رأي

عبد الله فتحي يكتب في نصف كوب: نزيف وخريف وإنتصار

د.عبدالله فتحي
يكتب / نصف كوب

نزيف وخريف وإنتصار
……………………..

رشفة أولى:

قيل لأحد الصالحين: يا سيدي، لقد طال الظُلم!!
فقال: إذاً لقد قصُر عمرُ الظالم.
قالوا: ما أقسى هذه المِحنة !!
فقال: وما أعظم الأجر.
قالوا: والله، كاد الأمل أن ينفد!!
فقال: إذاً أوشك الفرجُ أن يأتي.
قالوا: عجيب، أفكلَّما حدَّثناك بشيءٍ حدَّثتنا بعكسه !!
قال: كذلك قال الله عزّ وجل:
﴿وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ﴾.
رشفة ثانية:
حرب السودان رغم الضحايا والخراب والتدمير الذي حدث لمدن ومؤسسات وقرى وديار في أنحاء السودان إلا إن الاستهداف الأكبر للجهات والأنظمة والدول التي تقود هذه الحرب هو نفسية الانسان السوداني.
فعندما تقتل طفلة..وتغتصب فتاة..وتدمر كوبري خارج جغرافيا المعركة..وتخرج مواطنين من ديارهم فزعين..وتدخل قرية وتخرج منها سريعا..وتدخل أخرى بعيدة عن تمركز جنود السودان مستعينا بصورة الأقمار الصناعية.. وتحرص على توثيق ذلك ونشره بفرقعة اعلامية على أوسع نطاق..هذه ليست حرب عسكرية مقصود بها تدمير مقدرات جيش العدو..فهولاء ليسوا أهداف عسكرية..لكن الحرب في السودان هدفها الأول هو ( تدمير الذات الإنسانية السودانية).
تكنولوجيا الأقمار الصناعية الموجهة نحو طبوغرافيا السودان لتكشف حركة الجندي السوداني المقاتل داخل أرضه ليحمي عرضه فتخبر العدو الضعيف المفكك المستنفر بدافع السرقة والهرب بممتلكات المواطنين بأسرع وأقرب الطرق التي تحددها الاتصالات وصور الأقمار الصناعية..فمجرد وصول أبطال السودان والغضب يغلي في صدورهم يجدوا بقايا وفلول وجبناء يتباكون لا يتحملون صبر ساعة.

ميدانيا..خريف غزير موعودة به أقاليم السودان هذا العام..اذا تم توظيفه عسكريا فسيلتقطون المرتزقة أحياءا كما الفئران المبتلة..أو موتى غرقى في خيران وأودية وسهول وانهار السودان..
اعلاميا..آلة اعلامية ضخمة بتمويل دولاري ملياري.. وشبكة حسابات تواصل اجتماعي وهمية بالمئات..وعشرات من خبراء الاتصال والاعلام والاشاعات وخبراء علم النفس والبرمجة العصبية السلوكية يقدمون روشتات سريعة لكل موقف جديد في هذه الحرب النفسية الهائلة.
نزيف نفسي رهيب يسيل من أعصاب وقلوب وعقول السودانيين بفعل هذه الحرب النفسية الفاجرة..نزيف نفسي يحتاج لتطبيب عاجل من غرفة ادارة الحرب..ناطق رسمي اعلامي في المقام الأول..غرفة اعلامية وطنية من اعلاميين سودانيين..حقيقيين..
صفحة الكترونية تتجدد كل عشر دقائق بآخر أخبار الميدان..تصريحات من قادة السرايا والألوية والكتائب بكل تقدم الى الأمام..وهكذا..
الرصاصة تقتل مرة واحدة لكن الأخبار السيئة المؤسفة المفبركة باحترافية أقرب الى الحقيقة تقتل السودانيين الف مرة..إنهم يريدون شخصية سودانية محطمة.

رشفة آخيرة:

أسعدني حد الدموع مشهد استقبال أهل منطقة ( طويلة ) في شمال دارفور للنازحين من القرى المجاورة بسبب الحرب بأرتال كالأمواج المئات من النساء يحملن على رؤوسهن الطعام وكسرة وعصيدة الذرة والدخن في موكب ملحمي إنساني لا يحدث إلا في سودان الكرم والمروءة وإكرام الضيف..موكب ينعش الأرواح المرهقة من بؤس الحرب اللعينة مؤكدا أن إنسان السودان رغم العسر الشديد لا زال بخير.
موكب بشارة..
بشارة انتصار وشيك لجند السودان..انتصار تتدخل فيه يد السماء..فهل للأقمار الصناعية من محيص؟..و..معاكم سلامة.????

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى