رأي

أحمد حامد الجبراوي يكتب: يَوْمُ عَاشُورَاء… بَيْنَ اسْتِلْهَامِ عَوامِلِ النّصْرِ وتَأمُّلِ مَواقِفِ الخُذْلَانِ

بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ الْرَّحِيمِ

يَوْمُ عَاشُورَاء… بَيْنَ اسْتِلْهَامِ عَوامِلِ النّصْرِ وتَأمُّلِ مَواقِفِ الخُذْلَانِ

أحْمَد حَامِد الجَبَرَاوِيّ

الحمد لله والصّلاة والسلام على رسول الله *وبعد* :
العاشر من شهر الله المحرم يوم عظيم فى التأريخ وتتجدد دروسه وعبره مع مرور الأيّام واذا كان عاشوراء يوم نصر وعزة واستعلاء فإنه فى مشهد آخر يمثل يوما بَانَ فيه الخذلان والخيانة فى ابشع صورها فى وقت متأخر جدا من الحدث الاوّل وعليه فهما حدثان جديران بالتأمل واستنزال المعاني المتسقة مع كليهما فالأول نصر الله لرسوله موسى عليه الصلاة والسلام وقد تحققت فيه كل عوامل النصر والثانى خذلان الباطنية الخبثاء للصحابى الجليل الحسين بن علي رضى الله عنهما وتخليهم عنه كما فعلوها من قبل ولا يزالوا على ذات النهج خذلانا للأمة وعليه فهذه محطات مهمة أجملها كما يلى:
*القصص للاعتبار:*
إن العناية بالقصص مقصودها أخذ الدروس والعبر وقد قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف ١١٠ وعليه فهى ليست مجرد قصص وحكاوى ولكنها معين متجدد المعانى.
*العقيدة مجلبة للنصر أو الخذلان* :
فإن نصر الله متصل بنصره : (إِنْ تَنْصُرُوْا اللهَ يَنْصُرْكُمْ) : “لَأغلِبنّ أنَا وَرُسُلِي” فمتى ما صلحت العقيدة كانت سببا لاستنزال نصر الله ومتى ما فسدت كانت مجلبة للعار والشنار والانهزام فلما استكمل موسى يقينه وثقته جاءه النصر من حيث يتوقع الهزيمة فالبحر أمامه والعدو من خلفه ولكن عقيدته فى الله قالت:(كَلًّا إِنّ مَعِيَ رَبِّي سَيهْدِيْنٍ ) وفى المقابل لما وهن الدين عند اولئك الخبثاء تخاذلوا وأسلموا الحسين لعدوه وعدوهم وما وقف معه إلّا قلّة من أهله وذوي رحماه .
*نحن أولى بموسى منهم:*
لما صام موسى شكرا لله على نجاته ومن معه ولغرق فرعون وجنده، فتأسى به النبي صلى الله عليه وسلم- شكرا لله، فعنِ ابْنِ عَبَّاسٍ – رضى الله عنهما – أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَدِمَ الْمَدِينَةَ فَوَجَدَ الْيَهُودَ صِيَامًا يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِى تَصُومُونَهُ ». فَقَالُوا هَذَا يَوْمٌ عَظِيمٌ أَنْجَى اللَّهُ فِيهِ مُوسَى وَقَوْمَهُ وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا فَنَحْنُ نَصُومُهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ». فَصَامَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ”. رواه مسلم وفى المقابل نحن أولى بالحسين منهم فهو صحابى وسبط رسول الله صلى الله عليه وقدوة واسوة لنا ومحبته ومناصرته والدفاع عنه واجب شرعي لا تنازل عنه البتة وهو عندنا فى منزلة رفيعة بتوسط واعتدال فلا غلو فيه ولا اجحاف رضوان الله عليه وقد مات شهيدا وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنة . فالولاء والانتماء خليق بهذه الامة المباركة. *الاتٍّباع الحقّ :*
إنما تكون حقيقة الاتباع للأنبياء وأئمة المسلمين بالسّير على طريقتهم وهديهم وليس بدعاوى الانتساب إليهم، ولذا قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بِمُوسَى مِنْكُمْ ». فالولاية الحقيقية لأولئك الأطهار إنما تكون بالقدوة الصالحة والمتابعة الراشدة لا التبعية العمياء والتعصب المقيت مما يجدد معنا أهمية تجديد القدوة بهم على الدوام.
*الشكر طاعة وامتثال* :
الشكر لله إنما يكون بالطاعات اعترافا بالنعمة وثناء على المنعم وتسخيرها فى العبودية لا بالمعاصي والآثام والشكر يكون باستظهار الدين وأعلامه تبعا للنصوص الشرعية، ولا نتعداها ببدع محدثة مما يستحسنه الناس ويعتادونه ولهذا شرع لنا عاشوراء شكرا لله وأما اولئك فقد جعلوا يوم الموت عيدا ومناحة ولطما فيبكون بدموع النساء من لم يستطيعوا الدفاع عنه كالرجال للأسف الشديد
*وللأبناء رعاية واهتمام:*
فعناية السلف بالأبناء وبتربيتهم وتنشئتهم على الطاعات وعلى معرفة أيام الله كعاشوراء كانت معلما بارزا ، فعنِ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ أَرْسَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلْيَصُمْ قَالَتْ فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْدُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا وَنَجْعَلُ لَهُمُ اللُّعْبَةَ مِنَ الْعِهْنِ فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإِفْطَارِ.رواه البخاري وقد كان من دعاء إبراهيم غليه السلام: (وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ). وفى المقابل فإن اولئك يورثون لأبنائهم مظاهر اللطم والدماء والزحف ليعتادوا البدعة والمنكر وينشِّئونهم على الحقد والكراهية وعليه فلابد من تنشئة الأبناء على مظاهر التدين وربطهم بسير الأخيار وتحسين الاقتداء بهم وكان من دعاء عباد الرحمن: (رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
*الحقّ منصور:*
إن حادثة عاشوراء تظهر أن الطغيان مهما استطالت أيامه وعتى أهله وتجبروا فمصيرهم إلى زوال فدرس عاشوراء يؤكد للمسلم أن طريقه الشائك الطويل المملوء بالمحن و الابتلاءات سيؤدي لا محالة إلى نصر قريب حتى لو كان متجاوزا للمحال فليستقر ايمان العبد وليهنأ بربه ومولاه وهو يستشعر حلاوة القرب ودنو النصر وانبلاج فجر الخلاص .
*وبعد*
فهذه بعض الدروس التى تستفيدها الأمة من عاشوراء وهى وتجدّد شكرها صوما لله وتجدد انتسابها وولاءها لموكب رسل الله وهى أمة الشهادة و أمة الختام وأمة الكمال .
والحمد لله رب العالمين.

احمد الجبراوي
الخرطوم
محرم ١٤٤٢هـ

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إغلاق