ياسر الفادني يكتب في من أعلى المنصة: جنرالات وسياسيون قادوا ثم سادوا

من أعلي المنصة
ياسر الفادني
جنرالات وسياسيون قادوا ثم سادوا
في أزمنة المحن حين تشتد الحروب وتتحطم الآمال على صخور المؤامرات ، يظهر معدن الرجال الحقيقي في هذا الوطن الأبي ، وسط زخم المعركة التي فرضت عليه قسرًا ،خرجت من رحم الأزمة قيادات عسكرية وسياسية صلبة، واجهت النيران بكل شجاعة، ووضعت أرواحها على أكفّها من أجل الوطن هؤلاء هم الجنرالات والسياسيون الذين قادوا ثم سادوا ، صنعوا من التحديات جسورًا للانتصار بينما خصومهم الذين جاءت بهم الصدف إلى المشهد سرعان ما انكشفوا وسقطوا في مستنقع الخيانة والتآمر ليصبحوا مجرد ذكرى بائسة في مزبلة السياسة.
منذ أن دُقّت طبول الحرب نهضت القوات المسلحة السودانية بمسؤوليتها الوطنية والتاريخية. قادتها وجنرالاتها لم يكونوا مجرد ضباط يحملون الرتب فحسب بل رجالًا خطّوا بطولاتهم بالدم والحديد ، صاغوا الإنتصارات بتكتيكات عسكرية محترفة جعلت العدو يتراجع تحت وطأة الضربات المحكمة، لم تكن حربهم مجرد رد فعل، بل كانت إستراتيجية متكاملة قائمة على الإيمان بالوطن والإصرار على تحريره من براثن المليشيا وزبانيتها الطامعين
هؤلاء القادة لم يختبئوا خلف المكاتب، بل كانوا في مقدمة الصفوف، يشاركون الجنود الميدان والمعاناة، بعضهم نال الشهادة، وبعضهم لا يزال يقاتل بروح لا تعرف الاستسلام بفضلهم، تحررت مدنٌ سُلبت، وعاد الأمن إلى مناطق كانت على شفا السقوط في قبضة المليشيا المتربصة. إنهم جنرالات العزة، الذين صمدوا حين هرب الآخرون، وقاتلوا حين خارت عزائم الخائنين
بينما كان الجنود يرسمون بدمائهم ملامح التحرير كان هناك سياسيون وطنيون يمسكون بزمام الأمور بحكمة القائد لا بعشوائية الإنتهازي ، هؤلاء لم يكونوا تجار أزمة أو سماسرة حرب، بل رجال دولة أدركوا أن السياسة ليست مجرد خطابات، بل قرارات حاسمة، وصبر إستراتيجي، وإدارة واعية للأزمة
هؤلاء السياسيون لم يكتفوا بالكلام، بل حمل بعضهم السلاح، وزجّوا بأبنائهم في ساحات المعركة ليكونوا مثالًا حيًا للوطنية الحقة، لم يكن هدفهم البحث عن مكاسب ذاتية بل قيادة المجتمع نحو تلاحم تاريخي مع القوات المسلحة، وقفوا ضد الدعايات المغرضة، وكشفوا مؤامرات العدو، وعبّدوا الطريق نحو النصر بثباتهم السياسي وعقلانيتهم الاستراتيجية
لم تكن الحرب عذرًا لتعطيل الحياة في الولايات السودانية، بل كانت اختبارًا لصلابة القادة المحليين. برغم الفوضى التي خلّفتها المليشيا، نهض ولاة الولايات من تحت الأنقاض وقادوا مجتمعاتهم نحو إعادة البناء، لم يستسلموا لوحشية الحرب ولم يسمحوا بإنهيار الخدمات، بل ظلوا صامدين، يسعون لإستعادة الأمن وإعادة تأهيل ما دمرته أيادي الغدر
أولئك الولاة لم يكونوا مجرد إداريين، بل رجال ميدان حاربوا بالسلاح أحيانًا، وبالإدارة الصارمة أحيانًا أخرى، ليضمنوا بقاء ولاياتهم واقفة، رغم كل المحاولات لإغراقها في الفوضى.
لكن كما أن هناك رجالًا قادوا ثم سادوا، هناك أيضًا آخرون ظهروا حين صدفة، وسرعان ما تهاووا حين جاءت لحظة الحقيقة. إنهم أولئك النشطاء الذين اعتقدوا أن السياسة مجرد شعارات، وأن القيادة يمكن أن تُختزل في منشورات فارغة على وسائل التواصل، ظنوا أن بإمكانهم بناء مجد على أنقاض معاناة الشعب، لكنهم وجدوا أنفسهم في النهاية مجرد أدوات في يد الأعداء، يُستخدمون حين الحاجة، ثم يُرمى بهم في زوايا النسيان.
أما ما يُعرفون بـ”جنرالات الخلاء”، فهم أولئك الذين هربوا عند أول إختبار، وتركوا خلفهم جنودهم يواجهون المصير وحدهم. اعتقدوا أن الصدفة قد تجعل منهم قادة، لكن القائد لا يُخلق بالصدفة، بل يُصنع بالمواقف والتضحيات واليوم نجدهم مجرد أسماء شاحبة في المنافي، يحاولون إعادة تسويق أنفسهم من نيروبي، متناسين أن الشعب لا ينسى الخيانة، وأن التاريخ لا يرحم المتخاذلين.
إني من منصتي انظر….. حيث أري….. أن التاريخ لن يرحم، ولن يساوي بين من صمدوا ومن فرّوا، بين من قادوا ببطولة ومن تآمروا بخسة، بين من صنعوا النصر ومن باعوا الأوطان ،اليوم يكتب السودان تاريخه بدماء الأبطال ويضع في صفحاته أسماء من قاتلوا بشرف بينما يرمي بالخونة إلى الهامش، حيث لا ذكري ولا مجد ! ، كما أن هناك رجالًا سيظل التاريخ يذكرهم كقادة عظماء، هناك أيضًا من سيبقون مجرد عارٍ في ذاكرة الوطن، لا يُذكرون إلا كمثال للخيانة والخذلان ، واليوم ونحن نشهد هذه الحقائق تتكشف ندرك أن السودان لم يعد بحاجة إلى (صدف سياسية) بل إلى رجال دولة وجنرالات ميدان، قادوا بشرف، فاستحقوا أن يسودوا.