رأي

محمد عبدالله الشيخ يكتب في نصف رأي: ساقي القوم خادمهم

*محمد عبدالله الشيخ*

*نصف رأي*

*ساقي القوم خادمهم*

مرت ذكري الهجرة النبوية ويالها من ذكري تتجدد فيها معاني التدبر والتفكر وإستلهام الدروس والتأسي والاعتبار لما ارتبطت به من تحولات كبيرة علي مستوي الدولة والدعوة وما صاحب الهجرة من معجزات هُجِِّر المصطفي صلي الله عليه وسلم ولم يهاجر خرج متخفيا في معية ثلاثة من أصحابه الصديق أبوبكر وعامر ابن فهيرة وعبدالله ابن اريقط ما أعظم الرفقة خرج المصطفي وصحبه تتهدده وتتوعده أربعون قبيلة يمثلها أربعون من الاشرار اخرج من أحب البلاد إليه الي أحب بلاد الله الي الله من مكة المكرمة الي المدينة المنورة التي اخذت شرف هذا الاسم بعد هجرته المباركة بدات المعجزات عندما حط المصطفي وصحبه عند تلك الاعرابية البدوية (ام معبد) في خيمة في صحراء جرداء فطلب منها صلي وسلم طعام ولم يكن معها إلا تلك العنزة العجفاء وكيف فاض ضرعها بلبن بمس يده الطاهرة وما ان قدم صلي عليه وسلم اللبن لصاحبة العنزة والدار فقالت له إشرب أنت وصحبك فجاءت العبارة الخالدة التي تمثل قمة التواضع والإيثار((ساقي القوم خادمهم )) كان الفعل قبل العبارة ان يحلب بيديه الشريفتين الماعز وكان يمكنه يكتفي بالمس علي ضرعها ويامر احد مرافقيه ليحلبها لكن أراد ايرسي قيمة انسانيه يحلب الشاه ويسقي الناس ((ساقي القوم خادمهم))
هي عبارة قالها منقذ البشرية ومعلمها وهاديها قبل الف وأربعمائة سبعه وأربعون عام لكن ظل صداها حاضرا متجددا دلالة علي تواضع من رفعه الله القسيم الوسيم الاقرن الاكحل كث اللحية اذا صمت يعلوه الوقار وإذا تكلم علاه البهاء حلو المنطق لا نذر ولاهذر كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن هكذا وصفت ام معبد ما بدأ من صفاته ظاهرا لها بالعيان لكن كيف نفذت بصيرة تلك الاعرابية الي منطقه ((حلوالمنطق لا نذر ولا هذر كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن ))كيف كانت لحظات معدودة من لحظة حليب الشاة الي تقديمة كيف كانت كافية لتبدي تلك البدويه كل هذه الملاحظات عن شخصه ومنطقه وتعامل أصحابه معه لكنه ما اجراه الله علي لسانها ثم ايده بقران منزل من سبع سموات فذكاه فقال تعالي ((ماضل صاحبكم وماقوي)) ثم ذكي لسانه فقال ((وما ينطق عن الهوي)) ووذكي بصره فقال ((ما زاغ البصر وماطغي)) ثم زكاه كله فقال ((وإنك لعلي خلق عظيم)) وتظل عبارة المعصوم بصداها المتجدد دلالة علي التواضع ولين الجانب والايثار
هُجِِّر مطارا ولم يشأ ان يفصح حتي عن اسمه لام معبد وهي تسأله عن اسمه( عبد الله )ثم عن مكانه فيجيب (من ما) هكذا كان يتطلب الحس الأمني لتامين الهجرة ليعلمنا صلي الله عليه وسلم الاخذ بالاسباب والتحوط للاحتمالات
ويظل تواضع الرئيس أمام فربما قاد ذكاء ام معبد لكشف سره وهي التي فطنت حتي لتعامل صاحبية وتلقيهم لكلامه (اذا قال استمعوا لقوله وان امر تبادروا الي أمره ) لكن من هم رفقته وبطانته من علية القوم أبوبكر الصديق وعامر ابن فهيرة وعبدالله ابن اريقط من المتكلم؟ ومن المتلقي ؟ رجل بهذه الصفات وهذه العظمة وحوله هؤلاء الرجال يأتيه صاحب حاجة ويمسك بتلابيبه ويهزه ويخاطبه باخشن الألفاظ اعطيني من مال الله انك لم تعطيني من مالك ولا مال أبيك فيغضب أصحاب رسول الله من الرجل فيهبوا لتاديب من يعتدي علي رسول الله فما كان منه صلي الله وسلم الا ان يقول له(*اجلس حتي تاتينا الصدقه فنامر لك بشيء منها ) وفي رواية اخري يضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له (*المال مال الله وانا عبد الله* )ويامر له بالعطاء نعم هكذا بأخلاقه ربي عليها المعصوم أعظم الرجال واشجعهم واقواهم في الحق واشدهم علي الباطل كانت هجرته فتح عظيم وحدث غير مجري التاريخ بتلك الارادة والعزيمة قطع اوعر الطرق ومئات الأميال بين الجبال والوديان والوحوش بين مكة المكرمة والمدينة المنورة هي لم تكن مسافة تقاس بمخاطرها واميالها لكنها بما احدثت من نقله وماترتب عليها من فتوحات ومازال وصل النبي صلى الله عليه وسلم مع اؤلئك النفر العظام من اصحابه الي المدينة المنورة فاستقبله اهل المدينة مهللين مستبشرين بمقدمه (طلع البدر علينا من ثنيات الوداع ) فكان اول مااهتم به بناء المسجد لما كان يلعبه المسجد من أهمية في إدارة شئؤن الدولة وتنظيم الحياة ثم عمل صلي الله عليه وسلم علي تقوية النسيج الاجتماعي فآخي بين الاوس والخزرج وبين النصاري واليهود والمهاجرين والانصار ثم اتجه الي تأمين حقوق الرعية فكانت الهجرة تحولا كبيرا انتشرت بعده الدعوة وتوسعت الدولة دخل الناس في دين الله افواجا انزوت الي اقاصي الحدث كل شخوص الكفر والجبروت والكبرياء تهاوت الي الدرك بفضل نور الهداية النبوية التي اشع نورها وانبلج وأضاء ظلامات الجهل القائمة علي عز القبيلة والجاه والتفاخر بالاموال والانساب
صلاة الله مامطر تدفق
وما حب بافئدة تدفق
علي الهادي النبي له حروفي
تتوق وتزدهي كالروح اورق
يتيما قد ملأت الارض عطفا
وأميا وزدت العلم فخرا
ملأت الارض مرحمة وعدلا
عليك صلاة ربي كل حين
صلاة تملأ الارجاء عدلا
وكانت تائن أسيً وقهرا
بهذا اخلاق وصفات اجتمع حمزة وعلي وعثمان القرشيين مع بلال الحبشي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي هكذا أزال الرسول الكريم بخلقه وادبه كل أشكال الفروق والتمايز (سلمان منا آل البيت) واشتري عمر الفاروق مظلمة امرأة خشية ان تقف خصيمة له يوم القيامة وحمل علي ظهره الدقيق لاطعام أيتام جياع وجلس واتي بزوجته ينتظر امرأة تعاني آلام المخاض حتي وضعت مولودها وهي لاتعلم ان الذي بدارها هو أمير المؤمنين هؤلاء هم رجال الدولة وبطانة الخير الذين اضاءوا ظلمات الجهل كانوا يتنافسون ويتسابقون الي الخيرات يتتبع عمر اثر ابي بكر بعد ان لاحظ خروجه باكرا بعد صلاة الصبح حتي ولج الي دار عجوز يطعمها بالتمر بعد ان يبلله بريقه الطاهر لتعلم بوفاته بعد ان واصل عمر نهج ابي بكر فقدم التمر للعجوز دون ان يبلله بريقه فعرفت وهي كفيفه ان هذا ليس ابي بكر وسألت عمر هل مات ابي بكر هذه هي اخلاقهم وشانهم مع الرعية اصلحوا مابينهم وبين ا الله فاصلح الله مابين الذئاب والغنم فكانت ترعي الي جنبها دون ان تعتدي عليها هكذا عدل عمر بن عبدالعزيز ينثر ما فاض عن حاجة الناس من القمح علي الجبال حتي لا تجوع الطيور في عهده هؤلاء هم خريجو مدرسة النبوة ومن قال فيهم صلي الله عليه وسلم((اصحابي كالنجوم باي اقتديتم اهتديتم )) لا يغضبون إلا إذا انتهكت محارم وانتقصت فضيله لايعرفون الثأر لأنفسهم يصرع علي احد الكفار في معركة فيبصق الكافر علي وجه علي الأكرم فيدخل علي سيفه داخل غمده وينهض ويترك الكافر خشية ان يكون قتل ذلك الكافر انتقاما لذاته انها اخلاق النبوة التي بفضلها وقوة تاثيرها انتشر هذا الدين قبل أن ينتشر بمواقف البطوله أمام ملوك الفرس والروم حين يدخل قائد جيش المسلمين علي ملك الفرس في قصره المنوف المفروش بالديباج والحرير يخطو بكبرياء ويطعن بحربته ذلك الفرش غير عابي ولا مكترس لرث ثيابه هذا هو الكبرياء وعز المسلم المطلوب في مثل هذه المواقف فاين خلف هؤلاء
ما أحوج الأمة وحالها الراهن للاقويا

هذا مالدي
والرأي لكم

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى