ياسر الفادني يكتب في من أعلى المنصة: الرقص على الرمال المتحركة

من أعلى المنصة
ياسر الفادني
الرقص علي الرمال المتحركة
ما يحدث الآن ليس نصراً، بل ورطة مؤجلة، ليست المليشيا في ذروة قوتها، بل في ذروة تهورها، إن تحركاتها الأخيرة نحو الفاشر والنهود والخوي، ومناطق أخرى، ليست إلا محاولة بائسة لاستغلال ظرف عسكري مؤقت، وليس تقدماً محسوباً على خريطة الحرب، من يقرأ المشهد بعيون إستراتيجية يدرك أن هذه التحركات تحمل بذور فنائها، إنها لا تملك العمق اللوجستي ولا التوازن العملياتي الذي يحول هذه الهجمات المتناثرة إلى إنجاز عسكري فعلي، ما تفعله المليشيا هو إحراق آخر أوراقها في لعبة إستنزاف ستنقلب ضدها
الاستغلال التكتيكي، بطبيعته، هش وقصير الأجل يمنح المليشيا نافذة زمنية ضيقة، لكنها نافذة موهومة، أشبه بمن يختبئ تحت قشرة الجليد وهو يظنها أرضاً صلبة، هذه النافذة ستُغلق بسرعة، وستجد المليشيا نفسها فجأة أمام واقع مُرّ: أراضٍ كثيرة تحت سيطرتها، بلا قدرة على الدفاع عنها، وبلا قوات إحتياط تردّ بها الهجمات المضادة، ما حدث في وسط السودان ليس إستثناء، بل بروفة أولى لسلسلة من الانهيارات التي ستتوالى، لأن الاتساع الميداني دون سند تنظيمي أو إداري أو عسكري متين لا يصنع نصراً، بل يحفر قبراً
القوات المسلحة السودانية لا تقاتل بنشوة اللحظة، بل بعين التاريخ، وعيها بتركيبة المعركة، ونبض الأرض، ومزاج الشعب، يجعلها أكثر ثباتاً وأقوى تأثيراً، هي تدرك أن معارك المدن لا تُكسب بالبروباغندا، بل بالحسم والسيطرة والديمومة، المليشيا رغم إستباحتها لمدن عدة في لحظات فراغ أمني أو ظروف معقدة، لم تستطع الصمود أمام الجيش حين عاد عادت القوات المسلحة إلى الأبيض، أم روابة، الرهد ، سنجة ، ومناطق أخري كلها كانت ساحات حاولت المليشيا التوغل فيها، لكنها إرتدت مذعورة أمام ضربات الجيش
المليشيا تراهن على الرعب، بينما الجيش يستند إلى عقيدة قتالية، فارق شاسع بين من يقاتل من أجل وطن، ومن يقاتل من أجل نهب لا يمكن لهجمات عشوائية أن تغيّر ميزان قوى طويل المدى، لا يمكن لمليشيا متشظية أن تفرض واقعاً دائماً في بلد بهذا العمق الجغرافي والبشري، إن ما نراه ليس “قوة”، بل “إندفاع يائس”، أشبه بانفجار المصباح الأخير قبل أن ينطفئ إلى الأبد
وهنا، لا بد من القول بوضوح: المليشيا لم تنتصر، ما حدث ليس إنتصارا ً، بل استنزاف جديد سيضاف إلى سجل خسائرها ، النصر لا يكون بالظهور في صور داخل مدن خالية، بل بالصمود في وجه الجيوش حين تعود، وقد عادت القوات المسلحة، وستعود. ولن يطول الوقت قبل أن يُجبروا على التراجع من كل شبر، كما تراجعوا من قبل، وكما سيتراجعون دوماً
هذه معركة صبر وعقيدة، لا معركة فلاشات ومشاهد مستعجلة ، المليشيا اليوم رغم ضجيجها تقف على حافة العبء التكتيكي القاتل، حيث كل خطوة جديدة ليست تقدماً، بل إنزلاق نحو النهاية.