو حباً فيه ، وإنما دفاعاً عن مصالحهم ، وان موضوع *قاعدة فلامنجو المتنازع عليها قد تدخل غداً ضمن الترتيبات الروسية* لضمان تحقيقها للمزيد من *المكاسب فيما يخص حربها في أوكرانيا*…

*حيدر التوم خليفة*
10 ديسمبر 2024
َ

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى