رأي

محجوب ابو القاسم يكتب: الغريق قدام

*محجوب أبوالقاسم*

*يكتب*

*الغريق قدام*

ثلاثة أيام انتشرت فيها الشائعات والاجتهادات ظل المواطن يتابع من خلف ستار بقلق ما يجري في شمال دارفور بينما افتقد الرأى العام إلى رؤية موحدة وواضحة، لكن أنتهت الضبابية بتصريح مساء امس من رئيس مجلس السيادة القائد العام للقوات المسلحة الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان بأن انسحاب القوات من الفاشر جاء وفق تقديرات عسكرية وبهدف الحفاظ على المدنيين تصريح يؤكد أن هناك عقلا عسكريا وضميرا إنسانيا يسيران جنبا إلى جنب في ميدان المواجهة.

الفاشر لم تكن يوما مدينة سهلة على مدار عامين من الحصار والاعتداءات، بقيت شامخة كأنها تسجل بوضوح أن أرض السودان لا تهزم بسهولة رغم كثرة العتاد والمرتزقة الأجانب ورغم محركات تمرد لم تتورع عن توظيف البشر كأداة قتال في وجه الجوع والمرض، قاومت المدينة بصلابة ساهم فيها بسالة قواتنا المسلحة والقوات المشتركة والمجاهدين والشرطة والمخابرات جميعهم صف واحد في مواجهة فوضى منظمة.

لا يعني الانسحاب من نقطة أن الخسارة حاضرة بل على العكس الانسحاب أحيانا خطة إنقاذ تحفظ حياة المدنيين وتمنح الجهد العسكري فرصة لإعادة ترتيب الصفوف هذا ما أراده القائد العام وهذا ما يميز الجيوش المنضبطة التي تراعي القانون والأخلاق حتى في أقسى الظروف. فالأخلاق العسكرية لا تقاس بانواع السلاح بل بمدى احترامها للمدنيين وحرصها على تلافي كارثة إنسانية أكبر.

فمنذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 بدا المشهد في بعض اللحظات وكأن البلاد تحاصر من الداخل انتشار المليشيا إلى العاصمة وإلى مدن عدة خلق شعورا بأن القاع قد حان ولكن التاريخ لا يصنعه اليأس فتصنعه الإرادة والخطط المحكمة بفضل تخطيط الجيش وتضحيات القوات المشتركة والشرطة والأمن والمجاهدين والخبرات الاستخباراتية تم كنس كثير من مواقع التمرد وتدمير قدرات كانت توشك أن تتحول إلى واقع سيطر عليه الفوضى.

الفاشر محطة ليست نهاية ولا هدفا للاحتفاء لدى معسكر التمرد هي اختبار صمود وإن كان خصومنا يعتقدون أنهم انتصروا بمجرد سيطرة مؤقتة أو صورة إعلامية، فإن الحقيقة على الأرض تقول إن زمن الانحراف لن يدوم والجيش سيدفع منطق الاسترداد إلى كل محاور دارفور وكردفان، خطوة بعد أخرى محافظة على الناس أولا ومستمرة حتى استعادة كامل المسار الوطني.

اليوم الحزن والخوف المتغلغلان في نفوس المواطنين ليس نهاية الطريق بل مرحلة انتقالية ستستبدلها فرحة الانتصار بإذن الله. لكن تلك الفرحة لا تأتي بلا ثمن ولا دون عمل جماعي فيجب الوقوف خلف المؤسسة العسكرية، والتضامن المجتمعي، وتاتي حكمة القيادة تحسب خطواتها قبل أن تحركها العاطفة.

المعركة لم تكن يوما مجرد اشتباكات على الأرض بل صراع قيم وتوازنات وعلى الجميع أن يقرأ اللحظة بحكمة نحمي المدني، نصون الدولة ونبني من خلال انضباط الجيش وصبر الشعب مستقبلا يصون السودان ويرسخ مكانته.

ولنا عودة.

٢٨ أكتوبر ٢٠٢٥م

أحمد حسين محمد

رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى