ياسر الفادني يكتب في من أعلى المنصة: وطالت وقفة الأشواق…معاي جنب المكان ذاتو !

من أعلى المنصة
ياسر الفادني
وطالت وقفة الأشواق…معاي جنب المكان ذاتو !
أغنية “قبل ميعادنا بساعتين” من كلمات الشاعر تاج السر عباس وأداء الفنان خليل إسماعيل، تُعد واحدة من النصوص الغنائية التي تمتزج فيها العاطفة العميقة مع البساطة اللغوية، فتخرج بمزيج فني يحمل صدقًا شعريًا وتأثيرًا وجدانيًا واضحًا، تدور الأغنية حول لحظة انتظار ثقيلة، وحالة من الخذلان، يصورها الشاعر ببراعة من خلال تكرار الفكرة ومحاولة التماسك الداخلي رغم الإنكسار
يفتتح النص بزمن دقيق ومعبّر: “قبل ميعادنا بساعتين”، وهو توقيت لا يحمل فقط دلالة زمنية بل يفتح بابًا للقلق والشك والتأمل في ما هو قادم ، من هنا تبدأ رحلة التوتر الداخلي، ويظهر الصراع النفسي في عبارة “أبيتو أنا وأباني البيت”، التي تعبر عن الإنقسام بين البقاء والمغادرة، بين الأمل والخذلان، مع تكرار “أغالط نفسي في إصرار”، يعكس الشاعر حالة الإنكار التي يلجأ إليها الإنسان لتجنب مواجهة الحقيقة المؤلمة
تتجلى في النص صور شعرية بسيطة لكنها مؤثرة، مثل “رعشة ظلال الليل” و”وقفة الأشواق”، وهي تعبيرات تعكس الجو العام للأغنية الذي تسكنه الوحدة والحيرة، الليل في هذا السياق ليس وقتًا فحسب، بل رفيقاً يواسي أو يزيد من وحدة المنتظر، والمكان يصبح كياناً حياً يشارك المشاعر
يصل التعبير إلى ذروته في قول الشاعر: “أنا المصلوب على الميعاد”، وهي صورة قوية تشبه الانتظار بالعقوبة، والميعاد بصليب تُعلق عليه الروح المتعبة، وهنا تنتقل الأغنية من مجرد وصف للحالة إلى تصوير درامي مؤلم، يزيد من عمق المعنى
من الناحية الموسيقية، تأتي الألحان هادئة، متأنية، تواكب بطء اللحظات التي يعيشها الشخص المنتظر، وتسند المعنى النفسي للنص ، أداء خليل إسماعيل بصوته الدافئ الحزين يُضفي صدقًا إضافيًا، ويجعل المستمع يتفاعل تلقائيًا مع كل كلمة، كأنه يعيش التجربة بنفسه
إني من منصتي استمع لهذا الاغنية التي إستطاعت أن تحكي قصة كثيرين مرّوا بتجربة الإنتظار الذي ينتهي بصمت، وتعكس الصراع الإنساني بين التعلق بالأمل والاعتراف بالخذلان، وهو ما يمنحها مكانة خاصة بين الأغاني السودانية الكلاسيكية التي تعبر عن الوجدان بصدق وهدوء مؤلم.