تفاصيل خطبة الجمعة للشيخ أحمد الجبراوي بكسلا “حَتَّىٰ لَا يَتبدّدُ الحُلُمُ”
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة بمسجد مربع ١٦ كسلا
٣ رجب ١٤٤٦ هـ
*حَتَّىٰ لَا يَتبدّدُ الحُلُمُ*
أحمد حامد الجبراوى
محتوى الخطبة:
أكدت الخطبة على أهمية تجذير العقيدة والإيمان والسمو الاخلاقي وترسيخ العدل وايحاد رؤية وطنية بتوافق وطني وتعزيز العمل والانتاج واحسان إدارة وتوظيف الامكانات والمقدرات وذلك حتى لا يضيع حلمنا بعد تسع وستين سنة من نيل بلادنا لاستقلالها والذي يتجدّد الاحتفال به باعتبار أنّه مناسبة قومية مهمّة ظلّت حلماً يراود صناع الاستقلال حتى نالوه ثم لم نلبث طيلة تلك السنوات أن بَعثرْنَا ذلك الميراث ليبقى نوستالجيا و شتات ذكريات .
*هل تبدد الحلم:*
وهو سؤال كبير ومهم و بفعلنا وتراجعنا وتفرّقنا واحترابنا وضمور الوعي القومي لدينا وحالة التشظي والانقسام والمطامع الشخصية والحزبية الضيقة أصبح الواقع غصة وأنيناً وجراحات ولا شئ يلوح في الأفق سوى الحسرة وبعضا من الأمل وبقايا من الرجاءات .
*كيف نجدد الامل؟:*
ومهما يكن من أمر فإنّ نقاطا عديدة وحيوية تجدد الامل وتجعل الحلم ممكنا منها:
١/أهمية تجذير قيم الإيمان إذ أنها أمل فالعقيدة الراسخة القوية التي يربو عليها الصغير ويرعاها الكبير باعث على النهوض ومعزز للعطاء (ألا إن في الجسد مضغة اذا صلحت صلح سائر الجسد وإذا فسدت فسد سائر الجسد ألا وهي القلب) صحيح البخاري وعليه فان صلاح الضمائر يكون بغرس العقيدة السليمة إذ أنها أسّ الإصلاح وقاعدة الانطلاق بتعظيم الرقابة الإيمانيّة الذاتية والخشية وتذكّر الآخرة والاخلاص والصدق والامانة والتعاون وحبّ الخير فنحن أحوج ما تكون لهذه المعاني التي ينبغي أن تتضافر لها جهود الأسرة والمدرسة والمسجد والاعلام والبيئة المحيطة.
٢/ لا حياة بلا عدل:
فترسيخه قيما ونظاما ومنظومات يظلّ همّا وتحديّا ولا تتحقق آمال الأمم إلّا بذلك وحاجتنا تتجدّد للخروج من ضيق النّفوس وشهوة الانتقام الى رحابة القسط واتّساق المعايير وانتظامها قياما بحقّ الحقّ والخلق قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء : 135 والقسط يشمل العقائد والعبوديات والمقالات والمعاملات فالعدل ا أساس الملك ينتظم حياة العبد كلها والقيام به من أسباب السعادة والعلو و النصر قال شيخ الاسلام ابن تيمية عليه رحمة الله (الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض ، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة وعاقبة العدل كريمة ، ولهذا يروى : “الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة ، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة” مجموع الفتاوى ونثمن ارثنا القضائي السودانى وكفاءته ومهنيته ونؤكد على أهمية استقلاليته ليقوم بدوره المرتجى .
٣/رتق النسيج الوطني
والذي به نبني عناصر الأمة وتقويتها ليشدّ بعضها بعضا فلا زلنا نعاني من التّمزق والعصبيّة البغيضة للأسف والتّحدي الذي أمامنا هو ابتناء قومية تتسامىٰ علىٰ انتسابنا المناطقي والقبلي والحزبي وإلّا فسيعاني الوطن وبنوه أشدّ المعاناة وهو أمر يحتاج لتضافر الجهود والمقدرات والوسائل كافة .
٤/الموازنة بين الواجبات الحقوق:
الناظر لحالنا يلاحظ طول عنق الحقوق والمطالبة بها في مقابل ضمور قيام المواطن بما عليه من واجبات وعليه نحتاج لتقوية الإيجابية في نفوسنا وبذل الوسع عملا وتنمية وانتاجا ومواطنة صالحة وعندها سينال الجميع حقوقه ومتى ما لم نقم بما فيها علينا من واجبات لن يتحقق ما نرومه من الحقوق
*٥/الشباب مفتاح النهضة:*
تقول الإحصاءات أن ٦٠% من سكان السودان تقل أعمارهم عن ٢٤ عاما مما يعنى أننا نمتلك عنصرا مهما للتنمية والإعمار متى ما أحسن توظيفه بربطه بقيم الدين ومعالى الاخلاق وعمقت لديه الوطنية واعطى دوره فى الحياه عبر التوظيف بمحاربة العطالة ومشروعات الانتاج والبناء والصناعة واحطناه بالحماية مما يعيق عطاءه من مغيبات العقل المعنوية والمادية ومفسدات الحياة وسفاسف الشواغل والملهيات ليغدو ناضجا واعيا وثّابا طموحا مبتكرا مبادرا فلابد من إيلاء الشباب اهتماما أكبر وهم يمثلون اكثر من نصف الحاضر وكل المستقبل .
٦/رؤية بتوافق وطني
ان من اعظم ما يتحقق به الأمل هو بناء رؤية وطنية على توافق وطني كبير نؤسس بذلك لوطن جامع نتفق فيه على الكليات وتتنوع رؤانا في تفاصيل وكيفيات الانجاز فالاتفاق الكامل محال قال تعالى: وَٱعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ ٱللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ ” آل عمران:103 وقال تعالى: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلْبرِ وَٱلتَّقْوَىٰ وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ المائدة:2 وان حاجتنا اليوم ونحن نواحه تحديات عظيمة وسيولة امنية وانسددادا في الافق السياسي واعجاب كل ذي رأي برأيه ان نتنازل لأجل وطننا ونتسامى على جراحاتنا وندوس على خلافاتنا ونحتمل بعضنا حتى لا نفقد وطننا ولا نجد ما نختلف عليه فالسيناريوهات المتوقعة ازاء الخلاف وخطاب الكراهية والتخوين وتبادل الاتهامات من شأنه ان يمزق النسيج الوطني ويذهب بالوطن ويبدد الجهود وعليه فلابد من تنادي العقلاء وتوافق اهل البلد لاجتماعٍ يجنّبنا المخاطر ويدرأ الفتنة ويحقق قدرا من التوافق تحمى به الأرواح وتحقن الدماء ونحافظ به على حدودنا ومواردنا والّا فالعواقب وخيمة .
٧/الحاجة لاظهار الهوية السودانية النابعة من انتماء مجموع الشعب السوداني لدينه الحنيف للمُحافظةِ على تميُّز الأمة وتفرُّدها اجتماعيّاً ، وقوميّاً و ثقافيّاً ولأنها تُساعدُ في الإعلاءِ من شأن الأفراد فى المُجتمعات وتساهم في زيادةِ الوعي بالذّات الثقافيّة والاجتماعيّة ، ممّا يساهمَ في تميُّزِ الشّعوب عن بعضها فالهُويّة جزءٌ لا يتجزّأ من نشأة الأفراد منذُ ولادتهم حتّى رحيلهم عن الحياة وبالتالي يساهم في التّعبيرِ عن مجموعةٍ من السّمات الخاصّة بالشخصية السودانية لأنّها تُضيفُ للفرد الخصوصيّة والذاتيّة ، كما إنّها تعتبرُ الصّورة التي تعكسُ ثقافته ولغته ، وعقيدته ، وحضارته و تاريخه وأيضاً تُساهمُ في بناءِ جسورٍ التّواصل بين كافة الأفراد علي الصعيدين الداخلي و الخارجي مُعتمداً على اختلافِ اللغة ، أو الثّقافة ، أو الفكر ، أو اختلافاً كُليّاً في كافّةِ المجالات دون استثناء واعتماد ذلك يضمن العدالة والسماحة لشركاء الوطن تقاسما لخيره وتكاتفا في الذود عنه كما نصت وثيقة المدينة.
٨/ لاصراع بين الدين والدولة فتلك الثنائية لا وجود لها في واقعنا المسلم فهو طرح يختلف جذرياً باعتبار المرجعيات التراثية والتاريخية الناشئة نتيحة الصراع بين الكنيسة ومن خرجوا عليها فإن الدين عندنا ظل حاضنا ومحفزا للتطور والنماء مما يجعل واقعنا لا يحتمل تلك القطيعة بحال سيما وأن دول الديمقراطيات العظمي تجاوز منظروها القطيعة التاريخية مع الدين ليجعلوه مؤثرا ومحفزا فى تعاطيهم الدستوري والسياسي و رمزيات اممهم وشعاراتها فلا يمكن أن نكون ملكيين أكثر من الملك. فالرصيد التاريخي والحضاري لأمتنا وعطاؤها المعلوم دافع قوي لبناء هذه الثنائية لتختط امتنا طريقها مقابل تحديات الواقع يعضدها مرجعية الكتاب الهادي قال تعالي :- “ثُمَّ جَعَلنَٰكَ عَلَىٰ شَرِيعَةٖ مِّنَ ٱلأَمرِ فَٱتَّبِعهَا وَلَا تَتَّبِع أَهوَآءَ ٱلَّذِينَ لَا يَعلَمُونَ” 18 الجاثية .
٩ /التنوع قوة بحسن الادارة
تمتاز الأمة السودانية بالتنوع فى الانتماءات الاثنية والتي تمثل عنصر قوة فالتنوع متى ما أحسن النّاس ادارته وتوظيفه غَدَا قوّةً لا يُستهان بها وإلّا فإنّه سيمسي نقطة ضعف تَعُوْقُ بناء الأمّة وتُعوّق مسيرتها كما هو حاصل الآن إذ لا زلنا بعد كل تلك السنوات نعاني من تقاسم السلطة والثروة على الاثنيات والمطالبة عبر الجهويات فلم تزدنا سنوات الاستقلال إلا بعدا من بعضنا بسبب فشل النخب المثقفة واستقطاب القوي من حولنا وتقديم المصالح الخاصة على العامة وبفعل الحرص والتنافس والتحاسد وقد جاء الوعيد بالدعوة للعصبيات ففي سنن أبي داود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((ليس منا من دعا إلى عصبية ، وليس منا من قاتل على عصبية ، وليس منا من مات على عصبية))
١٠ /الموارد والفرص المهدرة :
إن السودان وهو يذخر بالمقدرات البشرية والموارد الاقتصادية وفرةً في الماء وخصوبةً فى الارض مع الاتساع وتعدد المناخات وثروة حيوانية بأعداد تفوق الحصر وثراءً فى المعادن وتوفرا لمصادر الطاقة ومع ذلك فلا زالت بلادنا تشكو من الفاقة والفقر فلا يزال 65% من السكان تحت خط الفقر و 75% من السكان ينفقون دخلهم على الغذاء وارتفع معدل البطالة على 40% فما أحوج بلادنا الي ايجاد قيم الايمان ثم القيادة الملهمة الناجحة التى تفجر الطاقات وتحقق الأمنيات .
قال تعالي:- ” فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا (13) وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتًا (17) ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجًا (18) وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ بِسَاطًا (19) لِتَسْلُكُوا مِنْهَا سُبُلًا فِجَاجًا (20) ” نوح .
١١ /تقوية منظومات الدفاع والأمن القومي
وهي واجهات قومية تتيم بالمهتية والعمق التاريخي وانا مان الأمن همّ متعاظم لاتساع الحدود والتنازع الداخلي وتجاذبات الاعداء حولنا ومطامع المستعمرين والحاجة والفقر وهشاشة الدولة وقصر يدها وضعف اللحمة الوطنية وتنامى الجريمة والجريمة العابرة كل ذلك يشكل واقعا يفرض تراتيبيات أمنية معقدة جدا مع تواجد حركات مسلحة وخلايا نائمة وغيرها وعليه فنحن نحتاج الى حزمة متكاملة من البناء الايماني ورصّ الصف الوطني واحتمال بعضنا وتقوية اجهزتنا النظامية وتجديد الثقة فيها وتقديرها واحترامها وتحفيزها لحماية البيضة وحراسة الحدود قال تعالى:– “الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ” ٨٢ الانعام فالتوحيد مفتاح للأمن و للتعايش السلمي .
١٠/اختيار اهل الكفاءة معزز للأمل ومحقق للنهوض قال تعالي:
” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ” القصص (26) وذكر العلماء انص التولية بغير هذين الاشتراطين خيانة لله ولرسوله واستشهد شيخ الإسلام في تجريمه وتوصيفه لهذا المسلك بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( من ولي من أمر المسلمين شيئاً ، فولى رجلاً وهو يجد من هو أصلح منه ، فقد خان الله ورسوله) رواه الحاكم وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئاً فولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما ، فقد خان الله ورسوله والمسلمين) راجع السياسة الشرعية لابن تيمية.
١١ /قضايا السلام والحوار :
لا يزال السلام يأخذ أولوية قصوى لدى الدولة وما ذاك إلا بسبب الحزبية الضيقة والجهوية المقيتة مما عمق جراح الوطن وأن فى الحوار البنّاء بركائزه واهدافه الواضحة وبالتجرد التام من أجل إعلاء الوطن على الذات الحزبي أو الجهوى أو الشخصي لسلام تتحقق به الأماني ويُذهِب القطيعة الوطنية ويكون جسرا للتنمية المتوازنة مراعاة لمناطق الحرب والهشاشة بمظلة وطنية خالصة بعيدا عن استقطاب الخارج واغراءاته وعليه فلابد من تعظيم حرمة الدماء وحقنها ووضع السلاح والتفرغ للبناء والأعمار.
وبعد
فإن مفتاح الأمل من قبل وبعد في اتساع الرجاء فيما عند الله تعالى بحسن الظن وحسن اللجوء والرجوع والتوبة والانابة إليه وتجديد العزائم .
والله الموفق
أحمد حامد الجبراوى
المحامي
كسلا
٢٠٢٥/١/٣