رأي
د.بابكر عبدالله محمد يكتب: (( حفلات حدائق السويدي لالهاء الشباب السوداني عن رسالتهم السامية في حرب الكرامة ))
بسم الله الرحمن الرحيم
(( حفلات حدائق السويدي لالهاء الشباب السوداني عن رسالتهم السامية في حرب الكرامة ))
الثلاثاء ١٥ اكتوبر ٢٠٢٤م .المنشور الأول
إشارة الي منشور اول الأمس والذي أشرت فيه الي إقامة حفلات راقصة بمغنيين ومغنيات من السودان ما هو إلا عملية ناعمة من السلطات السعوديه لالهاء شباب السودان عن معركة الكرامة السامية التي يقودها الجيش السوداني ضد الملايش المتمردة .والمرتزقة من دول الجوار ..وما يزعج المرء ان هذه الحفلات تأتي تحت عنوان ثقافة السودان ( Sudan Culture)..وهو ما دعاني ان القي الضوء بصورة طفيفة عن الثقافة السودانية …واذا كنا نتحدث عن تراث وثقافة فلماذا لاتأتي تحت سياج كلي ونظرة شاملة للثقافة السودانية المتجذرة والراسخة في وجدان الشعب السوداني والتي تدعو الي قيم الإيمان والفضيلة والشجاعه التي يعلمها الانجليز تماما عن غيرهم من الأمم. ولعل التباين والاختلاف من السنن الكونية والفطرية التي خلق الله سبحانه وتعالي عليها هذا الكون الفسيح ..https://www.facebook.com/share/p/1XgHFV9eyY/
.و الله سبحانه وتعالي أكد علي التباين و هذا الإعجاز الناطق بالحق في كثير من اي الذكر الحكيم ..كما سيرد في صلب المنشور …والتنوع يعتبر مصدر قوة للشعوب والامم ولكن للقصور الفكري والعقلي والايماني للكثير من الأمم والشعوب غلبت علي التنوع ان يعامل معاملة يعزز لها لزرع الفتنة والشقاق والاختلاف بين الناس في مختلف دول العالم.ليرسخ لقيم تصادم الفضيلة والفطرة السليمة من خلال الوضيع من الغناء والتبذل الرخيص الذي ساد العديد من دول العالم ..وظنوا بذلك انهم يستطيعوا بذلك الهاء الانسان السوداني عن اصالته وتاريخه التليد المجيد…و يعرف بروفسور جعفر ميرغني الثقافة علي نحو مختصر ومحيط فيقول (( الثقافة بنت البيئة )) وهو أدق وافصح تعريف للثقافة ..التنوع الثقافي …و عندما ينظر للدين في موضوع التنوع الثقافي؛ فإنه كثيراً ما يوجه له الاتهام بممارسة الإقصاء، وبطبيعة الحال لا يمكن أن ننفي ذلك الاتهام عنه كليةً، فلطالما تم عبر الدين القضاء على ثقافات عديدة، وارتكبت باسم بعض المعتقدات الارضية مآسٍ فظيعة، ذهب ضحيتها آلاف البشر، فالدين –على ما يؤول إليه– يعتبر نفسه هو الحقيقة المطلقة والوحيدة، ويطالب من أتباعه أن يُسْلِكوا البشرية في نهجه، ولذلك تحت وطأة فأسه تتحطم الكثير من التمثلات الحضارية والتنوعات الثقافية، باسم محاربة الضلال، والقضاء على الكفر، فكم من تماثيل حطمت، وعادات عطلت، وطقوس ألغيت، بولوج الدين الجديد إلى حمى ثقافات أعرق منه، وأرسخ في الوجود، وتحمل من الإبداع والتميّز ما يستوجب على البشرية الحفاظ عليه. وهذا ليس حكراً على دين الاسلام دون دين، بل مارسته كل الأديان تقريباً، ولا يتنازل أتباع الدين حتي ولو كان الإنسان بوتيا او هندوسيا عن هذه الممارسة إلا تحت ضغط الواقع فقط، أو بعد تحولهم إلى أقلية تريد أن تحافظ على وجودها. ولعل هيئة الترفيه في المملكة العربية السعودية تظن انها قادرة علي اقتلاع الشعب في الحجاز وأرض الجزيرة العربية عن عاداته وتقاليده الراسخة والمتجذرة فيه …او انها قادرة علي ابعاده عن أسواق عكاظ او الجنادرية او المربد او مجنة …كلا انها لا تستطيع ابعادها عن جذوره وتاريخه ولو أنفقت بلايين الدولارات فيسنفقونها ثم تكون عليهم حسرة ..
ورغم كل ذلك.. لابد أن ننظر إلى الدين بإنصاف، وذلك أن الدين الاسلامي او أي دين او معتقد ـ في نشأته الأولى؛ أي في زمن مؤسسه أو نبيه، يدعو إلى الحرية والتعددية، وذلك لكي يفسح لنفسه مجالاً من الانتشار، ولا مجال له لينشر الرذيلة والفسوق والالحاد والمثليه والابراهيمية ولتصبح الأخيرة في هذه اللحظة مؤسسة في الفكر الديني، وتدخل ضمن نصه الأساس، بحيث لا يمكن محوه، وإن حصل تجاوز له.
ففي الإسلام ـ مثلاً ـ عبر القرآن؛ لا نجد أية إشارة إلى الإلغاء الثقافي، نعم هو جاء ثورة توحيدية على الوثنية، لكنه لم يعادِ الفن، بل لم يؤمر بإزالة التماثيل إلا ما كان معبوداً منها من دون الله، ولم يحطمها إلا بعد أن تخلى أتباعها عنها بالدخول في الإسلام، فسعى عُبّادُها بالأمس إلى إزالتها، بل نجد في القرآن إشارة إلى حضور التماثيل في المجتمع النبوي، وطبعاً القرآن لم يذكرها بكونها معبودة، إلا أنه ـ بهذه الإشارة ـ لم يمنع وجودها لأغراض أخرى، اليوم نحن ندرجها ضمن الاعتراف بالتباين الثقافي، فقال عن النبي سليمان: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ وَجِفَانٍ كَالْجَوابِ وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ) [سبأ:13].
وسنجد هذا الاعتراف في أعمق مداه عندما اعترف بوجود الأديان، وأن أمرها إلى الله فهو وحده من يفصل فيها، قال الله: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [الأنبياء:17]، ويعتبر القرآن التنوع سنة إلهية، فقد قال الله: (وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ) [الروم:22].
ما يحصل في الأديان أنه بعد لحظة التأسيس ورحيل المؤسس؛ يبدأ التنازع بين الأتباع، مما يؤدي إلى انتصار كل فريق على الآخر بأن الحق لديه، وأن من خالفه على باطل، وبذلك يبدأ الإقصاء، وفي أتون الصراع تنشأ عقيدة رفض التنوع بكل أبعاده؛ وفي مقدمتها التنوع الثقافي، ويحل محل ذلك عقيدة الفرقة الناجية. فتصبح هذه العقيدة أحد مكونات الدين العتيدة.فإذاً.. رفض التنوع الثقافي لم يكن من أصل الدين، وإنما هو بسبب الصراع الذي يكتنف أتباعه، سواءً كان صراعاً داخلياً بين أصحابه، بحيث كل جماعة تصبح فرقة تحتكر الحق لنفسها، أو صراعاً خارجياً مع الخصوم، وغالباً ما يحصل هذا بسبب العامل السياسي، الذي يسخّر الدين لأجل متطلبات الدولة والاجتماع.أمرٌ آخر علينا أن نلحظه في الدين.. وهو أنه رغم الاختلاف الساعي بشدة إلى إقصاء الآخر، إلا أن هذه الاستراتيجية أوجدت من حيث لا تريد سبيلاً للتنوع الثقافي، فكل دين؛ بل كل فرقة، تبذل جهدها لكي تبقى، وبقاؤها يعني أضافة إلى التنوع الثقافي، والتحدي الماثل امامنا كثيراً ما يؤدي إلى الحفاظ على الذات.والتحدي لا يكون فقط أمام الخصم الديني، وإنما أمام تطورات الاجتماع البشري، فقانون التطور يعمل على تجاوز ما ليس بعملي في الحياة، فصمود الأديان والفرق أمام تحديات الحياة بذاته، هو فضل على التنوع الثقافي يحسب لها.وهذا التحدي أدى إلى اتباع أساليب ومناهج وأدوات تبقي الدين حياً، ترسم كل ذلك في فنون وفلسفات وعقائد وأفكار تحكي قصة التنوع الثقافي، فأنت عندما تدخل كنيسة يبهرك ما تحمله من رموز ودلالات دينية، أصبحت معالم ثقافية، بل أصبحت كل كنيسة هي معلم ثقافي له ملامحه التي تختلف عن ملامح أختها من الكنائس، وهذا التنوع يزداد كلما انتقلنا إلى دور العبادة في الأديان الأخرى كالمساجد وابرز ما يعترف به في العالم الاسلامي هو حرص ملوك وامراء و حكومات المملكة بالتفاني والاهتمام بالحرمين الشريفين واصدق مثال لذلك جسده الملك فهد بن عبدالعزيز طيب الله ثراه حينما اطلق علي نفسه لقب خادم الحرمين الشريفين واصبح لقبا خالدا ناله كل الملوك من بعده .وهكذا هو الحال.. لو نظرت إلى الإرث الكلامي والفقهي في الدين الإسلامي؛ لتبين لك حقيقةً أنه يحكي فلسفة عميقة للتنوع الثقافي، هذه الفلسفة شكلت حلقة من حلقات التفكير الإنساني وكشفت عن مرحلة التنوير العالمي.
إن هذا التنوع الثقافي لا يظهر فقط في الأعمال الكبرى التي خلفتها الأديان، وإنما أيضاً في نمط العيش البسيط، بداية من القربان الذي كان يقدّم للآلهة، إلى كيفية دفن الموتى، وهو ما احتفظت به المقابر والمواقع و الآثار التاريخية المتباينة ونواصل .
والي اللقاء في المنشور القادم
د.بابكر عبدالله محمد علي