رأي

ياسر الفادني يكتب في من أعلى المنصة: الطَلْقَة الفَشَنْك!

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

الطَلْقَة الفَشَنْك!

الفشل السياسي في السودان أصبح كالحريق المستعر، كلما خمد في نقطة اشتعل في أخرى، متسعًا في رقعته ليطال كل محاولة للإصلاح. واحدة من أحدث صور هذا الفشل تتجسد في تجمع سياسي مأزوم، يسعى غدًا إلى التوقيع على ميثاق سياسي، تمهيدًا لتكوين حكومة موازية في نيروبي. هذه الخطوة ليست سوى نسخة جديدة من سلسلة الإخفاقات السياسية التي ظلّت تضرب المشهد السوداني في العمق.

منذ الوثيقة الدستورية، التي كان يُفترض أن تؤسس لمرحلة انتقالية مستقرة، بدأ الانحدار التدريجي نحو الفوضى. لم تكن ما يُسمّى بالوثيقة الدستورية سوى حبر على ورق، وقع عليه جناح سياسي فاشل ومتطلّع متهور أشعل حربًا. فشلت تلك الوثيقة في احتواء التناقضات العميقة بين القوى السياسية والعسكرية، مما مهّد الطريق لانهيارات متتالية. تلاها الاتفاق الإطاري، الذي وُلِد مشوهًا، ولم يستطع أن يتكيف سياسيًا مع تطلعات الشعب السوداني، فانقرض. بل كان أحد العوامل المباشرة التي أسهمت في اندلاع هذه الحرب الكارثية، إذ لم يتمكن من أن يكون أرضية توافق حقيقية، بل زاد المشهد السياسي تعقيدًا، ودفع البلاد نحو مزيد من العنف والاحتراب.

حتى المحاولات الدولية، التي تمت بإيعاز من الفاشلين تحت غطاء الدعم الإنساني، لم تجد طريقها للنجاح. فقد أُجهضت محاولات إدخال قوات أممية نتيجة لصراعات المصالح الداخلية والخارجية، وغياب رؤية وطنية موحدة يمكنها الاستفادة من أي دعم خارجي دون التنازل عن السيادة الوطنية. فكان الفشل حاضرًا مجددًا، كعلامة ثابتة على كل المبادرات والمشاريع التي طُرحت لمعالجة الأزمة السودانية.

أما آخر الطلقات الطائشة، فهي فكرة الحكومة الموازية التي ستخرج من هذا التجمع، والتي ستولد ميتة منذ لحظة إعلانها. إنها انعكاس لمزيد من الانقسام والتشظي، وكأن البلاد بحاجة إلى مزيد من التشتيت بدلًا من التوحيد. لا تحمل هذه الخطوة أي أمل أو مشروع قابل للحياة، بل هي مجرد استعراض سياسي يهدف إلى التغطية على إخفاقات الميليشيا، وليس له قيمة حقيقية، بل يعمّق الأزمة بدلًا من حلها.

إني، من منصتي، أنظر… حيث أرى… أن هذه المحاولات الفاشلة ليست سوى طلقة فشنك! تُحدث ضجيجًا لكنها لا تصيب هدفًا، تُطلق في الهواء دون أثر سوى مزيد من الفوضى والخراب. ويبقى أن من موّل ترتيبات الوثيقة الدستورية، والحوافز الشهرية لحكومة حمدوك الفاشلة، والاتفاق الإطاري، والحرب، وفعاليات اختيار حكومة المنفى، هم نفس الشخصيات والجهات. وسوف يضيع هذا المال هدرًا كما ضاع من قبله. إذن، “مال جاحدين ياكلوه واحدين”!

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى