رأي

د. عبد الله فتحي يكتب: الحلو..رغم مرارة الأيام

عمود صحفي بعنوان/
نصف كوب

د.عبدالله فتحي✒️

الحلو..رغم مرارة الأيام
……………………….

رشفة أولى :

والحزن يتساقط علينا كمطر المحيط المتجمد وعندها أطرافنا ترتجف وأحاسيسنا تحترق حزنا على فراق الصديق العزيز الروائي السوداني المبدع /
صديق الحلو ..

ذاك الحلو رغم مرارة الأيام وقساوة الدروب وشظف العيش وطهارة الجيب وحرارة المعالم ودناءة الهمم وحنظل الأحداث.

ذاك المبتسم رغم الزمن العبوس والدبنقة ( الأبت تتدردق) وفراق الأحبة اليوماتي حرور وحضور وغضبة الريح مع (الصفق) اليباس..

ذاك المبلل بالابداع في صيف المنابر وجفاف الحروف وهجير القوافي وهجرة ( الرهو ) من دون مواسم للرحيل.

رشفة ثانية :

تلمحه من بعيد..
رجل خفيف الحركة لا تناسب عمره.. أشيب..يتأبط قصاصات اوراق وكتابات اصحاب أقلام وعدهم بالنشر في إحدى صفحاته التي يتولى تحريرها.. ملفح بعمامته القصيرة التي لا ترمز لحزب ولا لطائفة ولا لمذهب ولا لغنى سوى غنى النفس..عمامة تلازمه خشية أن تطفش قصصه الرائعة من رأسه المزدحم بحب الحرف..عمامة تطوقه لتعصب صداع الأفكار الجميلة المكدسة دونما نظام وهى تنتفخ وتهبط تحاول الخروج..
عمامة تراها فتعرفه قبل أن تراه..كأنها لافتة شعار شركة زين ( عالم جميل ) أعلى كوبري النيل الأزرق قبل الحرب.

و(صديق) لو تعلمون..وحده عالم جميل..(وناس) درجة الكيف..لطيف كلمحة طيف..واضح كحد السيف..جميل حقيقي في زمن الزيف..لماح وجبار خواطر وعبارته نهاية كل نقاش جاد ( أوعا تكون زعلت مني )..

قصصه الحادقة جابت العواصم والمدن العربية والافريقية..مرة يرافقها ومرات تنبعث وحدها عبر الأثير والورق..حيي..لكنه لا يعرف الخجل أمام جمهوره ذو ( العقال) أو ذو ( الطواقي) في عرض وتقديم تفاصيل قصصه التي تدخل مابين الملابس والجلد..ومابين الجلد والعصب..وما بين العصب والنبض.

قضيت معه فترة في صحيفة (اخبار اليوم)..نمسك الجريدة صفحة..صفحة..فنعلق على موضوعاتها بطريقتنا المزيج مابين السخرية والجدية والمهاترة والفلسفة وقراءة مابين السطور وسيرة الكاتب (صديق بيعرف الصحفيين والمبدعيين السودانيين جلهم..ان لم يك كلهم.)..وفي نهاية كل صفحة ضحكة صاخبة من جوه الجوف.

كتب مقدمة لديواني الشعري الأول ( لمة مشاعر ) فصارت مقدمته أجمل قصيدة في ديواني..صادقته حينا من الدهر ولن تنتهي صداقته..يزورني في مكتبي لكننا نجلس خارج السور ( فهو مبدع يعشق الفضاءات والطلاقة ويكره القيود وإن كانت حريرة عريس.) نجلس تحت الشجر القصير الظل.. على التراب مباشرة..نتسامر.. وورق الحلاوة يتطاير من حولنا مع اكياس النايلون وكراتين البسكويت الفارغة و(شعر العشر ) يحملهم إعصار مفاجيء إسطوانيا الى أعلى..أعلى.. حتى يتماهوا جميعا مع الطيور ثم الحمائم ثم الصقور ثم أشعة الشمس..فيخرج نوتته ويكتب…

آاااه..
هاهى الأقدار تقلب الصفحة..هكذا دون تأني وتمهل يستحقه عطاء (صديق) الثر على طول طريق حياته..تأني وتمهل لننجز مواعيدنا الموعودة فنودعه ونوادعه ثم ندعه للموت..هل كنا سندعه؟!..

رشفة آخيرة :

( إن القلب ليحزن..وإن العين لتدمع..ولا نقول إلا ما يرضي الله.).
اللهم أرحم أخي (صديق) وطيب مثواه انه كان طيب القلب..اللهم تولاه بعطفك ورأفتك انه كان رقيقا عطوف..اللهم أغدق عليه بعطاءك فإنه كان يعطي مما وهبه الله بلا من ولا أذى..
يا الله..يا أرحم الراحمين.
(وداعا يا وديع )..و..معاكم سلامة.????

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى