رأي

مهند خبير يكتب في نبض الغلابة: الفريق مالك عقار… نجاح قومي… وإخفاق في الإقليم

مهند خبير

نبض الغلابة…


الفريق مالك عقار: نجاح قومي… وإخفاق في الإقليم

عندما يُذكر اسم الفريق أول مالك عقار إير، تقفز إلى الأذهان صورة الرجل القادم من أعماق جبال الأنقسنا في النيل الأزرق، والذي قرر منذ شبابه أن يحمل همّ أهله وقضايا الهامش على كتفيه، متخلياً عن الطباشيرة كمعلم في الفصول، ليحمل السلاح مقاتلاً في صفوف الجيش الشعبي لتحرير السودان، ساعيًا للعدالة والمساواة بين المركز والهامش.

من فصول التعليم إلى ساحات النضال

كانت انطلاقة مالك عقار من خلفية بسيطة، تُجسد معاناة الإنسان السوداني في الأقاليم الطرفية، حيث التهميش المزمن، وانعدام التنمية، وشح الخدمات. ترك سلاح التعليم، وانضم لحركة التمرد آنذاك، قناعةً منه بأن قضايا الهامش لا يمكن أن تجد أذناً صاغية من المركز إلا عبر صوت البندقية.

في عام 2005، وبعد توقيع اتفاق نيفاشا، عاد عقار والياً على إقليم النيل الأزرق، ممثلاً للحركة الشعبية، في محاولة لترجمة رؤية “السودان الجديد” إلى واقع ملموس. ثم فاز مجدداً في انتخابات 2011، ليُعتمد والياً منتخَبًا، قبل أن يدخل في صدام سياسي مع المركز، ويعود إلى العمل المسلح، ومن هناك بدأت مرحلة جديدة من مسيرته.

العودة من الغابة إلى مجلس السيادة

عاد الفريق مالك عقار إلى الخرطوم هذه المرة كزعيم سياسي رفيع، ضمن اتفاق جوبا للسلام، وتم تعيينه لاحقاً عضواً في مجلس السيادة الانتقالي. ومع اندلاع الحرب في 2023، وجراء الظروف المعقدة التي عصفت بالبلاد، تم تعيينه نائباً لرئيس مجلس السيادة – موقع يحمل ثقلاً سياسياً ومسؤولية قومية هائلة.

نجاح في المركز… وخيبة في الإقليم

لا شك أن لعقار حضوراً طاغياً في المشهد القومي. يتمتع بكاريزما سياسية واضحة، وله قدرة على التحدث بلغة يفهمها الشارع، وبلغة دبلوماسية يتقنها في المحافل الدولية. وقد أدار جولاته الخارجية بنجاح، وفتح نوافذ للحوار، وساهم في الحفاظ على صورة الدولة السودانية في عز أزماتها.

لكن… وعلى الرغم من هذا النجاح النسبي على الصعيد القومي، فإن الإخفاق الكبير يتجلى في الإقليم الذي جاء منه، والذي يمثل عمقه السياسي والشعبي.

إقليم النيل الأزرق، والذي كانت الحركة الشعبية تعتبره إحدى ركائز “السودان الجديد”، يعيش حالة من التراجع والتآكل في رصيد الحركة وسط الشارع، نتيجة لأداء حكومة الإقليم التي يقودها الفريق أحمد العمدة – القيادي في نفس الحركة – والتي وُوجهت بانتقادات لاذعة تتعلق بضعف الأداء التنفيذي، وتردي الخدمات، وفشلها في بسط الاستقرار.

أصبحت أحاديث الفساد والتجاوزات الإدارية حاضرة في كل جلسة، وبدأ المواطنون يشعرون بخيبة أمل تجاه مشروع السودان الجديد، الذي رُفع شعاراً كبيراً لكنه بدأ ينهار في أول تجربة حقيقية على مستوى السلطة الإقليمية.

ما الذي حدث؟ وأين الخلل؟

يتساءل كثيرون: كيف يمكن أن ينجح مالك عقار في الخرطوم، ويفشل على مستوى الإقليم الذي يمثله؟
هل هي أزمة قيادة على المستوى المحلي؟ أم خلل في البنية التنظيمية للحركة؟ أم أن الفجوة بين الرؤية السياسية والممارسة التنفيذية أصبحت عميقة لدرجة يصعب جسرها؟

هل أصبح مشروع السودان الجديد مجرد شعارات؟ أم أن العقبات البنيوية في مؤسسات الحكم ما زالت أقوى من الرغبات الصادقة في التغيير؟

بين الإرث والثقة… وتحديات المستقبل

مالك عقار يحمل إرثاً نضالياً لا يُستهان به، ومكانة قومية لا يمكن إنكارها. لكنه الآن يقف أمام مفترق طرق حقيقي.
فإما أن يعمل على إنقاذ ما تبقى من مشروع الحركة الشعبية في النيل الأزرق، عبر مراجعة الأداء، والاستماع لصوت الشارع، وإحداث تغيير حقيقي في القيادة التنفيذية.
أو أن يكتفي بما حققه في المركز، ويترك الإقليم لمزيد من التدهور والتآكل السياسي.

ختامًا: الفريق مالك عقار هو واحد من الشخصيات التي صنعت جزءاً من تاريخ السودان الحديث، لكن عليه الآن أن يختار:
هل سيظل زعيماً قومياً فقط؟
أم سيعود ليستكمل ما بدأه في الإقليم؟
النجاح في الخرطوم لا يعوّض الفشل في الدمازين…
والشارع لا ينسى.

بقلم مهند خبير

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى