رأي

حيدر التوم خليفة يكتب: كيف يتم صناعة الدين الموازي؟

كيف يتم صناعة الدين الموازي؟

*حيدر التوم خليفة*

نشر أحد الإخوة الأجلاء المقال الوارد أدناه عن من يحق له الخروج إلى الجهاد ، وما هي الشروط التعجيزية الواجب توفرها في المجاهد ..

ورغماً عن تحفظي على العديد عما ورد في فقه الجهاد وأحكامه (وهو فقه مُتضخم) ، الا ان ما دعاني إلى كتابة هذا الموضوع هو تبيان كيف يتم تخليق الدين الموازي ، وتجاوز النص الصريح ، وإخضاعه لرغبات البعض ، إما جهلا وتجهيلا ، أو تخطيطا واعيا لتحقيق أهداف معينة ، وذلك عبر تخليق نص فقهي جديد ، مُلغم ، ينسرب من بين أيدينا كالماء المتدفق ..

وهذا هو مجمل الموضوع المنشور ، ويليه تعليقنا عليه…


كتب المتحدث تحت عنوان..
*”ولو ارادوا الخروج لأعدوا له عدة “*
ما يلي…

*ﺻﺎﺡ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ:*
ﺧﻤﺴﺔ ﻣﻄﺎﻟﺐ، ﻣﻦ ﻓﻌﻠﻬﺎ ﺍﻧﻄﻠﻖ ﻣﻌﻲ ﻟﻠﺠﻬﺎﺩ ﻭﺇﻻ ﺭﺟﻊ..
ﻓﺼﺎﺡ ﺍﻟﺠﻤﻴﻊ: ﻫﺎﺕ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﻭﺍﻃﻠﺐ ﻣﺎ ﺗﺸﺎﺀ.

ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ:
ﻻ ﻳﺼﺤﺒﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺣﻔﻆ ﺳﻮﺭﺗﻲ ﺍﻷﻧﻔﺎﻝ ﻭﻣﺤﻤﺪ ﻷﻧﻬﻤﺎ ﺃﻧﺎﺷﻴﺪ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻳﻦ..

ﻓﻨﻈﺮ ﺑﻌﻀﻨﺎ ﺇﻟﻰ ﺑﻌﺾ، ﺛﻢ ﻗﻠﻨﺎ ﻟﻪ ﺃﻛﻤﻞ …
ﺃﻛﻤﻞ ﻭﺃﺳﻤﻌﻨﺎ ﻣﺎ ﻋﻨﺪﻙ ﺃﻭﻻً.

ﻓﻘﺎﻝ : ﻻ ﻳﺘﺒﻌﻨﺎ ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺭﻛﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﺻﻠﻰ ﺍﻟﻔﺠﺮ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺼﻒ ﺍﻷﻭﻝ،
ﻭﺃﺩﺭﻙ ﺗﻜﺒﻴﺮﺓ ﺍﻹﺣﺮﺍﻡ، ﻓﻄﺄﻃﺄﺕ ﺭﺃﺳﻲ؛ ﻷﻧﻨﻲ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺑﺎﻟﺬﺍﺕ ﺃﺩﺭﻛﺖ ﺍﻹﻣﺎﻡ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺸﻬﺪ ﺍﻷﺧﻴﺮ ﻭﻗﺒﻞ ﺍﻟﺘﺴﻠﻴﻢ..

ﺛﻢ ﺻﺎﺡ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ ﻗﺎﺋﻼً:
ﻟﻦ ﻳﻨﺎﻝ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻣﻌﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻳﺤﻔﻆ ﻋﺸﺮﺓ ﺃﺣﺎﺩﻳﺚ ﻓﻲ ﻓﻀﻞ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﻟﻴﺴﺘﺸﻌﺮ ﺷﺮﻑ ﺍﻟﺠﻬﺎﺩ ﺍﻟﺬﻱ ﺧﺮﺝ ﻳﺒﻴﻊ ﻧﻔﺴﻪ ﻟﻠﻪ ﻣﻦ ﺧﻼﻟﻪ..
ﻓﺄﺧﺬﺕ ﺃﺳﺘﺮﺟﻊ ﻣﺎ ﺃﺣﻔﻆ، ﻓﻤﺎ ﻭﺟﺪﺗﻨﻲ ﺃﺣﻔﻆ ﺇﻻ ﺣﺪﻳﺜًﺎ ﺃﻭ ﺣﺪﻳﺜﻴﻦ،
ﺇﻥ ﺗﺬﻛﺮﺕ ﺃﺣﺪﻫﻤﺎ ﻛﺎﻣﻼً ﻻ ﺃﻇﻨﻨﻲ ﺃﺗﺬﻛﺮ ﺍﻵﺧﺮ.

ﻓﻘﺎﻝ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ: ﺑﻘﻲ ﺷﺮﻃﺎﻥ …
ﻻ ﻳﺼﺤﺒﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻛﺘﺐ ﻭﺻﻴﺘﻪ ﻭﺗﺮﻛﻬﺎ ﻷﻫﻠﻪ، ﻷﻧﻪ ﻻ ﻭﻗﺖ ﻋﻨﺪﻧﺎ ﺍﻵﻥ ﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﻮﺻﺎﻳﺎ..
ﻓﺘﺬﻛﺮﺕ ﺃﻥ ﻋﻠﻲَّ ﻟﻔﻼﻥ ﺃﻣﻮﺍﻻً ﻫﻨﺎ ﻭﻟﻔﻼﻥ ﺃﻣﻮﺍﻻً ﻫﻨﺎﻙ، ﻭﺃﺣﺘﺎﺝ ﻷﻳﺎﻡٍ ﻷﺗﺬﻛﺮ ﺍﻟﺪﻳﻮﻥ ﺍﻷﺧﺮﻯ، ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ ﺃﻗﺴﺎﻁ ﻭﻣﺴﺘﺤﻘﺎﺕ ﻭ.. ﻭ..

ﻓﺼﺮﺥ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ : ﻗﺎﻃﻌﺎ ﻋﻠﻲَّ ﺗﻔﻜﻴﺮﻱ
ﻭﺷﺘﺎﺗﻲ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﻫﻠﻜﺘﻨﻲ

ﻭﻣﺰﻗﺘﻨﻲ ﻭﻗﺎﻝ:
ﺃﺧﻴﺮﺍً .. ﻻ ﻳﺼﺤﺒﻨﺎ ﺇﻻ ﻣﻦ ﻛﺎﻥ ﻣِﺜْﻞَ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ، ﻓﻜﻤﺎ ﺳﻬﺮ ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻭﻥ ﻋﻠﻰ ﺛﻐﻮﺭﻫﻢ ﻳﺤﺮﺳﻮﻥ،
ﺑﺎﺕ ﻫﻮ ﻣﻊ ﻣﻦ ﻛﺎﻧﻮﺍ ﻓﻲ ﺑﻴﻮﺗﻬﻢ ﻳُﺼﻠّﻮﻥ،،
ﻭﺳﻬﺮ ﻳﻘﻠﺐ ﺃﻭﺭﺍﻕ ﺍﻟﻤﺼﺤﻒ ﻛﻤﺎ ﺳﻬﺮ
ﺍﻟﻤﺠﺎﻫﺪﻭﻥ ﻳﻘﺒﻀﻮﻥ ﻋﻠﻰ ﺑﻨﺎﺩﻗﻬﻢ .

ﻭﻣﺎ ﺇﻥ ﺗﻼ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺷﺮﻃﻪ ﺍﻟﺨﺎﻣﺲ ﺣﺘﻰ ﺍﻧﺴﻠﻠﺖ ﻣﻦ ﺑﻴﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻗﺒﻞ ﺃﻥ ﻳﺘﻢَّ ﻛﻼﻣﻪ ﺣﺘﻰ ﻻ ﻳﻔﺘﻀﺢ ﺃﻣﺮﻱ.
ﻭ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺍﺑﺘﻌﺪﺕ ﺧﻄﻮﺍﺕ ﻋﻦ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﺗﻠﻔﺖُّ ﻭﺭﺍﺋﻲ ﻓﺈﺫﺍ ﺍﻵﻻﻑ ﻋﻠﻰ ﺃﺛﺮﻱ، ﻛﻠﻬﻢ ﺭﺟﻌﻮﺍ ﺇﻻ ﻋﺪﺩًﺍ ﻗﻠﻴﻼً ﻭﻗﻒ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﻨﺎﺩﻱ، ﻓﺄﺷﻔﻘﺖ ﻋﻠﻴﻪ ﺃﻥ ﻳﻌﻮﺩ ﺑﺒﻀﻊ ﺭﺟﺎﻝ ﻭﻗﺪ ﻛﺎﻥ ﻣﻌﻪ ﺍﻵﻻﻑ..
ﻓﻮﻗﻔﺖ ﻭﻗﻠﺖ ﻟﻪ: ﻳﺎ ﺃﺧﻲ ﻫﻞ ﻟﻚ ﺃﻥ ﺗﺘﻨﺎﺯﻝ ﻋﻦ ﺷﺮﻃﻴﻦ ﺃﻭ ﺛﻼﺛﺔ؛ ﺣﺘﻰ ﻻ ﺗﺮﺟﻊ ﺧﺎﺋﺒًﺎ ﺑﻼ ﻋﺪﺩ ﻳﻔﺮﺣﻚ ﺃﻭ ﺟﻴﺶ ﻳﺆﺍﺯﺭﻙ؟

ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ، ﻓﻤﻌﺎﺭﻛﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺴﺎﺩٍ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻋُﺒَّﺎﺩ
ﻭﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻗﻠﻮﺏ ﻭﻃﻬﺎﺭﺍﺕ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻣﺪﺍﻓﻊ ﻭﺁﻻﺕ..
ﺛﻢ ﻗﺎﻝ ﻟﻲ: (ﻭﻟﻢ ﻻ ﺗﻐﻴﺮ ﺃﻧﺖ ﻣﻦ ﺣﺎﻟﻚ ﻟﺘﻠﺤﻖ ﺑﻨﺎ) ؟

ﻗﻠﺖ: ﻭﻫﻞ ﺗﻨﺘﻈﺮﻭﻧﻨﻲ ﺣﺘﻰ ﺃﺗﻐﻴَّﺮ؟

ﻓﻘﺎﻝ: ﺍﻟﻘﻮﺍﻓﻞ ﻛﻞ ﻳﻮﻡ ﺗﻤﺮ، ﻭﺍﻟﻤﻌﺎﺭﻙ ﻣﻊ ﺍﻟﺒﺎﻃﻞ ﻟﻦ ﺗﻨﺘﻬﻲ ﺣﺘﻰ ﺗﻘﻮﻡ ﺍﻟﺴﺎﻋﺔ، ﻓﺈﻥْ ﻓﺎﺗﻚ ﺭﻛﺐ ﺍﻟﻴﻮﻡ، ﻓﺄﺩﺭﻙ ﺭﻛﺐ ﺍﻟﻐﺪ، ﻟﻜﻦ ﺣﺬﺍﺭ ﺃﻥ ﻳﻔﻮﺗﻚ ﻛﻞ ﺍﻟﺮﻛﺒﺎﻥ، ﻭﻻﺕَ ﺣﻴﻦ ﻣﻨﺪم.

ﺛﻢ ﺍﻧﺼﺮﻑ ﻭﻫﻮ ﻳﻘﻮﻝ ﻟﻤﻦ ﻣﻌﻪ:
ﻫﻴﺎ ﻳﺎ ﺇﺧﻮﺗﻲ.. ﻓﻠﻤﺜﻠﻜﻢ ﺗﺘﻨﺰﻝ ﺍﻟﻤﻼﺋﻜﺔ..
ﻭﻋﻦ ﻣﺜﻠﻜﻢ ﻳُﺪﺍﻓﻊ ﺍﻟﻠﻪ ﻋﺰ ﻭﺟﻞ..
ﻭﻋﻠﻰ ﺃﻳﺪﻱﺃﻣﺜﺎﻟﻜﻢ ﻳﺄﺗﻲ ﺍﻟﻨﺼﺮ والفتح المبين .

انتهى حديث صانع الفقه الجديد
………

وهذا ردي عليه …

*قف ….!*

مثل هذا الكلام المفارق للشرع لا يصح نشره ، ففيه دس السم في الدسم ، وواضح أن من كتبه يريد به هدفاً خفيا ، الا وهو التخذيل والتصعيب لأمور دينه ، وذلك برفعه للمؤمن ( *وهو انسان بشرى محدود القدرات يصيب ويخطئ*) فوق مستوى الملائكة ..

خذ مثلا شرطه بأن لا يخرج للجهاد الا من يحفظ *سورتي الأنفال ومحمد* ، وهو كذب وتخذيل وإفتراء ، فلا يوجد نص شرعي على ذلك ، وقد كان بعض صحابة النبي يتلجلجون في حفظ صغار السور دعك عن طوالها ، ويجدون صعوبة في ذلك ، وما منعهم النبي من الخروج مجاهدين ، أو اشترط عليهم حفظ سورة الكوثر مثلاً ..!!

والذي يؤكد سوء مقصده إختياره لسورتين من أصعب سور القرآن حفظا ، واكثرهما تفلتا الا بالمداومة المستمرة ..

كما أنه في قوله هذا تجاوز لكلام الله تعالى في واحدة من أعظم آي القرآن ..

(لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنتَ مَوْلانَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

وأيضاً خذ مثلا شرطه بأن لا يخرج معهم الا من صلى الفجر في الصف الأول مُدركا لتكبيرة الإحرام ، وهو شرط عجيييب ، فهل هناك نص شرعي يفيد فقط بقبول عمل من صلى في الصف الأول مدركاً لتكبيرة الإحرام .. والله تعالى يقول … ليس للإنسان إلا ما سعى ، ونبيه الكريم يبين مقصد الله من ذلك ويقول .. إعملوا فكل ميسر لما خلق له ؟

وهناك من الشهداء من استشهد فور إسلامه ، ولم يصلِ ركعة واحدة حتى ولو تطوعا ، فنطق بالشهادتين من هنا ودخل المعركة من هنا ، ونال شرف الشهادة من فوره ..

وهل ألزم الشرع مجموعة المسلمين كلهم بالصلاة في الصف الأول ..؟

وهل فعل النبي الكريم ذلك ، وقد كان يصلي في المسجد وهو محدود المساحة ..؟

والقرآن يتحدث عن المسجد بوصفه مكانا مباركا مقدسا ، بلا تفضيل وتبعيض لكله ، أو تمييز لصفوفه ، لأنه ليس من المعقول أن يترادف الناس كلهم في الصف الأول ويتركون باقي المسجد فضاءً …؟

وقد رأيت بأم عيني في مدينة أديس أبابا عاصمة دولة أثيوبيا ، صفوف المصلين الهادرة يوم الجمعة ، تمتد لما يقرب من نصف كيلومتر في الشوارع المحيطة بالمسجد ، وهذا حال المصلين فجرا وغيرهم ، ودونكم الحرمين الشريفين ومن يؤمهما من عدد يفوق مئات الآلاف من المصلين فجرا ، فهل لا فضيلة لهم ، ولا قبول عمل منهم ، إلا لمن صلى في الصف الأول فقط …؟

وماذا نفعل اليوم وجل الصف الأول يصلي فيه أصحاب الاحتياجات الخاصة والأمراض المُقعِدة ، وهذا شئ مشاهد في كل المساجد !!

نعم ماذا يفعل المسلمون هل يتركون فضيلة الجهاد لانهم لا يصلون الفجر في الصف الاول..؟

كما أننا نجد ان القرآن عندما تحدث عن صلاة الخوف (صلاة الحرب) ذكر الصفوف وطريقة تنظيمها ، ولم يميز صفها الاول عن اخيرها ..

وليس هناك شرط مُلزم لحضور تكبيرة الإحرام لقبول عملك ، فإنما الأعمال بالنيات ولكل إمرئ ما نوى ، والناس أعذار ، ولولا ذلك لما كانت هناك صلاة مسبوق وفقهها ، وطريقة أدائها ..

وقد جاء في السيرة أن النبي الكريم وصحابته في إحدى غزواته بلغ بهم التعب مبلغا عظيما ، فناموا عن صلاة الفجر حتى طلعت الشمس ، فهل رجعوا عن جهادهم ، وآبوا إلى ديارهم ، لأنهم لم يدركوا صلاة الفجر بما فيهم النبي الكريم…؟

وقد فصّل الفقهاء وافاضوا في الجهاد وأحكامه ، منهم من أصاب ومنهم من أخطأ ، ولكن ليس فيهم من إشترط مثل هذه الشروط والتي لا أقول عنها تعجيزية ، ولكن تخذيلية ، كما فعل راوي الواقعة ، الذي أقنعه كلام المنادي المزعوم ، حتي رجع وترك الجهاد بحكم عدم أهليته له ، استنادا إلى شروط مزعومة مُخذلة ، وقد إستكان عندما دعاه ذلك المنادي المتنطع المُخذِل ، بأن يأخذ فرصته في الجهاد غدا ، فاليوم لا مكان له فيه ، مما جعله يقف عاجزا عن سند إخوته ، رغم قلة عددهم ، والذين سوف يكونون بالتأكيد لقمة سائغة لعدوهم ، وهو ما سوف يحدث لمن يأتون من بعدهم غدا ما داموا قلة ، وهو هدف ومرتجي ومأمول واضع الحديث التخذيلي ..

فهذا كلام بلا دليل أو سند فقهي أو شرعي من الكتاب أو السنة أو حتى الحمية ، وإنما هو من المدسوس على الدين إفتراءً ، ولا أجد له مثلا إلا كمن يشترط أن لا يخرج للجهاد ، الا من يتقن ويجيد قيادة الطائرة المقاتلة والسفينة والدبابة والعربة الحربية ، وخبيرا في استعمال وتشغيل كل الاسلحة ، إبتداء من الأقمار الصناعية وإنتهاءً بالمسدس.، كلها مجتمعة ، اي اجمالاً شخصا خارقاً (سوبرمان) ..

ومن عجيب ما يقول به ، ويجعله شرطا ليس لصحة الجهاد ، وإنما فقط لمجرد تحديث نفسك بالخروج له .. وهو (لا يخرج إلا من كان يحفظ عشرة أحاديث في فضل الجهاد) …

وهذا قمة الافتراء على الله تعالى وعلى نبيه ، ولا أراه هنا الا في موقع المُشرِع الذي يُوحي له ، والذي جعل من نفسه مرجعية تحلل وتحرم كما يريد ، متجاوزا النبي الكريم ، متناسيا عمداً انه لا تشريع الا ما جاء به النبي الكريم ، ولا مُشّرِع بعده ، مهما علا علمه أو سمق فقهه، أو دانت سطوته .. وان حلال محمد حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام الي يوم القيامة ..

وإن فُعِل غير ذلك فهو الدين المصنوع والفقه المخلوق وبدعة مستحدثة …

وعلى ذات النسق فهو يقول ان معركتهم لا تحتاج إلى أجساد ، وإنما تحتاج إلى عُبّاد ، فما هو سنده الشرعي في ذلك ، ونحن نعلم أن العُبّاد في الأغلب ليسوا من أهل القتال ، فجلهم أهل علم وفقه وبحث ، وهم من عناهم القرآن بقوله ..

وَمَا كَانَ ٱلْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍۢ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِى ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ..

كما ان قمة تخذيله قوله..

(ﻓﺎﺑﺘﺴﻢ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻭﻗﺎﻝ: ﻻ ﻳﺎ ﺃﺧﻲ، ﻓﻤﻌﺎﺭﻛﻨﺎ ﺍﻟﻴﻮﻡ *ﻟﻴﺴﺖ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﺃﺟﺴﺎﺩٍ ﺑﻘﺪﺭ ﻣﺎ ﻫﻲ ﺑﺤﺎﺟﺔ ﺇﻟﻰ ﻋُﺒَّﺎﺩ*
ﻭﻫﻲ ﻣﻌﺮﻛﺔ ﻗﻠﻮﺏ ﻭﻃﻬﺎﺭﺍﺕ، ﻭﻟﻴﺴﺖ ﻣﻌﺮﻛﺔ *ﻣﺪﺍﻓﻊ ﻭﺁﻻﺕ*..)

أليس هذا تجاوز لقول الله تعالى …

(وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ..)
أليست المدافع والآلات هي سلاح اليوم ..؟

وأليست هي القوة التي عناها القرآن وهي التي يحارب بها المسلمون عدوهم .. ؟

فالقوة اليوم هي الآلة ، والأدلة تقاس قوتها بقوة الخيل ، فيقال مثلا هذه الماكينة قوتها خمسمائة حصان ، اليس هو نفسه ما عناه القرآن عندما تحدث عن القوة المادية ، وربطها بالخيل وقوتها؟

وأليس في ذلك نقض لحديث النبي .. من رأى منكرا فليغيره بيده ، وان لم يستطع فبلسانه ، وان لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ..؟

فهل يريد أن يجعل أضعف الإيمان مكان أقوى الإيمان ..؟

وهل يريد أن يستبدل المجاهدين من أصحاب اليد بأصحاب القلب …؟

أليس في دعوته هذه هدفا بعيدا غير بائن ، يرمي إلى أن يترك المسلمون الأخذ بأسباب القوة وتملكها ، كما يدعو إلى عدم الاهتمام بالأجسام والذي يعني التخلي عن التدريب وإكتساب مهارات القتال ، وتركه لمن لا يتقنه ، فكلُُ مُيسر لما خلق له ، والمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف ، واقرب منزلة وحباً عند ربه …

فوالله ، ما اقول عن كاتب هذا المقال الا انه صاحب غرض سيئ ، يريد التلبيس على الناس في دينهم تخذيلا وتقعيدا ، وهو امر يصب في سعي البعض لخلق دين موازي كما فعل الكثيرون غيره .. حتى رأينا دينا مصنوعا ما أنزل الله به من سلطان ، شيمته التقول على الله ورسوله ، والتصعيب على فهم نصوصه السمحة السهلة ، وإحداث ما ليس فيه ، حتى صار علوما تُقسم وكتابات تُدرس ، وصحفا بشرية مقدسة ، تتلى بعد أن حلت مكان القرآن الحق والوحي الصحيح …

فتكرما لا تعينوهم على نشر مثل هذا الكلام ، الذي من مضاره العمل على تخليق دين جديد ، بلا مرجعية شرعية ، أو حتى عقلية ، وأنا مُدرك أن ما يدفعكم لذلك ، هو حسن النية ، ولكن مثل هذه الأمور أعرضوها على الكتاب والسنة الحقة ، وناظروها بالحس السليم ، والعقل المميز ، فهو الأمانة التى أودعها الله في الإنسان ، وعلى أدائها يكون الحساب …

مع ودي وتقديري …

حيدر التوم خليفة
نوفمبر 2023

الوسوم

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق