رأي

صلاح دندراوي يكتب: مستشفى مكة..قبس من ذاك النور

مستشفى مكة..قبس من ذاك النور

بقلم/ صلاح دندراوي

الأشياء العظيمة دوما ما تفرض وجودها، وترى التقرب منها زلفى تحت أي معاني ومسميات، ومنها التشبه بالإسم عسى ولعل أن يكون له نصيب منها، أو قبس يستضاء به.
ومكة المكرمة تعد أطهر بقاع الأرض وقد باركها الله، وجعلها مباركة، كيف لا وهي موطن سيد الخلق أجمعين، ومهبط الوحي، وفيها بيت الله الحرام، وقبلة المسلمين، ويكفي ما قاله فيها نبينا الكريم صلوات الله وسلام عليه عندما أجبر على الإبتعاد عنها ليقول مخاطبا لها( والله إنك لأحب أرض الله إلي، وأحب أرض الله إلى الله، ولولا أن أهلك أخرجونى منك قهرًا ما خرجت)، فغادرها مضطرا على أمل أن يعود إليها فاتحا يحمل نور ذاك الدين ليضئ به كل دياجير الظلام، لذا باتت مكة هي الأعظم، وقد ترى الكثيرون تبركا بها يسمون بها أنفسهم، حتى الأمكنة والواجهات.
ومستشفى مكة من تلك الكوة المضيئة والتي عبرها تضاء كثير من الأفئدة المحرومة من نعمة البصر، لتكون مستشفى مكة نافذة يشع منها ذاك الضياء، وما أنعم من نعمة البصر ، فجعلت المستشفى مهوى المحتاجين يشدون إليها الخطى لتجرى العمليات التي تعيد البصر للعيون، وهي بأفرعها المتمددة على نطاق السودان،باتت هي الإسم الأكبر في سماء السودان في هذا المجال.
وحقيقة عندما تلج حرم تلك المستشفى تجد العجب العجاب من كثافة المترددين للحد الذي يخيل إليك أنه لم يبق من أهل السودان غير معطوب في بصره. وعندما تتأمل المستشفى تجده متكامل من ناحية مبنى ونظافة وأجهزة وكوادر ونظام، وتجد الروح المتفشية وسط العاملين هي التي تتناسب وتلك المهنة وهم يتعاملون مع المرضى بكل هذا الرفق، لا سيما إن علمنا إن معظم المرتادين لهذا المستشفى من العجزة وكبار السن والنساء الذين يتطلبون معاملة خاصة، فتجد كل الكوادر من الخفير وحتى المدير باذلون أنفسهم لعون هؤلاء المرضى رغم التكدس الكبير إلا أنك تجد هذه الرأفة واللطف والرحمة في التعامل ليتحقق الشرط الأول للتعافي وهو الجانب النفسي والمعنوي.
ومستشفى مكة وأفرعها رغم ما طالتها من آثار التخريب والتدمير ونهب الأجهزة والمعدات جراء تلك الحرب، إلا أنهم لم يتباكون ويندبوا حظهم العاثر، بل إنخرطوا بكل همة في إصلاح ما تم تدميره، وإستطاعت معظم تلك الأفرع أن تنهض من جديد وتجدد أجهزتها وآلياتها وتباشر عملها لتلبي حاجة المواطنين الملحة لهذه الخدمة، لا سيما وأن معظم تلك الولايات لا يتوافر فيها خدمة طب العيون بهذا القدر.
وقد لاحظت ذلك في حاضرة ولاية الجزيرة ود مدني وكيف أن إعادة إفتتاح المستشفى قد شهد كل تلك الحشود والتدافع من المرضى الذين تزاحموا على بواباتها وكأنه فجر إنتظره الكثيرون ليهل، ولم تخب المستشفى أشواقهم وتطلعاتهم فعمدوا على إستيعاب كل تلك الحالات بلا كلل أو ملل بحيث تتجاوز عدد العمليات في اليوم الواحد مائة عملية (موية بيضاء) وغيرها.
بل تجد المستشفى تتفضل لتخصص إسبوعا بحاله للعلاج المجاني عبر مخيم للعيون إستطاعت من خلاله الكشف عن الآلاف، وإجراءأكثر من 400 عملية، وآلاف النظارات توزع مجانا، وقد ظل هذا ديدن للمستشفى المركزي وأفرعها أن تقيم مخيمات للعيون مجانية بكثير من الولايات لتخفف عن الكثيرين هذا العناء لتكون أسم على مسمى، ويظل هذا قيض من فيض ما تقدمه المستشفى لطالبي الخدمة وبما تسهم به في توطين العلاج بالداخل.

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى