عميد شرطة (م) محمد ابو القاسم يكتب : الوزارة القادمة والإصلاح المؤسسي

*الوزارة القادمة والإصلاح المؤسسي*
*بقلم عميد شرطة (م) محمد ابو القاسم*
-والحرب توشك أن تضع أوزارها وهي تخلف وراءها أثارا وجراحا غائرة، وهتكا لنسيج إجتماعي يصعب رتقه،وهذا الوضع يتطلب وجود حكومة قوية تملك إرادة تغيير حقيقية و متجردة،ولا تضع حسابا لجهوية أو قبلية أو طائفية أو حزبية، غير أنها تتمتع بإيمان قاطع وولاء متين وعقيدة راسخة هدفها الأساسي البناء الوطني والنهوض بالأمة،والسعي الحثيث للحاق بركب الأمم المتقدمة التي تحترم إنسانية مواطنبها وتحفظ حقوقهم ، وتعمل على توفير إحتاجاتهم بكل ما هو متاح لديها من إمكانيات. -وقرار مجلس السيادة بتعيين رئيس للوزراء بصلاحيات كاملة في إختيار وزراء حكومته تمهيدا لإنطلاق عمل تنفيذي ينبغي أن تتوفر له النية والإرادة الصادقة لتحقيق أهدافه النبيلة والمرجوة التي ينتظر المواطن أن يجني ثمارها أمنا وإستقرارا وسلاما ورفاهية. -ولعله من الأوفق أن تبدأ الحكومة القادمة بعملية إصلاح مؤسسي كاملة حتى تتمكن من القيام بواجباتها بصورة تمكنها من تحقيق أهدافها خدمة للمواطن وتلبية لإحتياجاته و متطلباته،وبلا شك فإن الإصلاح المؤسسي لا يجب أن ينطلق من رؤى وأفكار حزبية أو جهوية أو عصبية مهنية، ولكنه ضرورة ملحة لإيجاد مؤسسات وطنية قوية وذات فاعلية لتحقيق الأهداف وتنفيذ الخطط، و دعم الرؤى والأفكار التي تؤسس لعملية نهضة شاملة للأمة. -وإصلاح المؤسسات الوطنية يعني التقييم المؤسسي لعمل هذه المؤسسات والعمل على تطويرها، أو إعادة النّظر فيها بما يحقق الشفافية وتعزيز قيم العدالة،و إحترام وحماية حقوق الإنسان بأن تكون الخدمات المقدمة من هذه المؤسسات تتفق مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان،وأن تلتزم هذه المؤسسات بالقانون وتنفذه بعدالة، وتحافظ على سيادة أحكامه، وهيبة الدولة من خلال توفير خدمات قانونية ذات تأثير وكفاءة وفاعلية. -ولعله من المهم جدا في هذا الجانب أن نتناول مؤسسات العدالة الجنائية بالبلاد وخاصة جهاز النيابة العامة، والذي أعتقد أنه لم يعزز من نظام العدالة الجنائية بالبلاد ، بل كان خصما عليها وكانت سلطاته خصما على مؤسسات وطنية تتمتع بإرث تاريخى وخبرة قانونية واسعة كمؤسسة الشرطة التي تقلصت سلطاتها القانونية بما يؤثر على قدراتها في تنفيذ واجباتها بموجب القانون،وكذلك إسناد بعض السلطات القضائية لمؤسسة النيابة العامة كان له أثرا سالبا في النظام العدلي بالبلاد،وما ضجت به الاسافير في الآونة الأخيرة من محاولة النيابة العامة لتقديم خدمات أفضل إعتمادا على رسوم يدفعها المواطن المغلوب على أمره ومافيها من مخالفة لحقوقه التي كفلها له الدستور، وما فيها من تعدي على حقوقه من مؤسسة هي المسئولة عن حمايته وكفالة حقه، و من حق المواطن السؤال عن كيف تسمح الدولة بقيام مؤسسة لا تتوفر لديها الإمكانات وتنتهك حق المواطن في التقاضي بحجة أن تكفل له حقوقه!!؟. -وإذا نظرنا لقانون النيابة العامة، فعلى الرغم من أنه قانون أساسي ومؤثر على مسيرة العدالة الجنائية وسير الدعوى الجنائية وحقوق المتقاضين ،إلا أن إجازته تمت بمرسوم جمهوري وفي غياب الهيئة التشريعية حيث لم تتوفر الظروف الموضوعية التي تستدعي إجازته بمرسوم جمهوري، وبالتالي فهو لم يخضع لشروط إجازة القوانين التي تمس حياة الناس وتؤثر على حقوقهم، حيث أن هذا القانون لم يمر بمراحل القراءة الأولى والثانية ،ولم يخضع للنقاش بواسطة الخبراء والمختصين ،وإنما تمت إجازته بعد عودة الهيئة التشريعية للإنعقاد كأي مرسوم دستوري،وسط وعود بإخضاعه للتجريب ثم تقييمه لاحقا. -العدالة تقتضي الإنجاز وهذا ما لا يتوفر للنيابة العامة بسبب عدم الإمكانات المتاحة للإنتشار الجغرافي زمانا ومكانا في أصقاع السودان النائية،وكذلك فإن التحري يحتاج للخبرة والتي لا بد أن تكون عملية وليدة التجارب، قبل أن تكون علمية فمادة التحريات الجنائية كمادة علمية مكتوبة نجد أن أغلب مراجعها كتبت بواسطة ضباط وخبراء شرطة ويتم تطويرها من وقت لآخر وفقا للتجارب الناتجة من التحريات العملية،وكذلك فعلم إثبات الجريمة على الرغم من إرتباطه بقانون يحكمه إلا أن علم الأدلة الجنائية و إستخدام الحصول على وسائل الإثبات هو علم شرطي بحت يتخصص فيه فئات محددة من منسوبي الشرطة. -إن القيام بواجبات التحري ومعرفة طرقه وأساليبه تحتاج إلى شخصية تتمتع بصفات محددة أغلب ما يميزها لا يتوفر بالعلم والشهادات فقط وإنما في الجانب الأكبر منه يعتمد على نقل التجارب واكتساب القدرات والمهارات من زملاء المهنة بالإستفادة من خبراتهم المتوارثة ، ثم من توجيهاتهم التي تكون مدونة في يومية التحري ، ثم في سرعة إستصدار وتطبيق الأوامر القانونية المرتبطة بالتحري مما يساعد في إنجاز العدالة. -إن الإهتمام بخفض معدل الجريمة، وإشاعة الشعور بالطمأنينة والسلامة العامة، يرتبط إرتباطا أساسيا بإصلاح منظومة العمل الجنائي وهو إصلاح مؤسسي وقانوني يستطيع أن يفرض هيبة الدولة ويلبي تطلعات ومطالب مواطنيها،ولعل من أوجب واجبات الحكومة القادمة أن تراجع مؤسسة النيابة العامة وتعمل على إصلاحها وإصلاح النظام العدلي الذي هو الأساس لنجاح أي حكومة، فالعدل هو أساس الحكم.