بين دوي المدافع.. “مدرسة هنادي” تنقذ أطفال الخرطوم من براثن الحرب والضياع

بين دوي المدافع.. “مدرسة هنادي” تنقذ أطفال الخرطوم من براثن الحرب والضياع
محمد السني 25 أغسطس 2025م
في وقت تُغلق فيه أبواب المدارس، وتُطوى صفحات الكتب تحت وطأة دوي المدافع، ترفع سيدة سودانية راية مختلفة.. راية القلم والدفاتر والأمل وتطلق « مبادرة النور الهادي التعليمية».
إنها الصحفية هنادي الهادي، التي حولت رعب الحرب إلى حلم التعلم، وحولت اليأس إلى فصول دراسية، لتنقذ جيلاً كاملاً من الضياع.
من 11 تلميذًا إلى ملاذ لأكثر من 190 طفلاً
منذ الأيام الأولى لاندلاع الحرب في أبريل 2023، لم تنتظر هنادي الهادي حلول السلام لتبدأ في عملها في حيها بمنطقة الكلاكلة جنوب الخرطوم، حيث يخيم الخوف ويغيب الأمان.
أطلقت هنادي شرارة أول فصل دراسي، ليكون ملاذاً لأطفال لم يجدوا سوى أصوات القذائف بديلاً عن أصوات زملائهم في المدرسة، بدأت برفقة 11 تلميذاً فقط، لكن إصرارها على منحهم بديلاً عن التشرد والضياع جعل من فكرتها الصغيرة مشروعاً كبيراً، يضم اليوم أكثر من 190 طفلاً، كل منهم يحمل قصة صمود في وجه الظلام.
#الفكرة
قالت هنادي إن فكرة هذه المبادرة نشأت كاستجابة عاجلة لاحتواء وحماية الأطفال الذين حرمتهم الظروف الأسرية الصعبة من مغادرة مناطق النزاع مع اندلاع الحرب في الخرطوم، جاءت المبادرة بعد ملاحظة الآثار السلوكية الخطيرة للحرب على الأطفال، والتي تمثلت، في ظهور سلوك عنيف واضح في تصرفاتهم، وتشردهم وتجولهم في الشوارع دون هدف، بجانب انخراط بعضهم في صناعة أسلحة بدائية من المواد المتاحة وانحراف آخرين لتقديم معلومات عن أحيائهم وأهلهم للمليشيا المتمردة، وإرشاد المليشيا إلى منازل الأسر التابعة للقوات النظامية، بالإضافة إلى ممارسة السرقة «أو ما يعرف محلياً بـ”الشفشفة”».
#الهدف
وتضيف هنادي بان الهدف من المبادرة تأسيس الطلاب في المرحلة الابتدائية وتعليمهم المواد الأساسية الأربع «اللغة العربية، اللغة الإنجليزية، الرياضيات، والتربية الإسلامية» بالإضافة إلى غرس قيم الانضباط والشجاعة الأدبية وتقويم السلوك المنحرف، إلي جانب إعادة تأهيل الأطفال نفسياً وانتشالهم من الآثار النفسية للحرب والسلوك العدواني.
#المساهمة
أسهمت المبادرة في رفع مستوى التحصيل الأكاديمي للطلاب، ومكنت عدداً منهم من الانتقال إلى مراحل دراسية جديدة.
وإجرت المبادرة العديد من الاختبارات الشهرية والامتحانات مع منح نتائج تقييمية للطالب وتحفيز للمتفوقين ،ومنح جرعات تعليمية وتوعية وتثقيفية وتكثيف المعالجات للطلاب ذوي المستويات المتدنية بمشاركة بعض استاذات وخريجات وطالبات الجامعات.
#عزيمة_وتحدي
لم تكن الرحلة سهلة حيث بدأت هنادي بتدريس المواد الأساسية مجاناً، حاملةً على عاتقها عبء التكاليف الأولى، ومع تزايد الأعباء، اضطرت لفرض رسوم رمزية لا تتجاوز الجنيهين السودانيين للمساهمة في تغطية بعض النفقات، مؤكدةً أن هذه التحديات المالية لا توقف عزيمتها في مواصلة المشوار، وأن إشراقة وجوه الأطفال وهي تتعلم هي أكبر دافع لها للمضي قدماً.
#صوت_المتطوعين
لم تكن هنادي وحدها في هذه المعركة بل انضم إليها متطوعون آمنوا برسالتها، مثل المعلمة هبة عثمان، التي قالت إن دور المدرسة في المنطقة مهم جداً وله تأثير ايجابي كبير على حياة الأطفال وتمثل درع واقي لحمايتهم من التشرد في الشوارع، وناشدت هبة اولياء الامور بتشجيع اطفالهم على الدراسة وابدت عن سعادتها بالإنضمام اليهم، وشقيقتها المعلمة نهى الهادي التي تعمل بمدارس الذهبية بالخرطوم، حيث ابدت نهى عن سعادتها بالمبادرة واعتبرتها بارقة أمل للاطفال جنوبي الخرطوم، وعبرت عن جزيل شكرها للصحفية هنادي الهادي على اطلاق المبادرة وأكدت دعمها ومساندتها للطلاب وتقديم كل مايمكن تقديمه.
هذه الشهادات تؤكد أن المبادرة لم تكن مجرد فصل تعليمي، بل أصبحت نواة لمجتمع مصغر، يزرع الأمل ويحافظ على الإنسانية في زمن الحرب.
وفي الختام
هنادي الهادي لم تبني مدرسة من الطوب والإسمنت، بل بنت حصناً من الأمل يحمي براءة الأطفال من عواصف الكبار، في وقت تذكر فيه التقارير الدولية عدد القتلى والمنازل المدمرة، تذكرنا هذه المبادرة بأن أعظم الانتصارات هي تلك التي تحفظ للإنسان إنسانيته.
هنادي ومتطوعوها لا يكتبون على السبورات فقط، بل يكتبون تاريخاً جديداً للخرطوم، تاريخاً يقف فيه التعليم صامداً في وجه كل الدمار.