رأي
الفاتح داؤد يكتب: تحرير وقائع حول أزمة الإنتقال
في تصوري أن طيفا واسعا من القيادات السياسية مصاب بعقدة التبرير السياسي،التي يحاولون عبرها مدارة عجزهم الفاضح وفشلهم في اكمال مشروع الانتقال، قمة التناقض عندما يجأر سياسي بالشكوي من تغول العسكر باتهامهم بالمناورة، وعدم رغبتهم في مغادرة السلطة. لأنهم في اعتقاده على يقين أن القوى السياسية لن تصل إلي اتفاق مطلقا فيما بينها. اذا كان ذلك كذالك فعلي من تقع مسؤولية تسليم السطة.
خاصة وأن هذه القيادات السياسية تعلم أن المجتمع الدولي هو من يضغط في اتجاه تسليم السلطة للمدنيين. والطبيعي في هكذا موقف وهو أن تسعي القوى السياسية الي وتضع العسكر في اختبار حقيقي، بدلا من البحث عن مبررات سياسية فطيرة وبائسة. ولا يساورني الشك أن حالة العجز هذه تفرضها دوافع الاستحواذ علي السلطة، لان كل مجموعة سياسية تعتقد جازمة ،انها تمثل روح الثورة دون الأخريات، و بالتالي يجب أن تتسلم مقاليد السلطة ،وتدير الدولة بالطريقة التي تعتقد أنها تحقق التغيير ،أن سيادة فكرة السلطة على العقل السياسي، هي التي حرمت هذا العقل من اكمال عملية التحول الديمقراطي في البلاد. و هي ذات العقلية التي تجعل الحوار بين القوي المدنية غير منتج. لآن فكرة الاستحواذ علي السلطة، تجعل صاحبها يحاول أن يضيق عملية المشاركة في القوي التي تتحكم في إدارة الفترة الانتقالية.
واضح أن العملية السياسية في حاجة إلي تنازلات والي ا لتفكير خارج الصندوق، خاصة وسط القوي المدنية التي عصفت بها التصدعات علي مستوي التحالفات ، التي كلما تعمقت إطالة أمد الأزمة وضاقت فرص الانتقال . ولذالك علي القوى المؤمنة بعملية التحول الديمقراطي ،البحث عن طريق ثالث لاحداث أختراق في جدار الأزمة، ليس بالمنافسىة على طرح المبادرات، التي أصبحت علي كثرتها بلا قيمة سياسية. بل بالشروع مباشرة في فتح نوافذ للحوار مع كل التيارات بلا استثناء،، وان تعمل الحوارات في اتجاه الوصول ألي تحديد المشتركات و القضايا المختلف عليها، لا مناص من هذه الخطوة،طالما تنتهي الي كسر الحواجز النفسية في العملية السياسية. لان السياسة تحتاج احيانا إلي خطوات جريئة ،لكسر التابوهات التي صنعتها القوى السياسية بنفسها في مراحل تاريخية، لاعتقادها إنها سوف تحقق بذلك اهدافها، ثم تكتشف لاحقا عوائق صنعتها .
وهذا العب في تقديري يقع القادة السياسيين الذين عليهم تهيئة البيئة المناسبة،لاجراء الحوارات السياسية،التي تساعد على خلق واقع سياسي جديد يحترم الرآي الأخر، و الكل فيه يمتلكون جزءا من الحقيقة، و كما يجب عليهم فحص الأليات السياسية التي تساعد على التغيير، و إنتاج خطاب سياسي أكثر مرونة وذات مضامين سياسية جاذبة، والذي سوف يجبر كل القوى المتطرفة علي الرضوخ للحوار، عندما تجد نفسها معزولة عن أي حراك سياسي بدأ التأثير في وعي المجتمع، وبدا في تشكيل وعي جديد يتناسب مع المرحلة القادمة.
من المفارقة أن معظم القوى السياسية تشتكي من الدور الذي تلعبه عناصر النظام السابق، مع عجزها في تقديم مشروع سياسي يقطع الطريق أمام عودته. و هذه الثقافة الشمولية هي التي تشكل بها وعي الناس، و بالتالي أصبح الأغلبية يحملون هذه الثقافة، مع رفع شعارات ديمقراطية تتناقض معها كليا. لذلك تجد الممارسة تتناقض مع الشعار . لكن مشكلة قوى التغيير انها أهملت إنتاج الثقافة الديمقراطية التي يجب أن تنداح على الثقافة الشمولية و تحاصرها، و هذا يتأتي بالممارسة الديمقراطية المستمرة ليس على مستوى الدولة بل حتي الأحزاب و منظمات المجتمع المدني،لان الثقافة الديمقراطية تنتج من خلال الممارسة اليومية. فالديمقراطية ليست سلطة ، بل سلوك و ممارسة يومية ترعاها الأحزاب السياسية.