أخبار

تفاصيل خطبة الجمعة للشيخ الجبراوي بمسجد المفرقعات بالقضارف

بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة
٥ جمادى الآخرة ١٤٤٦ هـ -٢٠٢٤/١٢/٥
مسجد المفرقعات -القضارف
العًدْلُ مِفْتَاحُ النَّصْرِ وَمِعْراجُ النُّهُوْضِ
محتوى الخطبة
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الامَـانَـاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) ٥٨ النساء.
(يَـاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْولِدَيْنِ وَلاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:135].
إن العدل هو اسم الله وهو قيمة عظيمة تألفه النفوس وتأنس إليه الفطر وهو أس الديانة وعماد الحضارات فقد قامت عليه الشرائع وبه تنهض الأمم والشعوب
(لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَـاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَـابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَـافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ) ٢٥ الحديد.
فالعدل اتفقت وتواطأت على حسنه الشرائع الربانية، والعقول الحكيمة، والفطر السوية. وتمدّح بإدّعاء القيام به ملوك الأرض وقادة الأمم، وعظماؤها وساستها قديما وحديثا.
وليس العدل مجرد أحكام قضائية وإنما هو منظومة متكاملة تتصل بالعقيدة والعبادات والمعلاملات والسلوك والاخلاق؛ فأعدل العدل هو التوحيد وأظلم الظلم هو الشرك(وَإِذْ قَالَ لُقْمَٰنُ لِٱبْنِهِۦ وَهُوَ يَعِظُهُۥ يَٰبُنَىَّ لَا تُشْرِكْ بِٱللَّهِ ۖ إِنَّ ٱلشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ )١٣ لقمان . واتصال العدل بالعبادات مبني على التوسط والاعتدال فلا إفراط ولا تفريط ولا غلو ولا إجحاف. “إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ” البخاري . وفي السلوك والأخلاق كذلك، وهكذا كل شرائع الدين مبنية على العدل والوسطية والتوازان.
وعليه فإن العدل إذا أقيم كان مفتاحا مهما للنصر على الأعداء لأنّ إقامته عبادة وطاعة وبركة وإلفة ورباط فمتى ما رفعت المظالم وأقيمت موازين القسط رزق الله الأمة النصر على أعدائها والمظالم هي أس الهزائم
واحترام العدل والذي هو تقليدٌ تتوارثه الأمم المحترمة، وتقيم له الضمانات، وتبني له السياجات، من أجل ترسيخه واستقرار الحياة الإنسانية عليه فإذا تم فهمه واستيعابه وتجذير مفاهيمه ومعانيه وتطبيقاته في الحياة بدءا بترسيخ معالم التوحيد والعقيدة السوية وتحقيق المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم أساس وفاء بعهد الله وعهد رسوله فلا إله الا الله وأن محمدا رسول الله عهد والتزام يحقق العدل كان ذلك تأسيسا لعوامل البناء والنهضة وعروجا حضاريا كبيرا للأمة إذ لا ترتفع الأمم إلا بمقدار ما تحققه من ترسيخ العدل وحماية الحقوق فما ازدانت الحضارات بمثل العدالة وما انهارت إلا بعد أن فارقت محرابها وارتكبت المظالم في حق النفس وحق الغير
فالعدل دعامة بقاء الأمم، ومستقر أساسات الدول، وباسط ظلال الأمن، ورافع أبنية العز والمجد، فلا يكون شيء من ذلك بدونه.
فما من أمة تعطلت من هذه الخصلة الجليلة إلا وتجد فيها آفاتٍ جائحةً، وسموماً قاتلةً، وبلايا مهلكةً، وفقرًا مدقعاً ، وذلاً مقعداً، ثم لا تلبث بعد ذلك حتى يبتلعها العدم ويطويها النسيان ويزدريها الخلق.
ولذلك قالوا والعدل أساس الملك، وهو أساس استمرار أي مؤسسة حياتية سواء كانت حكما أو قضاء أو مؤسسة بيت وأسرة أو مؤسسة مال واقتصاد أو مؤسسة علم ومعرفة وغيرها من مؤسسات المجتمع كبرت أو صغرت وقد ذكر ابن أبي الدنيا عن الفضيل بن عياض أنه قال: أوحى الله إلى بعض أنبيائه: (إذا عصاني من يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني) اهـ. فلا شك أن إقامة العدل وأداء الحقوق لأهلها من أسباب بقاء الدول وتفوقها وغلبتها، قال شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالة (الحسبة): الجزاء في الدنيا متفق عليه أهل الأرض، فإن الناس لم يتنازعوا في أن عاقبة الظلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة، ولهذا يروى: “الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا ينصر الدولة الظالمة وإن كانت مؤمنة”اهـ : ﴿ أَوْفُوا الْكَيْلَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُخْسِرِينَ * وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ * وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ﴾ ١٨١-١٨٣ الشعراء
وعليه فلابد من إقامة موازين العدل عقيدة سليمة ومتابعة وعبودية خالصة وقضاء راسخ وسلوكيات متزنة وحكم راشد ومعايير عادلة في الحياة تربية وتنشئة وبيع وشراء وتعاقد وعدل بين الناس في الوظائف والأعمال والمسؤوليات والمهام، قال تعالى: ﴿ يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ﴾ ٢٦ ص
قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ﴾ النساء ﴿ وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ﴾ [الحجرات: 9]،
رزقنا الله العدل عقيدة وعبادة ومعاملة وسلوكا وأخلاقا وحفظ بلادنا من المظالم والسوء ونصر قواتنا المسلحة وإسنادها المدني .
والله الموفق

أحمد حامد الجبراوي
القضارف
٥ جمادى الآخرة ١٤٤٦ هـ – ٢٠٢٤/١٢/٦

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى