ابراهيم شقلاوي يكتب في وجه الحقيقة: ولاية الخرطوم: إعادة الإعمار تبدأ بالأمن الغذائي

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي
ولاية الخرطوم: إعادة الإعمار تبدأ بالأمن الغذائي
في ظل التحديات التي فرضتها الحرب في السودان، برز الأمن الغذائي كأحد القضايا الأكثر إلحاحًا، خاصة مع عودة أعداد كبيرة من النازحين إلى ولاية الخرطوم. فبينما تشكل إعادة الإعمار حجر الأساس في استعادة الاستقرار، فإن تحقيق الاكتفاء الذاتي الغذائي يمثل عاملًا حاسمًا في بناء مجتمع قادر على مواجهة الأزمات المستقبلية. لذا ينبغي ألا تقتصر جهود الخرطوم على إستعادة الوضع السابق، بل يجب أن تتبنى رؤية حديثة وشاملة تستفيد من دروس الأزمة، وتدمج بين إعادة تأهيل المشروعات الزراعية، واستخدام الطاقة المتجددة، وتطوير السياسات الزراعية نحو نموذج أكثر استدامة.
أحد المؤشرات الإيجابية على إمكانية استعادة الإنتاج الزراعي في ولاية الخرطوم هو عودة مشروع الشعب الزراعي بمنطقة الفكي هاشم شمال بحري إلى دائرة الإنتاج. فقد أعلن وزير الزراعة والثروة الحيوانية والري بالولاية ، سرالختم فضل المولى أمس الأول عن إعادة تشغيل المشروع بعد تضرره جراء الحرب، حيث عانى من انقطاع الكهرباء لأكثر من عام نتيجة تدمير محطة قري الكهربائية، إلى جانب بعض الأضرار الطفيفة التي لحقت بالبنية التحتية.
رغم هذه التحديات تمكن المشروع من إستعادة النشاط، حيث بدأت الطلمبات في ضخ المياه، وتم توجيه الإدارات المختصة إلى إصلاح المضخات المتعطلة وتشغيل البيوت المحمية والمشاتل، في خطوة تعكس إمكانية استعادة الإنتاج الزراعي، إذا ما توفرت الإرادة السياسية والاستراتيجيات الملائمة. لذلك فإن عودة النازحين إلى الخرطوم تفرض ضغوطًا إضافية على الموارد الغذائية، خاصة في ظل تأثر الأسواق وسلاسل الإمداد جراء الحرب.
لكن لا يمكن تجاهل التحديات القائمة، فتشير التقديرات إلى أن عودة النازحين تزيد الطلب على الغذاء بنسبة تتجاوز 30% (برنامج الأغذية العالمي)، بينما تراجعت القدرة الإنتاجية الزراعية بنسبة 60% بسبب تدمير البنية التحتية (منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة). كما ارتفعت أسعار السلع الغذائية بنسبة 150% خلال الأشهر الأخيرة، وتضاعفت تكاليف الإنتاج الزراعي بسبب تدهور العملة و زيادة تعرفة الكهرباء بنسبة 200%. بالإضافة إلى ذلك، تعطلت شبكات النقل والتوزيع بسب القيود التي كانت تفرضها مليشيا الدعم السريع ، مما أدى إلى صعوبة وصول المنتجات الزراعية إلى الأسواق، وتلف كميات كبيرة منها.
لمعالجة هذه التحديات تحتاج ولاية الخرطوم إلى تبني رؤية زراعية حديثة، تعتمد على التحول نحو الطاقة الشمسية في الزراعة، لتقليل تكاليف التشغيل في المشروعات الزراعية، مما يعزز الاستدامة الاقتصادية للقطاع ، كما هو مطبق في العديد من الدول التي تواجه تحديات مماثلة. لتوفير حلول أقل تكلفة وأكثر استدامة. كذلك يجب دعم صغار المزارعين في التحول إلى الطاقة الشمسية من خلال توفير تمويلات ميسرة وتقنيات مناسبة.
بجانب ذلك أهمية التوسع في الزراعة الحضرية، من المعلوم تمتلك ولاية الخرطوم إمكانات كبيرة لتطوير الزراعة الرأسية، مما يساهم في تقليل الفجوة الغذائية داخل العاصمة. لذلك لابد من إعادة تأهيل الأراضي الزراعية المهملة في أطراف الولاية وتحفيز الاستثمار الزراعي فيها. بجانب دعم زراعة الخضروات والمحاصيل الأساسية باستخدام تقنيات الزراعة المحمية.
رغم امتلاك ولاية الخرطوم مشروعات زراعية واعدة مثل مشروع سوبا غرب الزراعي ومشاريع الريف الغربي والشمالي بأمدرمان، إلا أن الحرب تسببت في أضرار كبيرة، تمثلت في تدهور البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء، وانخفاض الإنتاجية. لذلك فإن إعادة تأهيل هذه المشروعات يتطلب إدخال أنظمة رى حديثة، وتطوير سلاسل الإمداد لضمان استمرارية الإنتاج. كما يجب الاستثمار في تحسين البذور والأسمدة وتعزيز دور الأسر المنتجة.
بجانب إنشاء مزارع نموذجية تعتمد على أنظمة الري الحديث والطاقة المتجددة. إصلاح السياسات الزراعية، لتحقيق استدامة الأمن الغذائي، تحتاج الولاية إلى تبني سياسات تدعم الإنتاج المحلي، من خلال تحفيز الاستثمار في البنية التحتية الزراعية، مثل تخزين المحاصيل، وشبكات التوزيع، وأسواق البيع المباشر . كذلك من الأهمية إصلاح قوانين التمويل الزراعي لتعزيز البحوث الزراعية و وتطوير التقنيات الحديثة لزيادة الإنتاجية.
تُظهر التجارب العالمية أن الأمن الغذائي لا يمكن تحقيقه فقط عبر زيادة الإنتاج، بل يحتاج إلى استراتيجيات متكاملة تشمل التكنولوجيا والاستثمار والإصلاحات المؤسسية. وإذا استطاعت ولاية الخرطوم الاستفادة من دروس الحرب وتوجيه سياساتها نحو إعادة بناء قطاع زراعي أكثر مرونة واستدامة، فإنها ستكون قادرة على تحويل الأزمة إلى فرصة للنهوض باقتصادها الزراعي، وضمان استقرار غذائي حقيقي لسكانها.
عليه وبحسب ما نراه من وجه الحقيقة فإن إعادة الإعمار تبدأ بتأمين الغذاء، من خلال بناء نظام غذائي قادر على التكيف مع الأزمات المستقبلية. إن تبني الطاقة الشمسية والتوسع في المشروعات الزراعية وإصلاح السياسات الزراعية، هي خطوات ضرورية لضمان بداية نهضة جديدة لاستقرار اقتصادي واجتماعي شامل. لذلك يجب أن تستفيد الولاية من هذه الفرصة لإعادة بناء منظومة الأمن الغذائي وفق رؤية حديثة مستفيدة من دروس الحرب.
دمتم بخير وعافية.
الأحد 16 مارس 2025 م Shglawi55@gmail.com