رأي

ياسر الفادني يكتب في من أعلى المنصة: عسكريا …الحرب إنتهت !!

من أعلي المنصة

ياسر الفادني

عسكريا …الحرب إنتهت !!

عسكرياً، يمكن القول إن الحرب قد إنتهت الخرطوم ، العاصمة التي كانت تمثل القلب النابض لقوة المليشيا، سقطت من قبضتها الثقيلة بعد أن كانت مركز ثقلها العسكري الأكبر، من حيث العتاد والانتشار والتمركز الاستراتيجي أكثر ما كان للمليشيا من قوة وهيبة وتكتيك تمركز فيها ، في شوارع الخرطوم، خلف جدرانها وسقوفها العالية وتحت أنقاض بيوتها التي تحولت إلى خنادق، حيث اعتقدوا أن التفوق في المدن يعطيهم الأمان الأبدي، لكن سقط الوهم، كما تسقط الهياكل التي لا روح فيها

عندما بدأت المليشيا تمددها خارج الخرطوم، جنوباً نحو النيل الأزرق وشرقاً نحو الفاو وشمالاً حتى الجيلي، ثم غرباً نحو دارفور، كانت تُقحم نفسها في انتحار تدريجي ، هذا ما يُعرف عسكرياً بالتمدد غير المدروس، وهو الانتحار البطيء لأي قوة غير منظمة تفتقر للحكمة المركزية، هم تخلوا عن معقل قوتهم لصالح وهم السيطرة الشاملة، فتمددوا وتفككوا. والنتيجة؟ سلسلة هزائم متتالية، جلبها تفكير مراهق عسكرياً لا يعرف الفرق بين الانتشار والسيطرة

القوات المسلحة كانت تقرأ هذا التمدد جيداً، لم يكن اقتحام الخرطوم خياراً سهلاً، لأن التكاليف العسكرية كانت ستكون باهظة من حيث الأرواح والعتاد، وهذا ما استدعى التخطيط الذكي والاشتغال بالصبر، الجيش لم يسقط في فخ العجلة، وبدلاً من ذلك، استفاد من انهيار المليشيا الداخلي، ومن انكشاف ظهرهم بعد فقدان عناصرهم الأكثر تدريباً، ومن اعتمادهم المذل على تجنيد محلي هش من حيث الكفاءة والانضباط، كل هذا التشتت أتاح للمخابرات العسكرية أن تلعب لعبتها باحتراف، وأن تخترق، وتراكم المعلومات، وتُنهك عدوها قبل ضربة الخنجر

الخرطوم، المدينة التي استبيحت بشراسة، أصبحت الآن بوابة النهاية. ومع سقوطها عسكرياً، لم يعد للمليشيا ما يحميهم سوى الجغرافيا القاسية لدارفور، لكن معارك دارفور تختلف تماماً، لم تعد حرب مبانٍ ولا شوارع ولا متاريس مدنية، هناك في الغرب، الحرب تُخاض على الأرض المكشوفة، والسماء ترى كل شيء ، لا مجال للاختباء، ولا غطاء يمنع الاجتثاث، لا سيما مع تكتيك الجيش الذي أصبح يحاصر، يقطع الإمداد، ثم يطحن ما تبقى

الفرق الجوهري هو في العقيدة القتالية أن الجيش يتحرك بعقيدة التقدم إلى الأمام، عقيدة حقيقية مؤسسية ومبنية على تدرج وتخطيط وهدف، أما المليشيا، فعقيدتها التراجع، الانسحاب، الهروب من مواجهة المصير هذا الفارق هو الذي سيحسم المعركة النهائية

سنسمع قريباً، بلا شك، أن أكبر عصابة إجرامية في إفريقيا، وربما في العالم، قد انتهت ، تلك التي أرادت أن تمزق السودان إلى أشلاء، أن تحوله إلى ساحة خراب دائم، وأن تستبدل الدولة بعصابات. لكنهم فشلوا، وكما تبدأ الحروب بالوهم، تنتهي بالحقائق ، والواقع اليوم يقول: الحرب انتهت… وسينتهي معها الحلم المليشاوي المريض.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى