رأي
حيدر التوم خلفية يكتب: لماذا يقرر الآخرون لنا
لماذا يقرر الآخرون لنا
حيدر التوم خليفة
تسريبات كثيرة عن جهود تُبذل ، للوصول إلي حلول لمشاكلنا التي صنعناها بأنفسنا ، وذلك بعد أن تركنا أمرنا وشأننا للآخرين ليقرروا فيه ..
وتفيد بعض التسريبات الصدوقة الكذوبة ، عن حوار يجري بأحد الدول الصغيرة مبني ومعني ، للوصول إلي توافق ينتشل السودان من قاعه القابع فيه الآن ..
كما تفيد ذات التسريبات عن أن محور هذه المفاوضات هو عودة حمدوك وحكومته القديمة ، فهل يا تُري يسير هذا في الاتجاه الصحيح لحل واقعي لمشاكلنا ، وذلك أيضا إذا تجاوزنا دور الدخلاء الطامعين ..؟
لا اظن ذلك ابتداءا ، لأن الشباب لن يقبلوا بعودة حمدوك بتاتا ، فقد افتقدوا فيه القائد الشجاع الثابت الراكز عند المحنة والشدة ، وأنه آثر النجاة بنفسه ، وتركهم لوحدهم يصارعون العسكر واذنابهم من أرزقية السياسة الجدد ، ومن انتهازيٌ اتفاقية جوبا ( اتفاقية البقط) ..
وهم يُشبٌِهون سفرَه بالهروب ، الذي اضعف مظلة الحماية الدولية ، التي كان يمكنه توفيرها لهم حتي ولو في حدها الادني .. وإستبانوا أخيراً ، أنهم قد خُدِعوا فيه ، فالرجل واحقاقا للحق جم التهذيب ، عفيف اللسان واليد ، سامي الاخلاق صدوق ، ابيض السريرة إلي درجة البراءة الطفولية ، ، إلا أنه ، وبلا إتباع العواطف ، لم يكن في قامة الثورة ، لأنه لا يحمل روحها الثورية الجامحة التي تتطلبها المرحلة المائحة المائعة الباتعه ، فالرجل يمكنه النجاح تماما في وضع آخر يحفه الاستقرار ، ويؤدي فيه نظام الدولة دوره بإنسيابية سلسة .. ولأن الكلمة التي تحمل رأياََ ، هي أمانة واجبة الصدح بها ، فمن حقنا أن نقولها ، فهو ممتاز الأداء عند وضع النظريات ، ولكنه سيئ الفعل عند التطبيق ، ومرد ذلك كما أراه ضعف القدرات القيادية لديه ، وبطء الاستجابة والقرار الناجز في وقته ، وافتقاده عند النوازل ، وطغيان الحياء الباذخ عليه عند المواجهة ، وهي من المثالب والسوالب والصفات غير المطلوبة بتاتا عند القائد السياسي ، لأنها في حدها الادني توهن العزيمة وتضعفها ..
والرجل رغم علمه ، ورغم ما اتيح له من فرص نجاح ، وقبول شعبي لم يتح لمسئول قبله قط ، وإجماع وتوافق لم يحظى به أحد حتي الراحل الحاضر الزعيم الازهري .. إلا أنه فشل في استثمار ذلك إيجابيا ، رغم نجاحه في العديد من المسائل الشائكة التي تصدي لها ، وذلك حتي لا نظلمه ، بل قد نجد له العذر في ما لازمه من فشل في ميادين أخري ، لا قدرة له على مواجهتها لوحده ، وكان يمكنه النجاح لو إستصحب معه سنده من جموع الشباب الناهض ، ولكنه آثر الانغلاق ضمن دائرة ضيقة ، هي أقرب للشلة ، ومجموعة الصحاب ، والتي سمح لها بالتمدد ، الأمر الذي أنبأ عن بداية تكوين أوليغاركية ناشئة ..
اي أن الخطأ الأكبر الذي ارتكبه ، هو ابتعاده مبكرا عن حاضنته الشبابية التي وفرت له الدعم الاقصي ، وقدمته مسيحا مُخلِصا ، وقديسا يحمل مفاتيح الجنة بين يديه ، وجعلت منه أيقونة تتغني باسمه شكرا ، وقدوة تُحتذي .. فلم يعمل على التواصل معها ، أو الالتقاء بها طيلة عام ونيف ، وعندما انتبه لذلك وإفتقدها ، كان الوقت قد ولي ، وأدارت له ظهرها ، وبدأت موجة رفض ونقد عاتية له تصدر منها ، بل مساوية بينه وبين شركائه من العسكر …
ورغما عن أنه بدأ يستعيد جزءا من تعاطف الكثير من الثوار بُعيد انقلاب اكتوبر والتحفظ عليه ، وبدأ يبرز كقائد قوي ومصادم مناصرا للثورة ، داعيا الي مقاومة الانقلاب ، إلا أنه سرعان ما فقد كل ذلك ، عقب توقيعه لاتفاق القصر مع البرهان ، ذلك الاتفاق الذي شرعن الانقلاب ، فإنفضت جموع الشباب عنه فآثر الانسحاب بهدوء ، ولا نقول الهروب ، تاركا الميدان مُضرجا بدماء الشهداء التي ما زالت تنزف كل يوم ..
لهذا فرغما عن الاخبار المتداولة اليوم عن طبخة تُعد لحلحلة مشاكل البلاد ، وصفقة تُبقي علي البرهان وحميدتي والثالوث الاقدس ، وتعيد حمدوك رئيسا للوزراء ، ما هي إلا تكهنات ، أو اقوال حتي وان صح بعضها فلن تجد حظها من التطبيق ، لأن هناك مياها كثيرة مرت تحت الجسر في الفترة الماضية ، وتغيرت الكثير من المعطيات السياسية داخليا وخارجيا ، وطال التغيير كل شيئ ، حتي العالم المحيط في ٢٠٢٢ ليس هو العالم في ٢٠٢١ ..
كما أن حوارا لا يستصحب رؤية القوي الحية الفاعلة اليوم ، الممثلة في لجان المقاومة ، اي قوي الشارع السوداني الحية ، لا يمكن أن يصل الي نتيجة يتوافق عليها الجميع ..
إن السودان اليوم يموج بالعديد من الفاعلين السياسين السابقين والجدد ، ولكن للاسف معظمهم يفتقد الرؤية الوطنية الشاملة ، وتغيب عنه المصالح العليا ، وتحركه المصالح الضيقة ، وذلك يشمل جميع مؤسساتنا ، المدنية الحزبية منها والعسكرية ، وهو ما ادي إلي موجة نقد واعية متنامية .. وقد طال هذا النقد والرفض الشعبي الجميع ، وهو شيئ نلحظه بوضوح ، وللاسف الشديد امتد الي الجيش حصن السودان المنيع ، الأمر الذي يستدعي من القائمين والحادبين عليه عاجلا ، دراسة هذا الأمر بصورة علمية وتقديم حلول تعيد له مكانته وتحفظ له هيبته ، ليس بقوة السلاح ، ولكن بالعمل المعنوي والمادي الملموس الذي ينشد تعزيز دوره الوطني ، والسمو به فوق مطامع الجميع ..
إن أكثر ما يحزنني أن اري شأننا وحياتنا ومصيرنا نهبا للآخرين ، وان يكون وفاقنا ، ونحن المجتمع الذي عُرف بالجودية وجبر الخواطر والفزع لنصرة المظلوم ، أن يكون عند من لا ذكر لهم بالأمس ، عند أقوام لا حظ لهم من التاريخ البعيد والقريب ، ولا مساهمة لهم في الحاضر غير بنايات شاهقة وأبراج سامقة .. فهؤلاء لا يُرجي منهم خير ، ولا يُنتظر منهم صلاح ، فهم أهل أطماع ، وعبيد متعة وكُناز أموال وجامعوا ذهب ، لا يهمهم إن مسروقا ، أو مغسولاََ بدماء الأبرياء .. وصدقوني أنهم قوم لا يأتي منهم خير بتاتا ..
لهذا تجاوزوا ما انتم عليه ، وكوٌنوا آلية للوصول الي حالة صلح ، علي رأسها العدالة الانتقالية ، لا تستثني مجرما من عقاب في شأن خاص الا بتنازل وعفو صاحبه ، وتأخذ بقوة على كل معتدي في شأن أو مال عام بلا تضليل أو حماية من مسئول ، بدون ذلك لا نري إلا الاحتراب ، لأن رد المظالم الي اهلها هو أولي خطوات رد الظلم وقمعه ، ورفع العدل نورا يشع علي الجميع ، ويكفل تحقيق القانون على الكل ..
لهذا فإن عودة حمدوك لن يفيد ، فقد يساعد علي تأخير الانفجار الشعبي لا اكثر ، فهو في محصلته النهاية يعني تجريب المجرب ، وهو أمر أشبه باعادة إكتشاف العجلة ، فحمدوك مرحلة تم تجاوزها ، بعد أن انقضت بنجاحاتها وفشلها ، فهو مشكور علي ما قدمه ، فذلك وسعه ، وفقا لمقدراته التي ربما لم تتفجر بعد بعد ان حاصرتها قوة العوامل المحبطة الداخلية منها والخارجية ، الصادرة من العدو والصديق …
وسعيُ هؤلاء لإعادة حمدوك الي الحكم مرة أخري ، يذكرني دائما بإدارات المريخ المتعاقبة مع مدربهم غارزيتو ، فهو اليوم مطرود ، وغدا مطلوب ، في تكرار لذات الأمر عدة مرات ، وفي تدخل خارجي من الفيفا مرات أخري ، حسما لمشاكلهما ..
فمن الذي يمثل الفيفا اليوم يا تُري في مسألة إعادة حمدوك …؟
نسأل الله أن يحفظ البلاد والعباد
حيدر التوم خليفة