رأي

د. بابكر عبد الله محمد يكتب: الفيلسوف علي خضر بخيت بين المنظور الأكاديمي ومعايير تطبيقات البحوث العلمية الحديثة … الحلقة الرابعة

بسم الله الرحمن الرحيم
الاثنين ١٧ رمضان ١٤٤٦ هجرية
الموافق ١٧ مارس ٢٠٢٥م
[[ الفيلسوف / علي خضر بخيت بين المنظور الاكاديمي ومعايير تطبيقات البحوث العلمية الحديثة ]]
الحلقة الرابعة
سبق وأن اشرت اننا بتناولنا لماثر الفقيد وذكر مناقب المرحوم انها من باب ذكر محاسن الرجل لنقتفي اثره ونقتدي به حتي يكون ذلك من باب الحض علي أفعاله الطيبة وسيرته الحسنة بين الناس وبذلك نتقرب الي الله تعالي فتزداد حسناته ويكتب له نفس الجزاء من هذا الباب ويكون ذلك مدعاة للاخرين ليحذوا حذوه. ولقد اخترت ان اتناول موضوع كتابه الهام الذي نشره من قبل في العام ١٩٨٥م من وجهة نظر اكاديمية وتقريظ وتكريم للمرحوم واعلاءا لشانه بين الناس كافة.
وتكمن أهمية موضوع البحث العلمي في ايمان الباحث في الموضوع الذي يبحث فيه ..وانطلاقا من مفهوم العلة والمعلول . اوضحت في الحلقة السابقة ان العلة حسب منظور العلماء والحكماء والفلاسفة، هي العلة العقلية ويمكن أن نقول انها علة عقلية لازمة …والمعلول هو الناتج عنها فإن كانت داخلية ، هي ماهية العلة ، وأن كانت لها أجزاء خارجية فهي علة وجود متعدية ….بمعني ان لها تاثيرات متعدية نتيجة عوامل خارجية …
ولذلك دعونا نتفكر اكثر في البحث المنشور للدكتور علي خضر بخيت بعنوان [[ مصادر التمويل الداخلي للتنمية الاقتصادية في الإسلام ]]
والشاهد ان ماهية العلة العقلية وجدت اهتماما كبيرا من الباحثين والفقهاء وعلماء الدين في مختلف عصور الإسلام…ولكن بعد ان واجه الإسلام في القرن العشرين تحديات الاستعمار والانكشاف الثقافي جرد علماء اجلاء ابرزهم الدكتور محمد باقر الصدر حينما كتب [[ فلسفتنا ]] وصدر له كتابه فلسفتنا في العقد الثالث من عمره عام 1959م، قدم فيه دراسة موضوعية لمعترك الصراع الفكري القائم بين مختلف التيارات الفلسفية وخاصةً الفلسفة الإسلامية والفلسفة الماركسية.
ثم قام دكتور محمد باقر الصدر مرة اخري باصدار كتاب [ اقتصادنا ] والذي لا زال يشكل مرجعاً للكثير من قواعد البنوك الإسلامية، حيث إنه كتاب يتحدث عن الاقتصاد الإسلامي ومزاياه ويتحدث عن أضرار الاقتصادات الأخرى مثل الاشتراكية والرأسمالية.. وغيرها ويقارن بينها.تميز الكتاب بأسلوبه الراقي وأسلوب النقاش الصحيح في تفنيد وتوضيح السلبيات التي تقع في الأنظمة الاقتصادية الاخري اعقب ذلك موجة بعث جديدة لدراسة الاقتصاد من منظور فلسفة الإسلام ونشات مراكز لدراسات الاقتصاد من منظور وفلسفة الإسلام . لقد.ظل المسلمون في حاجة دائمة لصناعة قوالب للتطبيق من وحي القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة واقتفاء ذلك انما يحمي الفلسفة الاسلامية من غيابها ويباعد بينها وبين مخاطر الحرب المفروضة علي الاسلام …لانه في المقابل لا يوجد مفهوم للاقتصاد المسيحي او النصراني او اليهودي .بل قوالب علي المتهج التجريبي أوجدت قوالب للتطبيق …بل سمى الماركسيون اقتصادهم بالاشتراكي والليبراليون سموا اقتصادهم بالراسمالي دون ذكر للفلسفة الايمانية رغما عن ان الثانية مزجت مابين روحانية الكنيسة ومادية المعبد او الكنيس اليهودي .ولقد فشل النظامين في حل مشكلات العالم الاقتصادية والتي شكلت قمة العلة والمعلولية وبدات تبحث عن مخرج لايجاد.تطبيقات للتمويل بدون فائدة بعد ان اغرقت العالم في مشكلة الربا وسعر الفائدة الذي ادي للعقم والفقر في ابعاد مناحي وافاق التنمية في العالم . وها هي الحدود قد تلاشت بين الدول فيما عرف بالعولمة[[ Globalization ]] والتي أطلت علي العالم علي كافة الاصعدة وما زلنا كمجتمع مسلم مقعدين ومفلسين رغم ثراء فلسفة الإسلام وذلك دون ايجاد قواعد.للتطبيق لفلسفتنا التي نؤمن من انها تقدم الحلول لهذا العالم المعلول الغارق في الجاهلية ومحاربة الله تعالي بافشاء الربا ..ولكن للأسف ما زال علمائنا والباحثين يقدمون علي المؤامة بين الانظمة القائمة راسمالية واشتراكية ويظنون انها تنقذنا من الضلال الفلسفي للقوالب المطبقة والتي اثبتت الايام فشلها ..وبالرغم من ان العديد من الممارسين والعلماء في الاقتصاد الاسلامي لهم مساهماتهم المقدرة وابرزهم دكتور خورشيد احمد الخبير الاقتصادي الباكستاني وأحد رواد الاقتصاد الإسلامي في العالم، وهناك ايضا محمد نجاة الله صديقي والذي تلقى تعليمه في جامعة عليكرة الإسلامية ، وعمل أستاذًا للاقتصاد في جامعة الملك عبد العزيز بجدة. وفي مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي . ثم أصبح لاحقًا زميلًا في مركز دراسات الشرق الأدنى بجامعة كاليفورنيا ، لوس أنجلوس ، ثم باحثًا زائرًا في المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، التابع للبنك الإسلامي للتنمية ، جدة .كان صديقي كاتبًا غزير الإنتاج باللغتين الأردية والإنجليزية. ولعل كتابه الأكثر قراءة على نطاق واسع هو “المعاملات المصرفية بدون فوائد.”. كما برز أيضا البروفسور حسن عبدالله الامين والذي عمل أيضا بمركز ابحاث الاقتصاد الإسلامي وقدم العديد من البحوث في مجالات عدة منها : الاستثمار اللاربوي في نطاق المرابحة و المبادئ الإسلامية في الخراج وحكم التعامل المصرفي في الربا وسندات المقارضة وسندات الاستثمار و خطابات الضمان وقدم العديد من المحاضرات… والشاهد علي ذلك أن معظم هذه الاعمال لم تخرج عن قضايا تتناول الحلال والحرام من خلال النظم المصرفية الموجودة والمتعارف عليها ..
وعليه فان دراسات ستينات وسبعينات القرن الماضي ركزت علي جوانب الفلسفة بينما دراسات أوائل السبعينات وما تبعها واوائل الثامنينات حاولت المزج بين النظم القائمة… فنشات نتيجة هذا الزخم الفلسفي تجربة لم تستطع ان تصمد كثيرا أمام المصارف القائمة اصلا ولم يتسني لها الي الآن ان تبرز تجربة اسلامية نقية من شوائب الربا وسعر الفائدة..
ولعل أسوأ تجربة قدمت للعالم الاسلامي في تسعينات القرن الماضي وتحديدا في العام ١٩٩٧م .ومن وجهة نظري هي تجربة بنك غرامين في بنغلاديش والذي اخذ من مصادر التمويل الداخلي للتنمية الاقتصادية فكرة علة الماهية وهي [[الزكاة ” الفقراء ” ]] دون الإشارة للاقتباس واخذ من علة الوجود. لمعالجة المعلول بالتمويل من مصادر تمويل خارجية مباشرة ومن البنك الدولي فقدم تجربة التمويل الأصغر في بنغلاديش والتي دعمت من البنك الدولي ومن جهات وصناديق تمويل عالمية ولقت نجاح منقطع النظير في تحريك عمليات الإنتاج ولكن لم تراوح ازمة سعر الفائدة في مجتمع مسلم ونال بموجبها البروفسور محمد.يونس جائزة نوبل في الاقتصاد في العام ٢٠٠٠م. وهي تجربة حاولت العديد من الدول ومن بينها السودان ممثلا في البنك المركزي والذي خصص ما نسبته ١٠% من التمويل لمقابلة برامج التمويل الأصغر وقامت بموجبها بنوك مثل بنك العمال وبنك الأسرة وبنك الادخار وبنك الإبداع وكافة البنوك التجارية الاخري وقدمت تمويلات متعددة ولكنها لم تثمر او تحل معضلة ..وكلها في تقديري لم يكتب لها النجاح في تقديم حلول اقتصادية ناجعة لحل مشكلات المجتمع وصغار المنتجين وذلك لارتباطها واشتراطها علي عدد من المعايير منها ؛
1/ الضمان
2/ اسعار الفائدة علي التمويل .
3/ اجل السداد.
وعلي ضوء ذلك نفيد ان بنك الفقراء(( بنك غرامين )) قدم اسعار فائدة تعتبر الأعلي وهي مرتفعة مقارنة بالبنوك التقليدية إذ تبلغ فائدة ( غرامين ) علي اساس الرصيد المتناقص علي منتجه الائتماني الرئيسي حوالي ٣٠% وقد.نوع بنك غرامين انواع القروض التي قدمها ..والفشل يكمن في انه قدم نموذجا يقوم علي الربا في دولة نسبة المسلمين فيها قرابة ال٩٩% ..
وبمثل ما تقدمنا به في المنشور فإن الدكتور علي خضر بخيت قدم إجابة صريحة علي [[علة التمويل]] بعبارة وعنوان بحثه [[ مصادر التمويل الداخلي للتنمية الاقتصادية ]] وهي قيمة اعلام ركن الزكاة وفضيلة اعمال الوقف في الاسلام ومصادر الصدقات الاخري من العبادات المالية في الإسلام وزكاة الزروع وخراج الأرض من الزروع و الذهب والفضة والمعادن كافة والجزية والضريبة التي يفرضها الحاكم بكافة الأنواع والأشكال…وهي كافية جدا لارساء دعائم اقتصاد ورخاء وتنمية البلاد . اما العلة ذات الأجزاء ومؤثراتها الخارجية فلها علاجها من خلال أدوات تحددها سياسة البنك المركزي او بيت المال المركزي للقروض من خارج البلاد …
ان موارد المال عند المسلمين ضخمة جدا و تتنظر فقط من يؤطر لها في تجربة فريدة وليس بمسميات مشابهة لما يعتري الازمة الحالية لتجربة البنوك الربوية. لماذا مثلا لا نسمي البنك المركزي [[ بيت المال القومي ]] ونسمي فروعا له [[بيت مال الزكاة ]] وينتشر في كافة المدن والقري والارياف ليؤدي وظيفة الركن الثالث في الإسلام (( الزكاة )) …وينتشر كانتشار المساجد.في كافة اصقاع وربوع السودان .
والله الموفق
د. بابكر عبدالله محمد.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى