حيدر التوم خليفة يكتب: أكذوبة “جدودنا زمان وصونا على الوطن”… يجب تضمين التقسيم ضمن الحلول المطروحة لمشلكة السودان ..

*أكذوبة جدودنا زمان وصونا على الوطن*
*يجب تضمين التقسيم ضمن الحلول المطروحة لمشلكة السودان ..*
*حيدر التوم خليفة*
لست مسروراً بأن تنقسم البلاد ، ولا فرحاً بأن تتشظي ، ولكنني واقعي الجانب في القرار السياسي ..
والكل يتحاشي الحديث حول هذا الأمر ، مع انه قد يحمل حلاً باتراً لمشكلة السودان الحالية ، ويكون سبباً في ايقاف الحرب المستعرة الآن ، ومدخلاً لحفظ العديد من النفوس ، خاصة لوطن مصنوع ، وفسيفساء متنافرة تبعث على الاسي ، وتورث الخذلان ، فوطن بلا كرامة لا يسمى وطناً..
والحديث عن التقسيم الجميع يتحاشاه ، كأنه جريرة عظيمة ، نسبة للتعليب الفكري ، ومخرجات العقل المستأنس المنغلق ، المقيد بأحلام الوحدة المستحيلة ، والمُعطَلة وظيفته ، بالعاطفة المنداحة التي تعمي البصائر ..
وقد ينظر إليك البعض شذراَ اذا تفوهت بكلام معللٍ مسببٍ حول ضرورة طرح التقسيم كحل من ضمن الحلول الأخرى ، وهو اقلها تكلفة واعظمها فائدة لإنسان السودان المكلوم وفقاً لمعطيات الحاضر ، ويكفيه إنجازاً طي صفحة الحروب ، وحفظ النفوس المهدرة منذ سبعين عاماً ..
نعم هي في الحقيقة نظرات بلاهة تنبئ عن شخصية مُستغفلة ، نُحِت في عقلها الخرِب صورة زاهية خيالية لا وجود لها على أرض الواقع ، عن وحدة مزعومة تجمع بين الشحم والنار ..
إن الأمر لا شان له باستعلاء عرقي مزعوم ، أو سيادة مفروضة ، أو هامش مُضهد ، أو مركز جائر ، وإنما يتعلق بأمر أعظم وهو ، غياب ركائز بناء الدولة المجتمعية ، وهي الوحدة الثقافية والنفسية الجامعة ضمن إطار التنوع الايجابي ، وهذا امر مفقود بالكامل ..
وقد اجهزت الحرب الحالية بأخر ممسكات (شبح) الوحدة الوطنية في حدها الادني ، فلا يمكن لي باي حال من الأحوال ان اتعايش مع من جعلني مغنماَ ، ومن سعي الي إقصائي ونفى وجودي ، ولن تطيب لي حياة ، أو تأنس نفس لمن استعان بالاجنبي لقتلي ونهب ما املك ، واستباحة ارضى وعرضي ، وهو ينادي بتدمير الدولة التي تجمعنا ، والوطن الذي يظلنا ، خدمة لمشروع اجنبي لاقي طباقاً وهوي في مركوزه الداخلي السقيم ، وإرثه العليل ، مشروع لا يعرف هو نفسه ابعاده او مراميه ، ولم يتجول فكرياً في ساحات فيافيه ..
وإذا كان شعاره تحطيم دولة الاستقلال ، فلتتحطم الدولة ، وليذهب كل أحد الي حال سبيله ، ولتتقسم البلد ، فحفظ النفوس أولى ..
فلا احد يريد أن يتعايش مع من عَمد الي تخريب حاضرنا ، وسعي الي دمار ماضينا ، ومسح ذاكرتنا التاريخية نهباَ وتدميراً لمتاحفنا وإرثنا الوثائقي ، وسجلات حقوقنا في الأرض والعدل ، وقبر شخصيتنا المفردة بين الأمم ..
ومن يضمن لي أن لا تتكرر هذه الأحداث مرة أخرى ، ولو وُقِع الف اتفاق !! واسبابها مركوزة في نفوس الآخرين غلاً وحقداً ، تتخلل ثقافته وارثه المحكي ، وتتسلل حتى الي غنائه وشعره وادبه الشعبي …؟
لا احد ، لهذا اخر العلاج الكي ، والبتر قد يكون انجع ..
وقد يرد البعض بالقول ماذا استفدنا من فصل الجنوب ؟
سؤال يدل على أنانية ووصاية شائهة ، لهذا السؤال الاصوب ماذا استفاد الآخر الجنوبي من إنفصال الجنوب ..؟
يكفيه انه كسب وطناً ، ويعيش في بلده حراً ، وقد فارقه تماما احساس الدونية ، وشبح انه مواطن من الدرجة الثانية ، كما كان يردد ويحس ويشعر ويتنفس ويسلك ويتصرف ..
وهناك من يردد بأن الجنوب قد إنفصل ، ولكن اهله عادوا الي الشمال فما الفائدة ؟
وهذا امر يحسب عليك ، ويدل على انك دولة ضعيفة ، بلا نظام او قانون ، وإن المسئولين فيها عبارة عن اقزام ، ضِعاف الوطنية ، يتعاملون بإستسهال مع أمور السيادة وحفظ الوطن ، فلو مارست سيادتك وبسطت سلطتك على حدودك ، وفقاً لقانونك الذي لا ينازعك فيه احد ، لما إمتلأت البلاد بالوجود الأجنبي ، والذي حذرنا منه كثيراً ، وكان مورداً وخزاناً بشريا نهل منه الدعم السريع مقاتلين أعظم إجراماً ، وأكثر ضرراً ، وذلك في مختلف التخصصات العسكرية ، واورثنا سارقين ناهبين ، وقتلة مجرمين عضوا اليد التي أحسنت إليهم ، وأساءوا الي النفس التي رفقت بهم ، ولا مجال غير بترهم ، لهذا التذرع بهذا الأمر ساقط ولا اس ثابت له ، ولا يُعتد به ، فعِّل قوانينك واحرس حدودك ، ومن أراد أن يأتيك فليأتك بالباب وفق وثائق رسمية تحفظ حقوقه وحقوقك ..
لهذا ضعوا التقسيم ضمن الحلول المتاحة (وهو لائح في الافق) ، واذا اختار اهل السودان ذلك فهو ليس بدعاً ، فقد انقسم الاتحاد السوفيتي سلما قبل هذا ، وإنقسمت يوغسلافيا إثر حرب ضروس ..
والتقسيم هنا مثل الطلاق ، جعله الله حلاً اخيرا ، وملتجئا عندما تصبح الحياة صعبة ، ويتعثر المسير ، لهذا سُمي بأبغض الحلال الي الله ، فلا أحد يتزوج ليطلق ، ولكنه يحدث نتاج مسيرة الحياة وتفاعلاتها …
إن الصراع الذي نراه اليوم على السلطة ، وهو صراع سياسي تسنده القوة العسكرية لا ينبئ بخير ابدا ، وهو ناتج عن واقع معقد ويزداد تعقيدا كل يوم ، انها التناقضات التي لا حل لها ، وتفاعلات عوامل الداخل والخارج ..
الكل يعرف ان هناك حرباً مؤجلة بين أصدقاء اليوم فرقاء الغد ، واذا حدثت فلن تكون كالحرب الحالية ، وإنما ستكون حرب غلٍ ، وسوف تؤدي الي إزهاق أرواح بريئة كثيرة ، وفناء مجموعات ، حرب حدها الأعلى العرق ، وسورها الأدني الجهوية ، وهي حرب وجود بلا اخلاق وحقوق محفوظة ، أو خطوط حمراء ، أو قيم مانعة ، أو مُثل رادعة ..
لهذا عندما تجلسون لمناقشة اي حل ، ضعوا التقسيم من ضمن الحلول المطروحة ، ومارسوا السياسة ببراغماتية إيجابية بعيدة عن العواطف وتهويمات جدودنا زمان وصونا على الوطن ، فهم لم يوصوا أحدا ، لسبب بسيط انه لم يكن لديهم دور في إيجاده فهو وطن صنعه المستعمر خدمة لأهدافه ..
فعندما وافق الباب العالي في استانبول لخديوي مصر ، بتجريد حملات لضم ما يعرف اليوم بالسودان لم يقل له اذهب الى السودان ، وإنما أعطاه الأذن لضم ممالك وسلطنات النوبة وسنار وكردفان دارفور ، وما أكثرها ، فلم يكن قبلها هناك بلد اسمه السودان ، حتى اسم السودان لم يكن يطلق عليه ، ولم يكن معروفا في آفاقنا ، ألم اقل لكم انه وطن مصنوع ، فكفوا عن ازعاجنا ، وحفظ النفوس أولى …
*حيدر التوم خليفة*
١٩ يوليو ٢٠٢٥