رأي

خالد فضل السيد يكتب: من طمس تاريخ العبدلاب؟

من طمس تاريخ العبدلاب؟
بقلم: : خالد فضل السيد
مازال الكثير من تاريخ السودان في الحقب والقرون الماضية مختفيا و مفقودا وتم تعديل الكثير منه حيث لا تتطابق الأحداث والواقع في تلك الفترة وقد أثار ذلك جدلا واسعا وسط الخبراء التربويين والمؤرخين لمسح هذا التاريخ الذي يعتبر مصدر عزة وفخر لكل السودانيين وكان للاستعمار في تلك الفترة دورا هاما في مسح هذا التاريخ النادر بجانب بعض الجهات الداخلية والخارجية التي عملت علي طمس هذا التاريخ .
فالمناهح ليس محل صراع إيدولوجي وإنما ساحة للمعرفة والعلم وماحدث من تشويش وحذف لبعض هذه المواد التاريخية التي لم تتم عبر لجان علمية أو خبراء في ذات المجال تعتبر جريمة ستدفع ثمنها الاجيال القادمة التي ستفقد تاريخيا كان من الممكن ان تعتز به وسط الشعوب تساؤلات يطرحها المؤرخون عن الجهة أو الجهات التي قامت بهذا المسح ولمصلحة من وكيف تمكنت من الوصول بهذه السهولة الي الوثائق التاريخية وتلاعبت بها وهل ستقوم الجهات المسؤولة بعمليات المراجعة وإعادة التاريخ المحذوف الي المناهج أم سيبقى الحال كما هو عليه .
هدفنا هو حرصنا علي تطور التعليم وتعديل التشوهات التي أصابت المناهج من حذف يتعلق بتاريخ السودان في الحقب السابقة الذي هو حذف غير مبرر سيجعل الأجيال الناشئة تجهل الكثير من تاريخ الأجداد الذين سطروه بأحرف من نور ولعل من أهداف المنهج التي يجب أن تغرسها في الطلاب والمتلقيين هو حب الأوطان والأخلاق الحميدة والسلوك القويم .
ومن ضمن تلك المواد التاريخية التي تم حذفها وإزالتها هي تاريخ العبدلاب الذي امتد حكمهم لمايقارب ال 360 عاما .
فالعبدلاب هم أبناء الشيخ الشريف عبدالله جماع بن الشريف محمد الباقر وسمي بجماع لجمعه شمل القبائل العربية وينتهي نسبه الي السيدة فاطمة الزهراء من ابنها عبدالله بن علي بن أبي طالب ( كرم الله وجهه ).
نشأ الشيخ عبدالله جماع في بيت دين وعلم حيث ذهب والده في سن مبكرة الي مكة المكرمة ليحفظ القرآن وعلوم الشرع وعاد الي السودان وقام بنشر الدعوة والقرآن أهلته ليكون علي رأس أهله القواسمة ورفاعة الكبري قاده طموحه وحبه للدين في التفكير في توحيد القبائل العربية وإقامة دولة إسلامية فسعي الي المك عمارة دنقس مك الفونج الذي كان ملكا عادلا ذا سمعة طيبة طالبا التحالف معه لينجزا سويا إقامة دولة إسلامية في السودان فوجد التأييد والمباركة واوكلت له قيادة جيوش الحلف فاحسن تنظيمها وترتيبها وتعبئتها وتولي الشيخ عبدالله جماع قيادة الجيوش فأنتصر علي العنج حكام مملكة علوة في عاصمتهم سوبا وتقهقرت
جيوشهم منهزمة الي عاصمتهم الثانية قري فتم حصارها لفترة طويلة ثم التقي الجمعان وسقطت دولة علوة ليقوم بعدها الحلف العبدلابي الفونجي الذي عرف بالسلطنة الزرقاء في العام 910 هجرية الموافق 1504 م لتبدأ بعدها فترة جديدة في تاريخ السودان .
وبعد أن دان لهم الحكم اتخذ الشيخ عبدالله جماع عاصمته قري والثانية حجر العسل بينما اختط عمارة دنقس عاصمته سنار وأقاما اول دولة إسلامية في السودان تحتكم الي شرع الله وهي الدولة التي صنعت السودان الحالي خلال حكم رشيد امتد لأكثر من ثلاث قرون حتي العام 1821م.
في عهدهم ازدهر العلم وتوافد العلماء والدعاء الي البلاد بعد هزيمة المسلمين وانهيار دولتهم في الأندلس ونشروا اللغة العربية والثقافة الإسلامية والفكر الصوفي الذي علا شأنه في تلك الفترة وظهر في تلك الفترة أبناء الشيخ غلام الله بن عايد الركابي والشيخ محمد سوار الدهب والشيخ عبدالصادق والشيخ الحاج موسي جد الشيخ حسن ود حسونة والشيخ حمد أبو دنانة ، وقد أرسى العبدلاب دعائم اول دولة عصرية تحتكم الي شرع الله بقيادة الشيخ عبدالله جماع وخليفته وابنه الشيخ عجيب المانجلك.
وقد تبعت لمشيخة العبدلاب العديد من الممالك هي مملكة الجعليين ، مملكة الجموعية ، مملكة الميرفاب ، ممكلة الشايقية ، مملكة دنقلا العجوز ، مشيخة المناصير ، مشيخة الشنابلة .
توفي الشيخ عبدالله جماع في العام 970 هجرية بعد رحيله ترك العديد من الأبناء أشهرهم خليفته الشيخ عجيب المانجلك الذي تولي الخلافة وكان شيخا محنكا وعالما عادلا وشجاعا وفقيها بسط سلطان الدولة علي بعض المناطق في شرق السودان التي لم تكن خاضعة لهم وسار علي نهج أبيه ، متبعا نظاما إداريا متقدما أشبه بالكونفدرالي مع حلفائه الفونج واهتم بتشييد المساجد والخلاوي ودور العلم وزاد توافد العلماء الي السودان من مختلف أرجاء العالم الإسلامي .
انتشر العبدلاب في العديد من البقاع قري ودبك وحلفاية الملوك والعيلفون وعد الشيخ جماع واربجي والهلالية وبرنكو والبحر الأحمر والفاشر وجبال النوبة والكرمك وقيسان جنوب شرق وجبال تقلي في الغرب وغيرها من المناطق الأخري وامتد حكمهم من أسوان شمالا حتي سواكن جنوبا .
واستقر الشيخ محمد ديومة وأبناؤه الديوماب في منطقة حجر العسل ( الديوماب ) بينما استقر الشيخ إدريس انقر جد الانقرياب وأحفاده في ارتولي والباوقة والجول وفتوار واستقر الشيخ أحمد ادركوجه جد الادركوحاب وأحفاده في حفير مشو وفي كسلا وهمشكوريب هناك أبناء الشيخ محمد الباقر بن الشيخ عجيب (الشيخ علي بيتاي) وهم من قبيلة البوقلد والردي وهم فرع من الجمبلاب وفي القاش أولاد عدلان الهدندوي وهم موجودين ضمن قبائل الترك ( الهلال ) وهنالك الارتيق العبدالله أرو هم أبناء ضياب أبو نائب ود عبدالله جماع مولودون في اليوشاب بينما استقر الشيخ سبه جد السباب بالجيلي والنية وعنتار بدبة ود العجيل .
في تلك الفترة شهدت البلاد نهضة دينية وثقافية كبيرة إذ أقام الشيخ عحيب رواقا للسودانيين بالأزهر الشريف يعرف برواق السناريين واهتم بالحجاز وبالحج فعبد طريقا سالكا للحجاج عبرالجبال والمسالك الوعرة التي كان ينعدم فيها الأمن ويصعب المسير وفي طريقه للحج تزوج الشيخ عجيب من قبيلة الامرار الكواهلة وانجب ابنه عثمان الذي تنتمي اليه قبيلة العتمن الشهيرة بشرق السودان .
استمر العبدلاب في الحكم حتي العام 1821 حين غزاء إسماعيل باشا السودان في عهد الشيخ ناصر بن الشيخ الأمين .
وبذلك طويت صفحة بطولية من تاريخ العبدلاب كانت لها تأثيرها علي السودان الحالي ستظل خالدة علي مدي التاريخ والعصور تتناولها أجيال بعد أجيال إذ يكفيهم فخرا وعزة أن في عهدهم نعم السودانيين بالأمن والعدل والرفاهية وتوافد في حكمهم العلماء والأدباء والفقهاء والمتصوفة الي السودان من كافة أنحاء الوطن العربي والإسلامي وتلقي الأجيال التعليم داخل وخارج السودان وتم فتح الطريق الي الحج الذي كان وعرا وغير أمن بجانب بناء أوقاف للحجيج في السودان ومكة المكرمة والمدينة المنورة كما قاموا بوضع خزينة من الذهب الخالص بالروضة الشريفة وميزابا من الذهب علي الكعبة الشريفة وللعبدلاب أحفاد سعوديين يفتخرون بتاريخ أجدادهم وقد زاروا السودان مؤخرا والتقوا بزعماء العبدلاب وقد قامت أجهزة الإعلام بعمل لقاءات معهم محفوظة الآن لديها .

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى