محمد السني يكتب: قهوة العمدة احمد «كرنكي» : حيث تُنسج الحكايات وتُولد الأحلام

قهوة العمدة احمد «كرنكي» : حيث تُنسج الحكايات وتُولد الأحلام
محمد السني: 26 أغسطس 2025م
في قلب سوق بورتسودان المزدحم، حيث يعانق عبق البخور نسمات البحر المالحة، يقف مقهى «العمدة» شامخًا منذ عام 2003، ليس مجرد مكان لاحتساء القهوة فقط ، بل قبلة للقلوب المتعبة وملتقى للأرواح التي تبحث عن دفء إنسان لم يعرف سوى العطاء.
العمدة أحمد «كرنكي» ، ذلك الرجل الذي تحمل قدماه رسالة روح لا تعرف المستحيل، جلس على كرسيه المتحرك ليقول للعالم أن الإعاقة ليست نهاية الطريق، بل بداية لطريقة مختلفة في العيش الكريم والرزق الحلال، بابتسامته التي تذوب فيها هموم الزبائن، وصوته الذي يحمل في نبراته دفء الأوطان.
ذات مرة ناداني باسمي من وسط الزحام، داعياً إياي لأجلس معه وأشاركه فنجان قهوته، يصنع من كل زائر ضيفاً عزيزًا، ومن كل غريب صديقا قديماً.
هنا، في هذا المقهى المتواضع، لا تُقدم القهوة في فناجين فحسب، بل تُقدم في كؤوس من إنسانية نادرة، على طاولاته البسيطة، تُنسج حكايات الناس، وتحل الخلافات، وتُولد الأحلام،حيث يجلس التاجر بجانب البحّار، ويجتمع الغريب مع القريب، تحت سقف واحد يجمعهم جميعا، سقف الكرم والاحترام.
العمدة لم يؤسس مقهى ، بل زرع مدرسةً للعطاء، علّم فيها رواده أن البطولة ليست بقوة الجسد، بل بقدرة القلب على احتواء الآخرين. جعل من كرسيه المتحرك عرشا للعزيمة، ومن فنجان القهوة رسالة محبة تنتقل من يد إلى يد، ومن قلب إلى قلب.
اليوم، إذا مررت ببورتسودان، فلا تبحث عن قلبها النابض في شوارعها فقط، بل ابحث عنه في ذلك المقهى الصغير حيث يجلس رجلٌ أعطى المدينة درسا في الكرامة والإصرار. قهوة العمدة ليست مجرد مكان، بل هي روح مدينة، وقصة إنسان حوّل إعاقته إلى إرادة، وصنع من الألم أملًا، ومن القهوة رمزًا للعطاء لا يُنسى.